يوميات الاخبار

الشيعة والباطنية والنزارية والحشاشون

محمد السيد عيد
محمد السيد عيد

كثر الحديث فى الفترة الأخيرة عن هذه الفرق، ولأن مصر تكاد تخلو من الشيعة فهذه الألفاظ تبدو غريبة على أهلها، لذلك سألقى عليها بعض الأضواء السريعة ليحيط بها القارئ الكريم.

الشيعة من الناحية اللغوية هم الأتباع والأنصار، وقد ورد اللفظ فى القرآن الكريم بهذا المعنى. قال تعالى فى سورة القصص وهو يتحدث عن موسى عليه السلام:
«وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هـَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِى مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِى مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هـَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ».
لكن هذه الكلمة أخذت بعداً آخر فى التاريخ الإسلامى، وصارت تعنى: الفئة التى تؤمن بأحقية على بن أبى طالب وذريته فى إمامة المسلمين، بعد وفاة النبى.
ويرون أن النبى صلى الله عليه وسلم أشار لذلك من خلال عدة أحاديث عن على رضى الله عنه، منها:
«من كنت مولاه فعلى مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»، «أنا مدينة العلم وعلى بابها».
أما بخصوص ذريته فيذكرون حديثاً آخر يقول: «تركت فيكم ما لو تمسكتم به فلن تضلوا بعدى أبداً: كتاب الله وعترتى» والعترة هم نسل الرجل. لكن أهل السنة يروون هذا الحديث بصورة أخرى، هى: «تركت فيكم ما لو تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبداً: كتاب الله وسنتى». (ونص الحديث له روايات متعددة).
المهم أن الشيعة تقوم على فكرة الاعتقاد بأحقية على وبنيه فى إمامة المسلمين.
الإسماعيلية
ويؤمن الشيعة جميعاً بإمامة هؤلاء الأئمة: على بن أبى طالب، الحسن، الحسين، على زين العابدين بن الحسين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق. وهؤلاء ستة أئمة. لكنهم يختلفون بعد جعفر الصادق وينقسمون. وسبب هذا الانقسام مفهومهم للإمامة.
يعتقد الشيعة أن الإمامة لا تتم إلا بالنص والتعيين. أى إن الإمام الحالى لا بد أن يختار من يخلفه وأن ينص عليه صراحة. وقد فعل جعفر الصادق هذا، وعيّن ولده إسماعيل، لكن إسماعيل توفى قبل والده، وهنا بدأ الانقسام، فقد رأى بعض الأتباع الملتفين حول إسماعيل، وعلى رأسهم رجل اسمه المبارك أن النص لا يرجع القهقرى، أى لا يرجع للخلف، وأن فائدة النص هى انتقال الإمامة لأبناء إسماعيل بعد وفاته، ومن هنا بدأت فرقة شيعية جديدة تسمى الاسماعيلية تؤمن بإمامة إسماعيل، وترى أن الإمامة انتقلت بموته لولده محمد بن إسماعيل.
ورأى بعض أبناء هذه الفرقة أن إسماعيل لم يمت، وإنما أعلن موته تقية، حتى لا يستهدفه خصوم الشيعة. ورأى بعض أتباع هذه الفرقة أن محمد بن إسماعيل هو المهدى المنتظر، وأنه سيرجع، ورأى آخرون أنه نبى، بل رأوا أن آباءه حتى على كلهم أنبياء. وهذا معناه أنهم خرجوا من الدين الإسلامى الذى ينص على أن محمداً هو خاتم النبيين.
الباطنية
كان من موالى جعفر الصادق رجل يسمى ميمون القداح، وكان ملازما لولده إسماعيل مرتبطاً بخدمته، فلما مات إسماعيل كوّن ميمون فرقة تدعو إلى مهدية إسماعيل، والمهدى هو الذى يغيب، ليعود فى آخر الزمان فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وبالغ ميمون فى أقواله حول إسماعيل حتى صار مطارداً من أولى الأمر، ففر إلى بلاد الروم ومات هناك، فتبنى الدعوة بعده ولده عبد الله بن ميمون، ومن هذين الرجلين بدأت الحركة الباطنية، وهى الحركة التى انتهت بتأسيس الدولة الفاطمية فى مصر.
ومعنى الباطنية أن لكل ظاهر باطناً، وأن الباطن هو الأهم، كما أن قشرة الثمرة الظاهرة هى مجرد قشرة تخفى اللب الحقيقى. ومن هذين الرجلين بدأت الدعوة تسير فى مسار سرى، وصارت الدعوة الباطنية دعوة سرية، وكان من الطبيعى بعد هذا أن يكون لها دعاة، وأن يكون للدعاة تسلسل هرمى ينتهى بالإمام. وليس كل فرد فى الفرقة عالما بأسرار الباطن، بل مصدر هذا العلم هو الإمام.
ومن تأويلات هذه الفرقة أن الوضوء مثلاً يعنى موالاة الإمام، والزكاة هى تزكية النفس بمعرفة ما عليه هذه الفرقة من الدين، أما الجنة فمعناها راحة الأجساد من التكاليف الشرعية، والنار هى مشقة مزاولة هذه التكاليف، وغير ذلك من التأويلات الغريبة.
انتقلت هذه الفرقة إلى تونس، واتخذت مدينة المهدية مركزاً لها، وبثت الدعاة إلى مصر التى كانت تحت حكم كافور الإخشيدى، فلما مات كافور أرسلوا القائد جوهر ففتحها، وأسس فيها الخلافة الفاطمية. وقد امتدت هذه الخلافة من تونس إلى مصر إلى بلاد الشام والحجاز، وصارت تناطح الخلافة العباسية، وأخذت منها بلاداً لا حصر لها.
النزارية
بظهور الخلافة الفاطمية لم يعد الإمام مخفياً، بل ظهر للناس وصار خليفة. وصارت القاهرة كعبة الإسماعيليين كلهم. وراح الخلفاء يتوالون الواحد بعد الآخر حتى تولى الحكم الخليفة المستنصر. هذا الخليفة كانت أيامه سوداء على مصر، إذ أصابتها مصيبة مثل التى أصابتها أيام يوسف عليه السلام، فقد انقطع النيل عن الفيضان لسنوات، حتى ليقال إن القاع كان يبدو للناس، وأن الناس كانوا يعبرون النيل على أقدامهم. وحدثت فى مصر مجاعة عظيمة، حتى أكل الناس بعضهم، وكان المصريون يدعون القابلة لتوليد نسائهم، فإذا دخلت البيت أكلوها، وبعضهم كان يكمن فوق الأسطح ممسكاً بكلابة ليصطاد بها الأطفال ويأكلهم. ويروى المقريزى أن القمح عز، وأكل الناس الكلاب والقطط وأوراق الشجر. وانتهت هذه الأزمة الطاحنة بشكل مسرحى، إذ كان لدى امرأة من النساء الميسورات عقد من الجوهر يساوى عشرة آلاف دينار، فلما اشتد بها الجوع أرادت أن تشترى به قمحاً، فرفض كثير من التجار أن يبيعوها شيئاً، وأخيراً عطف عليها أحد التجار فأعطاها غرارة قمح، فسارت بها إلى بيتها، فهجم الناس الجوعى عليها فى الطريق، ومزقوا الغرارة، ونهبوا الدقيق، فلم يبق لها سوى حفنة واحدة. أخذتها المرأة وخبزتها رغيفاً واحداً، ثم أخذت الرغيف وذهبت إلى قصر الخلافة، ووقفت تصيح: ادعوا للخليفة المستنصر الذى أكلنا الرغيف فى عهده بعشرة آلاف دينار.
يقال إن الخليفة لما سمع المرأة تغير حاله، واستدعى كبار مساعديه، وأمرهم بإنهاء الأزمة. ورغم أنى غير مقتنع بهذه الحكاية، لأن الأزمة لا يمكن أن تحل إلا بورود النيل، إلا أنى أرى أنها تبين سوء الحال الذى وصلت إليه مصر فى ذاك العهد.
المهم أنه فى هذا العهد المضطرب عيّن الخليفة المستنصر ولده «نزار» إماماً من بعده، لكن الوزير القابض على السلطة آنذاك «بدر الدين الجمالى»، كان له رأى آخر، لذلك ضرب بتعيين المستنصر لنزار عرض الحائط، وعين بدلاً منه أخاه المستعلى، بل قتل نزاراً. وحينئذ انقسم الشيعة الاسماعيلية إلى فريقين مرة أخرى:
- فريق النزارية الذى يؤمن بأن نزار هو الخليفة حتى لو مات، فمادام الإمام الوالد عينه فى حياته ونص عليه، فالنص لا يرجع القهقرى (كما قالوا عند موت إسماعيل بن جعفر الصادق).
- فريق المستعلية الذى يؤمن بإمامة الخليفة المستعلى
وقد استمرت هاتان الفرقتان حتى الآن، إحداهما هى الأغاخانية، والأخرى هم البهرة. وربما فسرت هذه النشأة ارتباط الأغاخانية والبهرة حتى الآن بمصر.
فى هذا العصر المضطرب حضر الحسن بن الصباح إلى مصرـ وانحاز إلى فريق النزاريين، وانتهى أمره بالخروج من مصر، والدعوة لنزار حيثما حل.


الحشاشون
أسس الحسن بن الصباح فرقة خاصة به بعد فراره من مصر، وهى فرقة إسماعيلية نزارية، وكان يطمح لإقامة دولة تحمل أفكاره كما فعل الفاطميون. واتخذ لنفسه مقراً فى قلعة تسمى «ألموت» بفتح الألف واللام، ومعناها وكر النسر. وتوسع فى ضم القلاع فى بلاد فارس. واتصل بالصليبيين ليساعدهم فى غزوهم للدول العربية والإسلامية، وقَتَلَ أتباعه القادة والشخصيات المرموقة التى كانت تختلف معه. ثم خطر له فكرة السيطرة على أتباعه بالحشيش، ومن هنا سميت الفرقة بـ «الحشاشين». ويرفض بعض الباحثين نسبة الحشاشين إلى مخدر الحشيش، وينسبونه إلى حشيش الأرض، أو ما نسميه النجيلة الآن. ويقال إن الحسن بعد أن عرف خصائص الحشيش أنشأ جنة وهمية لأتباعه، وكان يقدم لهم الحشيش المخدر حتى يغيبوا عن الوعى فينقلهم لجنته الوهمية ليؤمنوا به وينفذوا تعليماته. وذكر مؤرخ العقائد العظيم الشهرستانى، الذى عاصر الحسن بن الصباح، وحاور أتباعه، وترجم بعض تعاليمهم من الفارسية للعربية، فى كتابه «الملل والنحل» آراء هذه الفرقة ولولا ضيق المساحة لأوضحنا هذه الآراء وما فيها من الغرابة، فليرجع من يشاء إلى هذا الكتاب وإلى فضائح الباطنية للغزالى وسيجد الكفاية.