بعد حادث دهس 3 طلاب .. أسر الضحايا: «زفناهم شهداء للجنة بعد صلاة التهجد»

الضحايا
الضحايا

بورسعيد‭ - ‬أيمن‭ ‬عبد‭ ‬الهادي

سكن الحزن في كل بيت في بورسعيد، واتشحت النساء بملابس الحداد، وغابت الابتسامة عن الوجوه، وغابت فرحة العشر الأواخر من رمضان، ولم يعد أحد يشعر بقدوم عيد الفطر المبارك، وذلك بعد حادث راح ضحيته 3 من طلاب الجامعة وسيدة بعدما دهستهم سيارة مسرعة يقودها شاب أرعن، ثواني مرعبة عاشها الضحايا قبل أن تطيح أجسادهم فوق الأسفلت ثم يسقطون جثثا هامدة ومعها تسكن الأحزان القلوب في كل بيت ببورسعيد.

البداية كانت بلاغا إلى هيئة الإسعاف بوجود مصابين إثر حادث أليم وقع بشارع 23 ديسمبر أمام كلية العلوم، وعلى الفور جرى الدفع بسيارات الإسعاف والتي نقلت لمستشفى الزهور مصابين كانوا مجهولي الهوية وكانت حالتهم خطيرة، وجثتين على الارض الأولى لسيدة تدعى رضا السيد البدوى وتبلغ من العمر 50 عاما، والثانية لشاب في العقد الثاني من العمر ويدعى عمر شريف أحمد.

لم تمر على الأخبار دقائق معدودة حتى بدأت صرخات الآلاف عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بالتبرع بالدم لـ شابين جامعيين مصابين في الحادث، توجه العشرات من الطلاب للمستشفى للتبرع بالدم، وعندما شاهدوا المصابين كشفوا عن هويتهم؛ تبين أن احدهما اسمه محمد الشامي، والثاني يدعى محمد خميس، كانت حالتهما خطيرة، ولم يمر دقائق حتى أعلنت المستشفى وفاة محمد خميس، وفي لحظة أذان المغرب صعدت روح محمد الشامي لبارئها، ليلقى الطلاب الثلاثة مصرعهم في الحادث، إضافة إلى سيدة أخرى تدعى رضا.

ظل المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي ببورسعيد يتساءلون عن أسباب الحادث الذي اودى بحياة 4 أشخاص داخل المدينة؟، ماذا حدث؟، ومن هم المتوفون إلى رحمة الله؟، وكان الذهول يخيم على الوضع في وقتها، فلم يتخيل أحد أن ذلك قد حدث بالفعل في شارع داخل محافظة بورسعيد.

فيديو

كانت الأجهزة الأمنية قد تلقت بلاغا بالحادث، توجه فريق البحث الجنائي لمسرح الحادث، وكانت هناك سيارة فارهة مهشمة وسيارة أخرى على جانب الطريق زجاجها مهشم، وتمكنت أجهزة الأمن من خلال كاميرات المراقبة أن تحدد هوية من كان يقود السيارة وقامت بضبطه، الثواني المرعبة سجلتها كاميرا فيديو لأحد المحال التجارية بالمنطقة، كشف عن بشاعة الحادث كاملًا، ظهر خلاله 3 من الطلاب يعبرون الطريق من أمام كلية العلوم للجانب الآخر وبجانبهم سيدة تعبر الطريق أيضا؛ واذا بسيارة تأتي بسرعة جنونية وتقترب منهم وهم في فزع شديد، بعدها تتطاير الأجساد من شدة الصدمة، ويلقون جميعا مصرعهم.

أحدث الفيديو حالة من الغضب الشديد، وشن الأهالي هجومًا كبيرًا على قائد السيارة المتهم، وأكدوا أنه بقيادته للسيارة بهذه الرعونة تسبب في وفاة 3 تبين أنهم طلاب بكلية التربية، وسيدة بسيطة في العقد الخامس من العمر كانت ذاهبة للحصول على معاشها لتلبية مطالب نجلها، وتحدث المواطنون عن جريمة ارتكبها أرعن في حق أبرياء تستوجب العقاب.              

علم طلاب الجامعة ببورسعيد عما حدث لـ 3 من زملائهم وتحولت المستشفى إلى عزاء شعبي، ولم يعد بالمستشفى وأمام المشرحة مكانًا لوجود أحد من كثرة الطلاب هناك، الجميع يبكي والحزن على الوجوه، إلا أن هناك من كان أكثر حزنا من الطلاب وهم الآباء والأمهات الذين سكنت جثامين أبنائهم المشرحة وضاع شبابهم نتيجة رعونة شاب وعدم مسئوليته.

تحركت جهات التحقيق لموقع الحادث وعاينت المكان كاملا، واستمعت إلى أقوال شهود العيان، وناظرت الجثامين بالمشرحة، وأصدرت في وقت متأخر وعقب انتهاء الإجراءات تصاريح الدفن، وكانت في هذا الوقت تباشر التحقيق مع المتهم والمتسبب في وفاتهم، بعد أن قدمته أجهزة الأمن للنيابة العامة.

جنازات الضحايا

تزامنت تصاريح الدفن مع ليلة 23 من رمضان وهي ليلة وترية يلتمس فيها المصلون والصائمون ليلة القدر، قرر الأهالي أن يدفنوا أبناءهم في هذا الوقت وأن تكون صلاة الجنازة عقب صلاة التهجد، وأعلنوا أن ذلك سيكون بمسجد الحسين ليكون هناك مشهد مهيب، وصفوه بأنهم زفوا الضحايا للجنة بعدما احتسبوهم عند الله شهداء والله حسيبهم، فلم يمتلئ المسجد فقط بالمصلين، بل اغلق الأمن الشوارع ومحيط المسجد، بعدما قدرت الأعداد في صلاة الجنازة بالآلاف وليس المئات، وحمل المصلون 2 من الطلاب والسيدة لمثواهم الأخير.

وفي اليوم التالي خرج الآلاف من شباب الجامعة في جنازة مهيبة من مسجد الكريم يحملون جثمان صديقهم محمد الشافي، وظلوا يرددون: لا إله إلا الله، حتي وصلوا إلى المقابر، وكانوا في حالة انهيار شديدة، حتى أن بعضهم سقط مغشيًا عليه وحمله زملاؤه، وانهارت أمه وأخوته الصغار على القبر، وظهرت المقابر في صورة لم تشهدها من قبل، فلم يكن هناك مكان لأحد من كثرة المشيعين.

لم ينته المشهد عند هذا الحد؛ فقد تحولت الجنائز إلى الأكثر تداولا على كافة المنصات الاعلامية، وهزت هذه المشاهد المؤلمة قلوب العالم حتى تداولتها صحف عالمية، وذهب الشباب إلى سرادقات العزاء رافضين ترك أسر زملائهم، ووقفوا هناك يستقبلون المشيعين ويوزعون المياه على من يأتي للعزاء، وكذلك يقدمون المواساة للآباء والأمهات، ويحاولون اشعارهم بأنهم معهم مثل أبنائهم الضحايا ولن يتركوهم، ورفض الجميع توصيف ما حدث بالقتل الخطأ، مؤكدين أن هناك أرواحًا قد أزهقت، وأن المتهم قاد السيارة برعونة شديدة ظاهرة في الفيديو وقتل الشباب الثلاث والسيدة، وتضامن معهم في مطالبهم الكثير من الكيانات والمؤسسات والأفراد.

قرارات النيابة

أعلن عبد الله البلتاجي، محامي ضحايا حادث دهس 3 طلاب وسيدة؛ أن النيابة العامة طلبت عرض المتهم على مستشفى حكومي لبيان إيجابية أو سلبية تعاطيه للمخدرات، وطلبت تحريات المباحث، وتحريات إدارة مرور بورسعيد، بشأن ظروف الواقعة وملابساتها، مع ضم صحيفة الحالة الجنائية للمتهم، وتبين أن المتهم سبق وأن ارتكب واقعة مماثلة، وصدم بسيارته الخاصة أحد المعارض بشارع محمد علي، قائلًا: «المرة اللي فاتت جت في الحديد والمرة دي خدت 4 أرواح، مشيرا إلى أنه يثق في إجراءات جهات التحقيق، متوقعًا أن المتهم سوف يكون تحليل المخدرات له إيجابيا».

وقررت جهات التحقيق بـ محافظة بورسعيد حبس المتهم والمتسبب في وفاة 3 طلاب جامعيين وسيدة 4 أيام علي ذمة التحقيق، وعرض بعدها على قاضي المعارضات وجدد له الحبس 15 يوما، واثبتت التحقيقات أن المتهم كان يقود السيارة بسرعة 150 كيلو متر في الساعة، وصدم الـ 3 شباب والسيدة على سرعة 50 كيلو مترا، مما تسبب في مصرعهم جميعا، نتيجة قيادته للسيارة برعونة، وجار استكمال التحقيقات لإحالته للمحكمة المختصة.

ونعى اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، السيدة وطلاب الجامعة الثلاثة، إثر حادث أليم، حيث ألغى حفل الإفطار الرمضاني الرسمي حدادًا على أرواح الشهداء، وكذلك نعت كافة المؤسسات والكيانات الضحايا، وألغت الأحزاب والجمعيات كافة الفعاليات الاحتفالية وذلك حزنا على ضحايا الحادث.

وتفقد اللواء عادل الغضبان محافظ بورسعيد، موقع حادث طلبة كلية العلوم بشارع 23 ديسمبر، لاتخاذ عدة إجراءات فورية لتنظيم الحركة المرورية والحفاظ على سلامة المواطنين، ووجه بالبدء الفوري في إقامة مطبات صناعية، مشددًا على إقامة 4 مطبات صناعية بشارع 23 ديسمبر على أن يتم تنفيذ 2 مطب صناعي أمام كلية العلوم و2 مطب صناعي أمام القرية الأوليمبية، وتم عمل المطبات خلال 24 ساعة فقط، وقدم المحافظ واجب العزاء للأسر بالسرادقات وأكد لهم على حزنه الشهيد على فقدانهم، واستقبل أبناء وأمهات الضحايا بمكتبه بالديوان العام وأكد أنه معهم في كل مطالبهم.

مأساة في كل بيت

وكشف والد أحد ضحايا حادث دهس بورسعيد، الذي أدى إلى وفاة 3 طلاب جامعيين وسيدة تفاصيل الحادث الأليم قائلا: «محمد كان ابني الوحيد على ابنتين، وكان سندي وضهري في الدنيا.. في غمضة عين فجأة مات محمد.. الحمد لله مش هيغلى على اللي خلقه لكن السبب اللي أدى لوفاته هو ده اللي تعبني».

وأكد والد محمد أحد الضحايا؛ إن نجله يوم الحادث كان رفقة 2 من أصدقائه بالكلية، موضحًا أنهم توفوا على وضوء حيث كانوا في طريقهم لأداء الصلاة، وأشار والد الضحية، إلى أنهم خلال سيرهم فوجئوا بقدوم سيارة مسرعة نحوهم اصطدمت بهم، حيث كان يسير السائق بسرعة جنونية في ذلك الوقت، ما أدى لوقوع الحادث ودهس نجله وزميليه، معقبًا: «صاحب السيارة الشاب كان طاير وماشي بسرعة جنونية، معملش اعتبار أنه ماشي في في حرم جامعي وفي طلاب خارجين من الجامعة».

وفي كل بيت من بيوت الضحايا كانت هناك مأساة مختلفة عن الأخرى؛ ففي منزل محمد الشامي كان هو الابن الوحيد على شقيقتين وكان السند والظهر للأسرة، وفي منزل عمر شريف ايضا كان هو الابن الوحيد لأمه الأرملة التي فقدت زوجها قبل أشهر، وفي منزل محمد خميس كان أمل الأسرة البسيطة في المستقبل، وأما السيدة التي لقيت مصرعها فقد بكى أهالي المحافظة عليها، فقد خرجت المسكينة من منزلها لسحب أموال من معاشها البسيط لنجلها، خرجت ولم تعد بعدها.

اختلفت مأساة كل أسرة ولكن اتفقت مطالبهم فهم لايريدون سوى عدالة القانون والقصاص لحق ابنائهم الذين فقدوا شبابهم علي يد المتهم بقيادة السيارة برعونة ودون مسئولية أو اعتبار لأرواح الناس، مؤكدين ثقتهم في أن دماء ابنائهم لن تذهب هدرًا، وسوف يبرد القاضي نارهم بحكمه العادل في حق المتهم.

حملت القضية رقم 2544، وراح ضحيتها كل من: محمد عبد الله الشامي، ومحمد خميس، وعمر شريف، والسيدة رضا السيد البدوي وتبلغ من العمر 50 عاما.

اقرأ  أيضا : إصابة 6 اشخاص في إنقلاب سيارة بصحراوي أسوان 

 

 

;