تصويت واشنطن بمجلس الأمن لا يجبر إسرائيل على وقف إطلاق النار

واشنطن تدعـم تنفيذ مخطط «دولة الشيطان الكبرى»

نتنياهو يحمل خريطته لـ الشرق الأوسط الجديد أثناء خطابه بالأمم المتحدة
نتنياهو يحمل خريطته لـ الشرق الأوسط الجديد أثناء خطابه بالأمم المتحدة

■ كتبت: دينا توفيق

رغم قرار مجلس الأمن بمطالبة الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار في غزة، ورغم قرارات محكمة العدل الدولية التى تطالب جيش الاحتلال بمنع أعمال الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين وضرورة السماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إلا أن إسرائيل تمضى فى خطتها للاستيلاء على الأراضى الفلسطينية وتواصل قتل المدنيين بلا رحمة، ضاربة عرض الحائط بالأحكام والقوانين الدولية.. ومع وحشيتها وجرائمها تستمر الولايات المتحدة فى الدفاع عنها، ويستمر الغرب فى دعمها بالأسلحة، خاصة الولايات المتحدة وألمانيا اللتين تسهمان بالغالبية العظمى من واردات الأسلحة لإسرائيل.

رغم ما تظهر واشنطن من محاولات الضغط على إسرائيل إلا أنها تدعم الأخيرة بكل ما أوتيت من قوة، حيث صوتت مع ألمانيا، ضد قرار، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذى يقضى بحظر الأسلحة؛ وقالت ألمانيا إنها فعلت ذلك لأن القرار لم يدن حماس صراحة.                                                                                                                        

إن خطة إسرائيل للتوسع فى «الدولة الكبرى» التى تضم أجزاء كبيرة من أراضى جيرانها تبدأ بالقضاء على سكان ما قبل عام 1948. ويمضى نتنياهو الآن قدمًا فى إضفاء الطابع الرسمى على ما يشار إليه باسم «المشروع الاستعمارى»، حيث «سيتبع الاستيلاء على جميع الأراضى الفلسطينية، والاستبعاد التام للشعب الفلسطينى من وطنه». ووصف الصحفى «باتريك لورانس»، فى مقاله بصحيفة «Consortium News» الأمريكية الإلكترونية، كيف أن وحشية إسرائيل فى تصميمها على إبادة الفلسطينيين تمثل تحولاً للبشرية جمعاء. وفى انحدارها تجاه الفساد والظلم، تشد الدولة الصهيونية الغرب معها إلى الأسفل.

ويمضى لورانس قائلًا «فى الواقع، فإن الولايات المتحدة هى أول قوة عظمى يتم تحويلها إلى وضع تابع مملوك بالكامل للدولة اليهودية، غير قادرة على تحقيق مصالحها الخاصة عندما يواجهها طاغوت ما يسمى اللوبى الإسرائيلى وحلفاؤه المرتبطون به؛ المتمثلة فى المنظمات اليهودية والصهيونية المسيحية التى أفسدت وسيطرت على الخارجية الأمريكية بالإضافة إلى السياسات الداخلية المختارة».

ويوضح الصحفى الأمريكى أنه عندما حشد المجتمع الدولى جهوده لإنهاء المذبحة والتجويع المتعمد للمدنيين العزل فى غزة، جاء التحرك الذى اتخذته الولايات المتحدة فى مجلس الأمن، قرارًا يدعو إلى وقف فورى لإطلاق النار فى غزة، ولكنه لم يطالب به ولا يلزم إسرائيل بتنفيذه. وأوضح مسئولو إدارة بايدن أنهم سمحوا بتمرير القرار لأنه «غير ملزم» ولن يكون له «أى تأثير على الإطلاق» مع استمرار الولايات المتحدة فى تسليح ودعم الإبادة الجماعية التى ترتكبها إسرائيل فى غزة.

وكان المتحدث باسم الأمن القومى فى البيت الأبيض «جون كيربى» أكثر وضوحا عندما قال «إنه قرار غير ملزم، لذلك ليس هناك أى تأثير على الإطلاق على إسرائيل وقدرتها على الاستمرار فى ملاحقة حماس»، وفقًا لما نشرته صحيفة «واشنطن بوست». 

كما استخدمت روسيا والصين حق النقض «الفيتو» ضد مشروعى قرارين صاغتهما الولايات المتحدة بشأن الصراع، خلال أكتوبر ومارس الماضيين، وفقًا لما ذكرته وكالة «رويترز». حيث كانت هناك مشاكل عديدة فى النص لأنه يمنح إسرائيل قدرًا كبيرًا من المرونة فى إدارة الوضع. وكما تضمن تحذيراً بأن الجهود المبذولة لتأمين وقف إطلاق النار يجب أن تكون «مرتبطة بالإفراج عن جميع الرهائن المتبقين». كما سمح القرار بمواصلة القتال ووضع السيطرة على دخول وتوزيع إمدادات الإغاثة المطلوبة بشكل عاجل تحت الإدارة «الأمنية» للجيش الإسرائيلى.

ثم جاء القرار الروسى والصينى، الذى وافق عليه جميع أعضاء المجلس باستثناء الولايات المتحدة التى «امتنعت عن التصويت». حينها أعلنت الولايات المتحدة على الفور أن القرار «غير ملزم»، وبينما كان المقصود من الوثيقة السماح بوقف إطلاق النار حتى نهاية شهر رمضان، لم يتم تفعيله بعد من قبل إسرائيل التى تواصل منع وصول شحنات الإغاثة الغذائية والأدوية. وأدت الهجمات الأخيرة على المستشفيات القليلة المتبقية إلى مقتل مئات آخرين من سكان غزة.

وعلى الرغم من أن القرار طالب باتخاذ إجراءات بشأن وقف إطلاق النار والوصول إلى إمدادات الإغاثة، فقد تجاهلته إسرائيل، وكذلك فعلت واشنطن. وبما أن الولايات المتحدة وحدها هى القادرة على إجبار إسرائيل على تغيير مسارها، فإن حقيقة استمرارها فى تمويل إسرائيل وتزويدها بشحنات سرية من الأسلحة المحملة بالطائرات، التى بدونها لن يتمكن نتنياهو من مواصلة حربه، تتحدث عن نفسها فيما يتعلق بمن يسيطر على من.

ويرى لورانس أن الضغط المزعوم الذى يمارسه الرئيس الأمريكى بايدن على نتنياهو من أجل «حماية المدنيين»، هو تظاهر ومجرد محاولة ساخرة لدعم إعادة انتخابه المحتملة، حيث تشير استطلاعات الرأى فى الولايات المتحدة إلى أن أكثر من نصف الأمريكيين يعارضون ما تفعله إسرائيل فى غزة والنسبة فى تزايد مطرد، لذلك فهو يتظاهر بأن لديه دوافع إنسانية وضميراً، وكلاهما غير صحيح؛ وما يؤكد ذلك هو قيام الإدارة الأمريكية بحظر أى تمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل غزة «الأونروا» لمدة عام على الأقل. وبما أن الأونروا هى وكالة المساعدات الإنسانية الرئيسية، فإن الحظر الأخير لا يتوافق تمامًا مع رغبة بايدن المعلنة فى مواجهة أزمة المساعدات الإنسانية «المتصاعدة» لسكان غزة الذين يواجهون المجاعة.

ويأتى هذا الحظر على الرغم من استمرار عدم وجود أدلة تثبت ادعاءات إسرائيل بشأن «دعم الإرهاب» الموجهة ضد وكالة الأمم المتحدة وعلى الرغم من ظروف المجاعة الموجودة بالفعل فى غزة.

◄ اقرأ أيضًا | روسيا تدعو لجلسة استثنائية في مجلس الأمن بسبب إمدادات الأسلحة لأوكرانيا

ووفقًا لصحيفة «Consortium News» الأمريكية من المؤكد أن البيت الأبيض والكونجرس، من خلال دعم وسائل الإعلام التى يهيمن عليها اليهود، هم بالكامل فى صف نتنياهو، وهو الأمر الذى اعترف به علناً أكثر من مرة، قائلاً إن الولايات المتحدة «تتأثر بسهولة» بشخص مثله. وما يثبت العلاقة القوية بين واشنطن والكيان الصهيونى مشروع قانون ميزانية الحكومة الفيدرالية الشامل الأخير الذى تبلغ قيمته 1.2 تريليون دولار.

ويسعى مشروع القانون أيضًا إلى حماية إسرائيل من المساءلة بموجب القانون الدولى، والحد من الجهود الفلسطينية للمقاومة أو الدفاع عن أنفسهم. فهو يتطلب من أى منظمة تتلقى تمويلاً أمريكيًا أن تظهر أنها تتخذ خطوات فعالة «لمكافحة التحيز ضد إسرائيل»، ويحظر أى تمويل لدعم إقامة دولة فلسطينية ما لم يتم إثبات استيفاء قائمة الشروط المحددة بما فى ذلك «التعاون المُرضى مع إسرائيل». تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين، وليس إسرائيل، مطالبون بإنهاء إساءة معاملة المعتقلين على الرغم من أن إسرائيل هى التى تمارس هذه الممارسات بشكل روتينى.

ويأذن مشروع القانون بتقديم نصف مليار دولار من المساعدات العسكرية لإسرائيل من أجل «القبة الحديدية» وأنظمة الدفاع الصاروخى الأخرى. وتمت الموافقة على مشروع القانون عبر الكونجرس، وتم تحويله إلى قانون، وهو فى طريقه لتوقيع بايدن. وبعبارة أخرى، فإن الولايات المتحدة متواطئة عن طيب خاطر فيما يحدث فى غزة وللفلسطينيين؛ فهى تمول حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل ضد المدنيين الأبرياء.