أخطر الجماعات الدموية فى التاريخ الإسلامى «4» .. "القرامطة "المعنى الحرفى للمفسدين فى الأرض

جماعة القرامطة
جماعة القرامطة

أحمد‭ ‬الإمام

  الإخوان المسلمون وداعش والقاعدة وغيرها من الجماعات التي تدثرت بعباءة الدين لتحقيق أهداف سياسية وأغراض دنيوية زائلة ليست نبتًا شيطانيًا وليد اليوم ولكنها امتدادًا لجماعات مارقة أبتلي بها التاريخ الاسلامي ولطخت بدمويتها وجرائمها الصورة الناصعة النقية لديننا الحنيف. على مدار أسابيع شهر رمضان الكريم نستعرض تاريخ بعض هذه الجماعات الغامضة .. كيف بدأت وتوسعت حتى صارت مصدر رعب وازعاج دائمين لجميع ممالك هذا الزمان ..

 بدأت هذه الدّعوة على يد عبد الله بن ميمون القدّاح، في الكوفة سنة «276هـ»، وقد عرف بمكره وكفره ومجونه، وفلسفته وعدائه للإسلام، فقد فسّر القرآن تفسيرًا متماشيًا مع نياته الباطنة، وفسّر حديث النبي محمّد -صلّ الله عليه وسلّم- بما يتماشى مع أهوائه كذلك، وقد جعل شعار دعوته التي خاضها «الدعوة إلى الله ورسوله»، وأقرّ بالاختصاص لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالإمامة والتّقديم، وخصّ الصّحابة بالشتم والسب، وقد كان عبد الله هذا يهودي الباطن مسلم الظّاهر، فهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينةٍ السّلمية في الشام.

 كان حَبرًا من أحبار اليهود عُرف بسعة علمه، وهو مبغض للإسلام وللمسلمين وللنبي محمّد –صلّ

 الله عليه وسلّم-، لذا كانت محاولاته كثيرة لهدم الإسلام، ولم يجد طريقةً أفضل من الدّعوة إلى أهل بيت الرسول محمّد -عليه الصلاة والسلام-، وقد ظهر في أيام قرمط البقار، لذا سمّي مذهبه ومن اتّبعه باسمه نسبةً إليه وصار اتباعه يحملون اسم القرامطه.

 كان والد عبيد الله ميمون القدّاح قد انتقل إلى الكوفة، فولد له ابنه «عبيد الله» وأقاما هناك مدة طويلةً، إلى أن تهيَّأ لهما ما أرادا.

 دعمهما تسعة من الرجال وهم: علي بن فضل الجدني اليماني، وأبو القاسم بن زاذان الكوفي في مسور، وأبو سعيد الجنابي صاحب الإحساء والبحرين، وأبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة، والحسن بن مهران فيما وراء النهر، ومحمد بن زكريّا الخارج في الكوفة، ثمّ أخذ علي بن محمّد بن علي الصليحي أبي الحسن لواء القرامطة، وقد ولد في بيتِ علمٍ وسيادة، وكان أبوه قاضيًا في جبل مسار، وكان شافعيَّ المذهب، تلقّى العلم في شبابه في مدينة «عدن لاعة»؛ إذ كانت الموضع الأوّل لظهور الدّعوة العلويّة في اليمن.

 صاحبَ أحد الدعاة الفاطميين وهو عامر بن عبد الله الرواحي، فتأثّر بالمذهب الفاطمي، وقيل إنّه أصبح أحد دعاتهم أيضًا، ثمّ بدأت دعوته الخاصّة حينما أرسلَ الرسل للتبشير ونقل دعواه، وقد كانت دعوته مغلفةً بغلافٍ إسلامي، فاتّجه إليه من رأى به خيرًا، فأصبح له ستون نصيرًا، فاتّجه بهم نحو جبل مسار الذي كان والده قاضيًا به، ومن هناك بدأ بالتّوسّع، فكثرت الجماعات من حوله، ولم تمضِ سنة «454هـ» إلّا وقد ملك اليمن بأكملها.

معتقدات فاسدة 

لقد كانت هناك كثيرٌ من وجهات النظر والآراء المتعلّقة بما يدين به القرامطة، وبعد بحث العلماء حولهم وما رافق هذا البحث من استقراء وتحليل وتمحيص تبيّن أنّ عقيدتهم تقوم على ما يأتي: معتقدهم في الإله: لقد اعتقد القرامطة بوجود إلهين وجدا منذ الأزل ليس لوجودهما بداية، أحدهما علةٌ لوجود الثّاني وسببٌ له، واسم العلّة أو السبب هو «السابق» واسم المعلول أو المُسبَّب هو «التالي»، وفيما يتعلّق بالخلق فإنّ السّابق قد خلقهم بمساعدة التالي؛ إذ لا يمكنه أن يخلقهم بنفسه، ويسمّون الأوّل عقلًا والثّاني نفسًا، والأوّل تامًّا والثّاني ناقصًا. 

معتقدهم في النبوّة: إنّ تفكيرهم فيما يتعلّق بأمر النبوّة قريبٌ من تفكير الفلاسفة، فبرأيهم النبي إنسانٌ قد فاضت عليه قوّة من السّابق مرورًا بالتّالي وتركّزت به، وأمّا جبريل -عليه السلام- فما هو إلّا عقلٌ فائضٌ أيضًا، وأنّ القرآن الكريم هو من وضع محمّد -عليه الصلاة والسّلام- قد وضعه مما أرسل إليه السابق والتالي من عقلٍ وفهم، فترجمه قرآنًا. 

معتقدهم في الإمامة: لقد رأوا أنّه لا بدّ أن يظهر في كلّ عصرٍ إمامٌ شأنه كشأن الرسول في عصمته يأتي ليؤوّل القرآن الكريم والحديث الشّريف بما يراه صحيحًا، ولا يجتمع إمامان في عصرٍ واحدٍ، ولابدّ للإمام أيضًا من اثنتي عشرة حجّة. 

معتقدهم في القيامة والمعاد: لم يعترف القرامطة بيوم القيامة؛ إذ أقرّوا أنّ هذه الحياة تسير في دورة ثابتة، وعدّوا ظهور الإمام هو القيامة المحكيّ عنها، ولم يسلّموا بالحشر ولا النشر ولا الجنّة ولا النار، ومعنى المعاد بالنسبة إليهم هو عودة الشيء إلى أصله، فالإنسان يولد بعد عدمٍ، وكذلك يعود إلى حيث أتى. 

اعتقادهم فيما يتعلّق بالتّكاليف الشّرعيّة: لقد تهاون القرامطة فيما يتعلّق بتكاليف الإسلام، فحلّلوا ما حرّم الله وامتنعوا عن الشرع كما يرى ابن الجوزي في كتابه؛ فيرى أنّهم استمالوا الناس من خلال إباحة المحرمات كالزنا والخمر واستحلال نساء الآخرين ونحو ذلك، معتمدين في كل ذلك على تأويل القرآن والحديث بغير ما وضع له.

 تأويلاتهم للظواهر من التكاليف: فأقرّوا بوجود أسرار لكلّ تكليف أمر الله به، فلا يؤخذ الحكم على ظاهره، ومن ذلك قولهم إنّ معنى الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والسر هو سر الباطنية الذي يجب ألّا يعلمه أحد غيرهم، ونحو ذلك من التأويلات التي لا تتفق مع معتقدات المسلمين. 

 كان المجتمع القرمطي متميزًا عن غيره من المجتمعات الأخرى، فقد تألّف من أربع طبقات اجتماعيّة، ولكن هذه الطّبقات لم تكن تقسّم كغيرها من المجتمعات بحسب العمل أو المال؛ إذ إنّ الطبقيّة والتمييز الذي كان سائدًا هو أحد الأسباب التي دفعتهم إلى الثورة، ولا سيّما أنّ معظمهم كان من الطبقة العاملة.

 وهذه الطّبقات هي: الطبقة الأولى: يطلق إخوان الصّفا في رسائلهم على أعضاء هذه الطبقة «الإخوان الأبرار الرحماء»، وتضم هذه الطّبقة جميع الشّباب الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة عشر وثلاثين سنةً، وهؤلاء هم الشّباب الذين على استعداد لتقبّل المعتقدات والأفكار والعقيدة القرمطية. 

الطّبقة الثّانية: الإخوان الأخيار الفضلاء، وتضم هذه الطبقة مَن كانت أعمارهم بين ثلاثين وأربعين سنة، وهذه المرتبة تختصّ بالرؤساء وأصحاب السيادات، وتكون هذه الطّبقة مكلّفة بالعطف على طبقة الإخوان ومساعدتهم أيضًا.

 الطبقة الثالثة: المريدون، وتضم هذه الطبقة الأشخاص الذين تترواح أعمارهم بين الأربعين والخمسين عامًا، وهؤلاء يكونون من الرجال العالمين بسرائر العقيدة القرمطية، والذين يصبحون قادرين على معالجة أمور القيامة ورؤيتها من البعث والنشور والحساب والميزان، وهذه الطّبقة تعد أعلى الطّبقات في المجتمع القرمطي.

  برزت من القرامطة أسماء كثيرة تتابعت على الإمساك بزمام الأمور، ومنها: ميمون القداح: كان ميمون القداح يهودي الدّاخل يتظاهر بالإسلام، وهو من ولد الشلعلع من السّلميّة في الشّام، وقد كان فيلسوفًا عالمًا، واستخدم علمه في تأويل ما جاء في القرآن الكريم والسّنة النبوية المطهّرة وتحريفه. 

أبو سعيد الجنابي: كان فيلسوفًا وهو ملك البحرين واليمامة والأحساء، وقد ادّعى أنّه المهدي القائم بأمر الله، فدخل مكّة وقتل الناس واقتلع الركن وذهب به إلى الأحساء، وكان قد دخل مكّة سنة «317هـ». 

الحسن بن بهران المعروف بالمقنّع: كان حكيمًا فيلسوفًا أيضًا، وخرج من بلاد ما وراء النهر، ويذكر أنّه بنى حصنًا وأقام فيه لوالبًا، وإذا ما اتّجه إليه المسلمون للقتال بدأت الحجارة تنهال عليهم من كلِّ حدبٍ وصوب، دون أن يدروا من أين تأتي، وقد مال إليه كثيرٌ من الناس، وظلّ الأمر كذلك إلى أن أرسل الله إلى المسلمين رجلًا فطنًا أشار عليهم بحفر خندق حول الحصن، ففعلوا ذلك واستطاعوا القضاء عليه. 

محمّد بن زكريّا: يروى أنّ اسمه زكرويه بن مهرويه القرمطي، وكان قد خرج في الكوفة، فخرج إليه أحد الخلفاء العباسيين وهو المكتفي بالله من بني العبّاس فقتله بعد قتله بعض الحجيج والتنكيل بهم. 

علي بن فضل الجدني: ينحدر من ذريّة ذي جدن والأجدون من سبأ صهيب، كان في بادئ الأمر ينتحل جماعة الاثني عشريّة، فخرج إلى الحج ثمّ زار قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثمّ اتّجه إلى قبر الحسين بن علي، فراح يبكي وينوح، وكان على القبر ميمون وابنه، فتوسّما فيه خيرًا؛ إذ قد ظهرت عليه علامات جعلتهم يعلمون سهولة استمالته، فاستطاعوا استمالته إلى دعوتهم. اتّسع الكلام وطال في الأسباب التي أدّت إلى ظهور الحركة القرمطيّة، ولعلّ أبرز هذه الأسباب: اعتماد الخلافة العباسية على العرب في أمور السّياسة والقيادة: وكذلك أملاك الدّولة وثرواتها بحيث لا تخرج عنهم، ممّا أدّى إلى تهميش كثير من طبقات المجتمع آنذاك كالموالي من غير العرب، ممّا دفعهم إلى الثّورة ضد الدّولة العباسية.

 سيادة العنصر العربي الذي كانت تقوم عليه الدولة العباسية: بحيث توكّل جميع الأمور للعرب ويحق لهم ما لا يحق لغيرهم، وكل ذلك دفع الفرق المتنوّعة ومن بينهم القرامطة إلى الثّورة ضد الحكم العربي العباسي. 

الحضور السياسي للقرامطة 

كان للقرامطة حضورهم السياسي وعلاقاتهم مع الدول والقبائل والجماعات الأخرى التي حكمتها طبيعة أهدافهم المشتركة والمتباينة، لا سيما العلاقة مع الدولة العباسية. 

بدأت العلاقة بين القرامطة والبحرانيين في بداية الأمر لاجتماعهم في المذهب فهم من الشيعة، وقد استغلّ القرامطة انتظار هذه الفرقة للمهدي فادّعى زعيم القرامطة حينها أنّه المهدي المنتظر، لكن تلك العلاقة لم تدم طويلً، إذ اكتشف البحرانيّون أنّ ذاك الرجل يدعي أنّه المهدي ليس إلّا، فبدأت شيعة البحرين تحاربهم بمساعدة الدّولة العباسيّة، وقد استمرّت هذه المقاومة والعداء بين البحرانيين والقرامطة إلى أن سقطت الدّولة القرمطيّة.

الجذور التي تأصّلت منها الحركتان القرمطيّة والفاطميّة هي الإسماعيليّة، لكنّ الفاطميين كان هدفهم تأسيس دولة تقوم على حماية مذهبهم، بينما كان هدف القرامطة هو السيطرة على الاقتصاد كونها انطلقت من أسباب اقتصادية كما مرّ سابقًا، فحينما تأسّست الدّولة الفاطميّة وضع القرامطة يدهم بيد الفاطميين لمحاربة الدولة العباسية، لكنّ هذا الحلف لم يدم طويلًا حين قلب الفاطميون لهم ظهر المِجَن.

 القرامطة ودولة بني الأخيضر إنّ النقطة المشتركة التي تجمع بين القرامطة وبني الأخيضر هي وحدة المذهب، فالقرامطة إسماعيليّو المذهب وبنو الأخيضر زيدية، فكلاهما من الشيعة، إضافة إلى ذلك فقد كان يجمعهم هدف واحد وهو التّخلّص من الحكم العباسي، لذا كانت دولة بني الأخيضر إلى جانب القرامطة في كثير من الحروب، إلّا أنّ هذا التحالف ضد الدولة العباسية انتهى في أواخر العهد القرمطي.

  كان تأسيس حركة القرامطة منذ البداية قائمًا على مبدأ واحد وهو التخلص من حكم الدولة العباسية، فكانت العلاقة بين القرامطة والدولة العباسية متوترة تسودها الحروب والمناوشات بين الحين والآخر، حتى صارت النسبة إلى القرامطة تهمة تودي بصاحبها إلى القتل، وظلت الدولة العباسية تهاجم معاقل القرامطة حتى انتهى ذلك بنهاية دولة القرامطة إلى الأبد.

سرقة الحجر الاسود

في عام «317هـ» أغار القرامطة بقيادة زعيمهم وملك البحرين أبي طاهر القرمطي على بيت الله الحرام يوم التروية، والحجاج كانوا محرمين، فقتلوا الحجاج وأهل بيت الله الحرام وشنّعوا بهم وسرقوا أموالهم، ثمّ انتزعوا الحجر الأسود من مكانه وسرقوه، وحاولوا كذلك سرقة مقام إبراهيم -عليه السلام- لولا أنّ القائمين عليه حالوا دون حصول ذلك الأمر، ثمّ أخذوا الحجر الأسود إلى هجر في الأحساء، وبعد ذلك دعا أبو طاهر القرمطي إلى الحج إلى الأحساء، وبقي الحجر عندهم مدّة اثنين وعشرين عامًا.

 في منتصف القرن الرابع الهجري دخل القرامطة في نهايتهم، وذلك لأسبابٍ كثيرة جعلتهم يضمحلّون شيًا فشيئًا حتّى غابوا عن ساحة الصّراع العربيّة سياسيًّا وعسكريًّا، فلم تعد الحركة القرمطية قادرة على إخفاء أهدافها الرئيسية التي كانت وراء دعوتها بدايةً من عداوة للإسلام والمسلمين، ولا سيّما بعد ما حصلت لزعمائها بعض الانتصارات المحلّية على السّلطة العباسيّة، فقد أساء المتأخرون من هؤلاء الزعماء بتصرّفاتهم إلى المجتمع الإسلامي آنذاك، ولشدّة ممارساتهم الوحشية تبرّأ منهم العُبيديّون مع أنّهم كانوا يدينون بمثل ما يدينون به، ويعتقدون بمعتقدات القرامطة. أرسلوا إلى قائدهم العسكري «جوهر الصقلي» بأن يصدر بيانًا يستنكر من خلاله أعمال القرامطة المنافية لدين الإسلام، إلّا أنّ جوهر الصقلي لم يكتفِ بذلك بل حاربهم على أرض الواقع في الرملة بفلسطين، فكانت هذه المعركة بدايةً لنهاية القرامطة، وكذلك حادثة الاعتداء على مكة بقيادة أبي الطاهر الجنابي التي كانت من أهم أسباب زوال الحركة القرمطية، حتّى المؤسّس لفرقة القرامطة كان قد استنكر ذلك الفعل وخاف ممّا سيجرّه من نتائج، ومن الأسباب الدّاخليّة أيضًا التي أضعفتهم كذلك كانت الانقسامات التي حدثت بين صفوفهم.

 حصلت نهاية الدّولة القرمطيّة على مرحلتين، الأولى عندما خرجت جزيرة أوال عن طاعتهم سنة «458هـ»، والثّانيّة من خلال الحروب المتتالية ضد القرامطة والتي انتهت بمعركة الخندق سنة «470هـ» التي كانت فيها نهاية القرامطة.

اقرأ  أيضا : أخطر الجماعات الدموية فى التاريخ الإسلامى «3» .. الجهاردية خفافيش الظلام الذين أثاروا الرعب فى بلاد الشام

;