محمود الوردانى ..8 سنوات فى المنفى (1) أين الطبعة التائهة؟!

محمود الوردانى
محمود الوردانى

[email protected]

لدى ميل خاص قد يصل إلى حد العشق للسير الذاتية، سواء كتبها أدباء  أو فنانون أو حتى المشتغلون بالسياسة والعمل العام، وربما لاحظ من يكلفون أنفسهم ويقرأون ما أكتبه، لاحظوا ذلك الميل من كثرة تناولى للسير الذاتية هنا فى هذا المكان، وقد فكّرت كثيرا فى اختيار وتحرير بعض ماكتبته ونشره، لكن هناك دائما مايحول بين الواحد وبين العكوف والجَلَدْ اللذين حاولت أن أستعيدهما دون جدوى!!
على أى حال، تتمتع السيرة الذاتية لمحمود طاهر العرابى «89 شهرا فى المنفى» والتى أعادت دار المحروسة نشرها فى طبعة أخيرة- 2019- فى 470 صفحة وتقديم الصديق شعبان يوسف، تتمتع بأهمية خاصة، فكاتبها أحد أربعة وقعوا على بيان نشرته الأهرام فى أغسطس 1921 تضمن تأسيسهم للحزب الاشتراكى المصرى، وهو الحزب نفسه الذى تغيّر إسمه إلى الحزب الشيوعى المصرى عام 1924 قبل أن يعصف سعد باشا زغلول والطبقة التى ينتمى إليها بالحزب وقادته وأعضائه ، عندما شاركوا مشاركة فعالة فى إضراب عمال النسيج بالإسكندرية آنذاك، وقدّموا للمحاكمة وتعرضوا للسجن عدة سنوات، ومن بينهم العرابى صاحب السيرة.

استأذن القارئ فى الإشارة السريعة لعدد من الملاحظات على طبعة المحروسة السابق الإشارة لها- وهى الوحيدة الموجودة الآن- ولم يذكر الصديق شعبان يوسف فى تقديمه أى تفاصيل عن الطبعة السابقة التى نقل عنها أو تاريخ صدورها أو دار النشر، وإن كان قد أشار إلى الظروف والملابسات التى أحاطت بتأسيس الحزب الاشتراكى، وإلى سفر العرابى إلى الاتحاد السوفييتى وحضوره اجتماعات المؤتمر الرابع للكومنترن (تجمع للأحزاب الشيوعية العالمية) فى موسكو، بالطبع قبل الصدام الذى وقع بين الحزب وحكومة سعد زغلول.

اقرأ أيضاً | بعد صدور طبعة جديدة من «الحي السابع» نعيم صبري: أهتم بالدراما في أعمالي| حوار

من جانب آخر، فإن المصادر التى يُمكن الرجوع إليها فى ذلك الشأن قليلة جدا. فى مقدمتها بالطبع المجلد الأول من  تاريخ الحركة الشيوعية المصرية 1900- 1940 – أعتمد هنا على الطبعة السادسة- شركة الأمل- بدون تاريخ وإن كان رقم الإيداع يحدد عام 1978 للدكتور رفعت السعيد، وعدد من الدراسات الواردة فى مجلة قضايا فكرية التى كان يشرف على إصدارها الراحل الكبير محمود أمين العالم، وتحديدا فى الكتاب الحادى عشر والثانى عشر- يوليو 1992- وبتحديد أكثر ما كتبه د. عاصم الدسوقى ود. رفعت السعيد فى العدد المذكور. 

ومن بين الملاحظات التى أود الإشارة لها ما ذكره السعيد من أن العرابى كتب فى كتابه «89 شهرا فى المنفى» عن الإضراب الطويل الذى نفّذه المحبوسون فى القضية التى جرت وقائعها عام 1924 واستمر 26 يوما، كما يذكر أيضا أن هناك مقدمة للكتاب كتبها العرابى، والحقيقة أن طبعة المحروسة تخلو من هذا وغيره.

هل هناك طبعة أخرى اعتمد عليها السعيد تختلف عن الطبعة التى اعتمد عليها شعبان يوسف، وللأسف لم يشر أى منهما بالتفصيل للطبعة التى اعتمد عليها؟. معلوم بطبيعة الحال أهمية إعادة نشر وثيقة تاريخية بهذه الأهمية، وهو ما يستوجب الشكر للصديق شعبان وللناشر، والملاحظة التى أسوقها هنا مقصود بها محاولة استجلاء الحقيقة، وليس التقليل من نشر سيرة العرابى والأهمية الفائقة لتوفيرها فى نسخة جديدة بعد ضياع النسخة الأصلية.

يرتبط بهذه الملاحظة ما ورد فى متن المذكرات من استبعاد شبه كامل من جانب العرابى لكل ما يتعلق بنضاله وتجربته فى مصر قبل سفره أو هروبه إلى ألمانيا عام 1931 وهو ما سوف أستكمله فى الأسبوع القادم إذا امتد الأجل.