حكم الإعدام فى قضية شكرى بلعيد.. بداية النهاية لإخوان تونس

اغتيال شكرى بلعيد
اغتيال شكرى بلعيد

أيمن فاروق

ليس بغريب على جماعة الإخوان الإرهابية وفكرها، عمليات الاغتيال والقتل والتخريب والتدمير؛ فتاريخ التنظيم الدموي حافل بالقتل والاغتيال، واستدعاء الماضي البعيد والقريب أكبر دليل، فهي جماعة نبتت من رحم العمالة والخيانة والتخابر مع الإنجليز منذ نهاية الأربعينيات والخمسمينيات، على يد مؤسسها حسن البنا، الذي أكد ما نقوله وبشهادة شاهد من اهلها عندما قال؛ «لا هم إخوان ولا هم مسلمون»، لهذا كان لابد من استحضار الكلمات السابقة، في أول حكم للقضاء التونسي؛ إذ أصدرت محكمة تونسية حكمًا بإعدام أربعة أشخاص مدانين في قضية اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد عام 2013، والمؤبد على شخصين، بتهمة المشاركة في اغتيال بلعيد، والذي كان أول عملية اغتيال سياسي تشهدها تونس منذ عقود.

بعد 15 ساعة من المداولات و11 عاما من التحقيقات والإجراءات القضائية، حكمت الدائرة الجنائية المختصة في قضايا الإرهاب في محكمة تونس الابتدائية بحكمها السابق، وحضر جميع المتهمين، وعددهم 23 شخصًا الجلسة النهائية التي شهدت إعلان الأحكام، وتراوحت الأحكام بين السجن لمدد تتراوح بين العامين والـ120 عامًا، إضافة إلى السجن المؤبد على آخرين فيما يتصل بعملية الاغتيال التي تمت بحق بلعيد، صاحب الـ48 عاما وقتها، وهو داخل سيارته أمام منزله، حيث أنه كان من أشد منتقدي حركة النهضة الحاكمة حينذاك.

السياسي البارز شكري بلعيد، الذي بت القضاء في قضية اغتياله، دب في قلوب «إخوان تونس» الرعب مع مطالب تتزايد بفتح أحد أهم ملفات التنظيم السوداء ألا وهو «الجهاز السري»، لهذا اغتالته الجماعة الارهابية.

قاتلو بلعيد

المتهمون الأربعة الذين حكم عليهم بالإعدام شنقا هم: عزّ الدين عبد اللاوي، ومحمد أمين القاسمي، ومحمد العكاري، ومحمد العوادي (شهر الطويل)، كما قضت الدائرة الجنائية بالسجن مدّة ثلاثين عاما في حقّ المتهم أحمد المالكي المكنى بـ «الصومالي»، ومحمد العوادي الملقب بـ»الطويل»، هو قائد الجهاز العسكري والمسؤول الثاني فيما يسمى بتنظيم «أنصار الشريعة المحظور»، والذي مكن اعتقاله من الحصول على معلومات هامة حول عمليات إرهابية واغتيالات كان يخطط لها التنظيم.

وفي اعترافات سابقة للعوادي قائد الجهاز العسكري، قال: إن أوامر الاغتيال تمت بعد موافقة من أمير التنظيم، سيف الله بن حسين، المعروف بـ»أبو عياض» وأثناء عملية المداهمة لمنزل العوادي، تم العثور على صور شخصية لعدد من القيادات الأمنية البارزة والمعروفة بمحاربتها للإرهاب ووثائق دقيقة حول تحركاتهم ومدارس أبنائهم ووظائف زوجاتهم والمقاهي التي يرتادونها وأوقات الخروج والدخول إلى منازلهم، وتم حجز آلات تصوير حديثة.

المتهم الثاني باغتيال شكري بلعيد، هو محمد العكاري، هو أبرز عناصر الجناح الأمني لتنظيم أنصار الشريعة، المكلف بالتنسيق واستقطاب وتجنيد العناصر الجديدة غير المعروفة وذات مستوى ثقافي عال للعمل بالجهاز السري، انتمى إلى تنظيم «أنصار الشريعة» ورحل إلى ليبيا حيث تلقى تدريبًا عسكريًا تحت إشراف «أحمد الرويسي» تم اغتياله سابقا.

المتهم الثالث، محمد القاسمي فهو قائد الدراجة النارية الذي راقب  بلعيد لمدة ثلاثة أيام كاملة قبل اغتياله، ثم شارك في عملية القتل باعتباره كان سائق قاتل بلعيد «كمال القضقاضي وهو متوفى».

المتهم الرابع، عز الدين عبد اللاوي هو مساعد الأمن السابق المتورط مع الجماعات الإرهابية، اعترف بتورطه في اغتيال  شكري بلعيد، وقال: إنه اختفى بعد عملية الاغتيال في أحد المنازل بحي الغزالة بالعاصمة قبل أن ينتقل لاحقا إلى منطقة الوردية حيث ألقي القبض عليه، ووفقا لما جاء في التحقيقات فإن عزالدين عبد اللاوي، 49 عاما  كان يعمل لفائدة الأجهزة الأمنية، وأودع السجن، قبل أن يلتحق بالمجموعات الجهادية وقد تورط في العديد من العمليات الإرهابية في العاصمة التونسية وفي جهات أخرى، كما يشتبه في تورطه مع عصابات ومجموعات لتهريب السلاح وتخزينه.

ردود فعل

بعد إصدار الحكم، شعر الكثير في الشارع التونسي بحالة ارتياح كبيرة، من بين ردود الفعل، كان شقيق شكري بلعيد، واسمه عبد المجيد بلعيد إذ قال: تلقينا الأحكام الصادرة في قضية الاغتيال بارتياح كبير، ووصفها قائلا: «بداية لكشف الحقيقة كاملة»، كما كشف في تصريحات، أن صدور الأحكام يؤكد تعافي القضاء وتوفر الإرادة السياسية لكشف الحقيقة بعد أكثر من عشر سنوات من حادثة الاغتيال»، كما عبر عن أمله في أن تكون هذه الأحكام بداية التعامل مع ملف القضية بشكل جدي، منوها إلى أن هذا يعد جزءًا صغيرًا من ملف الاغتيال لأنه يتعلق بالمجموعة التي نفذت لكن أخطر جزء هو المجموعة التي أمرت وخططت بتنفيذ الحكم، في إشارة إلى تنظيم الإخوان.

وأكد أنه في القريب سيتم الانطلاق في محاسبة الجهة المخططة. هذه الأحكام صادرة في حق «اليد التي أطلقت الرصاص ونفذت العملية وليس من دبر وخطط ومول وتستر على الجريمة» وتلك قضية أخرى، وفقا لما صرح به عضو هيئة الدفاع عن بلعيد كثير بوعلاق.

بيان عبثي

عقب صدور الحكم بحق قتلة شكري بلعيد، لم ينتظر إخوان تونس كثيرًا، وسارعوا إلى إصدار بيان عبثي، أشبه بالكوميديا السوداء، مروجين لبراءتهم من دماء تلطخهم، حاولوا قلب الحقائق وتشويهها كعادتهم، محاولين استدرار عطف الشارع، ولأن ذلك ليس بغريب على جماعة العنف والإرهاب، حيث أنهم خرجوا بوجه المظلومية المدعاة، متناسين أن المنفذين للجريمة حصلوا على أحكام بالإعدام إضافة إلى السجن مدى الحياة لبقية أخرى، لكن إخوان تونس وفي محاولة لإنقاذ نفسها، سارعت حركة «النهضة»، الإخوانية بتونس، بإصدار بيان في محاولة لتبرئة قيادييها، وزعمت الحركة أن «أطرافا معادية ومغرضة أصرت على تلبيسها مسؤولية هذا الاغتيال السياسي وتلويث مسارها وصورتها بلون الدم واستغلال أي مناسبة لتكرار أسطوانة الاتهام بالباطل حتى يبقى الجرح ناذفا والوصم راسخا»، وادعت أن ما توصل إليه القضاء في قضية بلعيد دليل على براءة الحركة.

إلا أن بيان «النهضة» المزعوم، صاحبه موجة من ردود الفعل الغاضبة والساخطة من هذا البيان، وواجهوا بسيل عارم من السخرية، إذ قال المحامي محمد جمور، عضو هيئة الدفاع في قضية شكري بلعيد؛ إن «النهضة» تحاول استبلاه الرأي العام، بالادعاء بأنه ليس هناك أي قيادي من الحركة مشمول في هذه القضية، مؤكدًا في تصريحات صحفية، على أن الحكم القضائي الذي صدر يتعلق بمجموعة تنفيذ عملية الاغتيال والتي يتورط فيها تنظيم أنصار الشريعة المحظور، ولا يتعلق بجميع الأطراف التي خططت ومولت وتسترت فيما بعد، كما رد على البيان المزعزم، موضحا أن 5 قياديين من الحركة مشمولين في قضية فتحي دمق المتعلقة بملف الاغتيالات، وبالتالي فإنه من السابق لآوانه أن تتحدث حركة النهضة عن براءتها.

وفي رد فعل آخر، جاء من عبد المجيد بلعيد، شقيق شكري بلعيد، قال: إن البيان الصادر اليوم عن حركة النهضة الإخوانية بعد النطق بالحكم، يعتبر مغالطة للرأي العام، وأن الحكم الصادر اليوم يتعلق بجهة أطراف التنفيذ، منوها إلى أن المجموعة المرتبطة بالجهاز السري للإخوان والتي لها علاقة بعلي العريض القيادي الإخواني، وراشد الغنوشي زعيم إخوان تونس، لم تحاسب بعد، وصرح بأنه من المنتظر صدور أحكام أخرى بملف الجهاز السري «في قادم الأيام»، مؤكدا «تعافي القضاء التونسي من أيادي الإخوان».

الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد «حزب شكري بلعيد» زياد الأخضر، قال: إن معركة كشف الحقيقة في قضية اغتيال بلعيد لا تزال متواصلة، لاسيما مسار ملف الجهاز السري الذي له علاقة وثيقة بملف الاغتيال»، مشيرا في تصريحات صحفية إلى أن مسار كشف الحقيقة يتضمن عدة ملفات وهذا أحدها، معتبرًا أن هذا المسار يتواصل اليوم لمعرفة من تولى التخطيط والتمويل واتخاذ قرار الاغتيال.

«المخططة»

بينما قال  عبد الناصر العويني، عضو هيئة الدفاع عن شكري بلعيد؛ إن من خطط لاغتيال بلعيد هي حركة النهضة، حيث سبق أن تم توجيه الاتهام لقيادات من النهضة فيما يتعلق بالجهاز السري للنهضة، موضحًا أن هناك قيادات بحركة النهضة خططوا للجريمة، وتم إصدار في عام 2023 مذكرة إيداع بالسجن بحق راشد الغنوشي في هذا الخصوص، منوها إلى أنه بمراجعة تسجيلات صوتية لرجل أعمال تونسي تابع للنهضة مع آخرين قياديين بالنهضة، تم التأكد بأن اسم شكري بلعيد كان محور التسجيلات، وجرى الحديث عن تصفيته، ورغم وجود تلك التسجيلات فإنه لم تتم معاينتها إلا عام 2022»، وفي ديسمبر 2013، تم نشر حديث مصور على موقع «نواة» المحلي يدور بين كل من رجل الأعمال السابق ذكره، صحبة شخصين، وكانت المحادثة تدور حول مناقشة تفاصيل صفقة سلاح، تهدف إلى تنفيذ مجموعة من الاغتيالات وعمليات اختطاف، وبحسب التسجيل، تم تنفيذ صفقة السلاح، وشارك في التخطيط لتصفية واختطاف وجوه من عالم المال والأعمال والسياسة والإعلام، ومن بينها شكري بلعيد الذين سموه في التسجيل «شكري أبوالشنب».

ونوه إلى أن المشهد مكتمل الآن لدى القضاء؛ إذ تك توجيه الاتهام إلى هؤلاء المخططين والممولين للأنشطة الإرهابية وقتها ومنها اغتيال شكري بلعيد.

المعارض الشرس

وفي 6 فبراير 2013، استيقظ التونسيون على نبأ اغتيال شكري بلعيد، المعروف بمعارضته الشديدة لتنظيم النهضة الإخواني، رميا بالرصاص أمام منزله بضواحي العاصمة، كأول واقعة اغتيال تشهده البلاد منذ عام 1956.

يذكر أن بلعيد من أشرس المعارضين لتنظيم الإخوان؛ إذ اتهمهم علانية بحماية الإرهابيين في تونس ودعم الإرهاب بصفة عامة، ومن أبرز مقولاته، التي ظلّت راسخة، ما ذكره في مداخلة تلفزيونية حين قال قبل يوم واحد من اغتياله: «سيلجأون إلى العنف كلّما زاد اختناقهم.. كلما زادت عزلتهم السياسية، وكلّما تقلصت شعبيتهم.. إياكم والانجرار إلى مربع العنف، العنف لا يخدم إلا الرجعية، لا يخدم إلا حركة النهضة».

وكان قد تجمع العشرات من أنصار بلعيد، مساء الثلاثاء، قبل جلسة النطق بالحكم، رافعين شعارات تطالب بالعدالة، وكان ذلك قرب محكمة تونس العاصمة، وهتفوا بعبارات من بينها «شكري دايما حي» و»أوفياء لدماء الشهداء».

اقرأ  أيضا : قيادي بمستقبل وطن: الجماعة الإرهابية صاحبة تاريخ طويل في المتاجرة بالقضية الفلسطينية

 

 

;