يوميات الاخبار

رمضان أكتوبر.. النصر والشهادة

أسامه شلش
أسامه شلش

توقفت أمام كلمة أحد أبطال أكتوبر من مصابى العمليات وهو يقول»لقد أرسل الله هؤلاء الأبطال فى هذا التوقيت لتتحقق على أيديهم أغلى الانتصارات.

اليقين الإيمانى لدى المصريين أن شهر رمضان المبارك هو سر من أسرار حرب أكتوبر، لما تصادف توقيته منذ الثانية وخمس دقائق ظهر ٦ أكتوبر مع العاشر من شهر رمضان، كنا صائمين ومنذ البيان الأول أدرك المصريون أن نصر الله آت، بعقيدة راسخة وقطعًا لم تكن مصادفة أن نطلق على معركة العبور بدر الثانية تيمنًا ببدر الأولى فى عهد رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام.


ما أشبه ما حدث فى المعركتين من أحداث، فلم تمنع قلة العدد ولا العتاد هنا أوهناك الجنود الواثقين أنهم على الحق والذين كان شعارهم النصر أو الشهادة من أن يخوضوا المعارك لينالوا إحدى الحسنيين فأقبلوا على خوض المعارك بشجاعة.


أكتوبر رمضان لم تبح بكل أسرارها وما أعظمها، وما خرج خلال الأيام الماضية بالإفراج عن وثائق للحرب بعد مرور ٥٠ عامًا على العبور العظيم أكبر دليل على أن هذا النصر كان معجزة بكل المقاييس، حطم كل نظريات إسرائيل التى حاولت فرضها، وعلى رأسها الذراع الطولى، والجيش الذى لا يقهر.
الوثائق تكشف بوضوح كيف تم التخطيط والإعداد وكم بذل من الجهد والدم استعدادًا لتحقيق النصر.. لازلنا نفتخر بنصر أكتوبر وملحمة العبور، فقد كان فى نظر العسكريين من دروب المحال لوجود المانع المائى قناة السويس، وخط بارليف المنيع وما نسج حوله من ادعاءات وقتها، ومواسير النابالم التى زرعتها إسرائيل لتحيل الجنود لرماد، الوثائق التى انتظرها الجميع تكذب كل ادعاءات إسرائيل أن مصر لم تحقق أى انتصار، وبها كل التفاصيل حول الاستعداد للحرب، وكيف تم رصد كل تحركات العدو فى كل ثانية ولحظة برًا وبحرًا وجوًا، ومواقعه وأى تغييرات على مدى سنوات منذ الهزيمة وكيف نفذنا بكل جدارة خطة خداع استراتيجى كبرى لم تستطع كل مخابرات العالم أن تكتشفها، وصدقها العدو نفسه وحليفته أمريكا وكانت السبب الرئيسى فى نجاح خطة العبور العظيم.


الوثائق تحتوى على معلومات كيف تم الإعداد للضربة الجوية المفاجئة للعدو والتى حققت نتائجها مباشرة، دون الحاجه لضربة جوية ثانية ثم نصب الكبارى والدفع بالقوات خلال ٦ ساعات للضفة الشرقية بـ٨٠ ألف جندى رغم ما روجه العدو من أن ٨٠ % منهم يلقون حتفهم إن لم يكن عبورهم مستحيلًا ولكنهم لم يخافوا واختاروا النصر أو الشهادة.


ولا يغيب عن ذهنى مطلقاً ما قاله الرئيس الراحل الشهيد أنور السادات، فى خطابه يوم١٦ أكتوبر وبعد ١٠ أيام من الحرب وهو يؤكد فى أوج الانتصار أن القوات المسلحة المصرية كانت ضحية من ضحايا حرب ٦٧ ولم تكن أبداً أحد أسبابها، والدليل أنها عقب الهزيمة مباشرة جمعت نفسها وبدأت المواجهات قبل مرور أقل من شهر واحد، حين تصدت مجموعة من رجال الصاعقة المصرية لقول دبابات ومدرعات يهودى حاول التقدم فى شهر يوليه للاستيلاء على بور فؤاد المنطقة الوحيدة التى لم تحتلها إسرائيل ودمرت قواته، ثم تدمير مخازن الذخيرة المصرية التى استولت عليها إسرائيل فى الحرب فى سبتمبر، وتوجت ذلك بإغراق درة سفن الأسطول الإسرائيلى بإغراق المدمرة إيلات بأول صاروخ تعرفه البحريات فى العالم من زورق صغير فى ٢١ أكتوبر ١٩٦٧ وكان انتصاراً مدوياً أحدث وجعاً داخل إسرائيل.


الوثائق رصدت لملحمة مصرية هى معركة العبور والحقيقة استوقفتنى كلمة لأحد مصابى الجنود من مصابى العمليات فى الحرب وهو يقول إن عناية الله هى التى اختارت رجال أكتوبر كلهم فى هذا الوقت والمكان والزمان ليحققوا أغلى الانتصارات العربية فى التاريخ، ويمكننا أن نقول إن أكتوبر النصر لم يبح بعد بكل الأسرار، كم من البطولات تحققت بفضل التضحيات والتخطيط السليم ودماء الشهداء.
عبقرية السادات
أحمد لله أننى عشت أيام أكتوبر العظيم بعد أن عشت سواد الهزيمة فى ٦٧ ولكن لازلت بمناسبة الوثائق التى أفرج عنها أتذكر مقولة صحفى إسرائيل من أصل جزائرى قابلته فى عام ١٩٩٩فى زيورخ بسويسرا فى أحد معارض الطيران وكانت المظاهرات فى أوجها ضد الرئيس السادات على زيارة القدس واتفاقية كامب ديفيد والمقاطعة العربية قال بالحرف الواحد: تقومون بمظاهرات ضد السادات وهو بطل قومى، لو كان عندنا لأقمنا له التماثيل فى كل ركن، وسألته لماذا وأجابنى لأنه الوحيد الذى فهم الشخصية الإسرائيلية وتعامل معها بمنطقها، السادات كسر نفسية الإسرائيليين من الداخل هل تعلم أن إسرائيل حتى ١٩٧٣ لم يكن لديها نصب للجندى المجهول لأن كل حروبها السابقة كانت تحارب كغازية فى أرض العرب وكان قتلاها من الجنود يتم تحديدها والعثور على جثثهم أو حتى أشلائهم ولكن فى ٧٣ لقت الهزيمة وأجبرت على الانسحاب وخوض المعارك من الخطوط الخلفية وتركت جنودها القتلى فى ساحة المعركة فدفنتهم مصر فى أرضها حتى تسلمهم وفق القوانين الدولية، العدد كان كبيرًا، ولما بدأت مصر فى تطهير قناة السويس، طلبت وألحت إسرائيل بالبحث عن جنودها فى خط بارليف وفى رمل سيناء، سواء فى مباحثات فض الاشتباكات بعد الحرب مباشرة فيما أطلق عليه مباحثات الكيلو ١٠١، او حتى فى مباحثات كامب ديفيد، وكان ذلك اعترافًا صريحاً من إسرائيل بأن لها جنودًا مجهولين وهو ما يعنى أنها هزمت وتركت الأشلاء وأنها تركت مواقعها -حتى ولو كانت عربية مغتصبة- ونجح السادات فى إخراج مشهد تسليم جثامين قتلى إسرائيل بالشكل الذى يؤكد النصر، فكان يستخرج مجموعات منهم ما بين ٤٠ أو ٥٠ ويجرى لهم المراسم العسكرية بحضور مندوبى الصليب الأحمر الدولى وفى مراسم جنائزية رهيبة، كانت تحدث حالة من النكد داخل إسرائيل فقد كان ذلك يتم على شهور وأيام، اضطرت إسرائيل بعدها لعمل نصب للجندى المجهول فى سيناء عند الحدود وليس داخلها حتى تخفيه عن شعبها، ما أروع أكتوبر ونصره.
مدرسة «عم فهمى»


أفخر أننى تعلمت فى مدرسة من مدارس أخبار اليوم الكبيرة ومن بينها مدرسة كانت حريصة على أصول اللغة العربية، والبحث فيها، وكانت تصر لما أصبحنا تلاميذ فى فصولها أن تقدم لنا فى أبوة «واستذة» ما يجعلنا نعشق الحديث بها أو معرفة مفرداتها الجميلة، وأن نعشقها ونحب الحديث بها وأعترف أننى وأنا طالب فى المدارس المختلفة كنت ممن لا يحبون اللغة العربية ولا امتحاناتها وكانت درجاتى منها يدوب «النجاح»، ولما التحقت بأخبار اليوم مفضلًا لها عن التحاقى بالنيابة العامة استقبلنى أستاذ الأجيال عاشق اللغة العربية عمنا الكبير محمد فهمى عبد اللطيف أحد أساطين العمل الصحفى ومدير تحرير الأخبار وكبير محرريها، وكان ذلك فى منتصف السبعينيات، حظيت بحبه وكان عظيمًا فى تبنيه لنا، وسعدت أن أكون أحد رواد مكتبه فى صالة التحرير الواسعة فى المبنى الأصلى، وكنت أنصت له فى اهتمام وبعمق شديد، وكان هذا العملاق أسطورة كبرى،  لديه من المعرفة الكثير، وكان يداعبنى دائماً بالنداء علىَّ بقوله الحالة «شلش» وفاجأنى أستاذى الكبير بسؤالى، تعرف يعنى إيه معنى كلمة شلش؟ ولكنى للأمانة لم أجد الإجابة، وبعد فترة، نادى علىَّ وأجلسنى ليشرح لى معنى اسم عائلتى كما وجده فى المختار الصحاح وكتب شرح اللغة، وقال إن كلمة شلش هى من أصل عربى كانت تطلق على حامل البيرق فى الحروب وكان اسمه «شالوش» وتحول الاسم من شالوش عبر الزمن إلى شلش.


كانت مدرسة عم فهمى تفتح أبوابها للجميع منذ العاشرة صباحاً وحتى السادسة بعد الظهر، وقد حرصت من خلالها أن أحسن لغتى وقواعدها.
منذ فترة استرعى نظرى خبراً نشر عن أن محافظة البحيرة أعلنت عن مبادرة تحت اسم «لغتنا الجميلة»، مبادرة لتنمية مهارات القراءة والكتابة والإلقاء والتحدث لتلاميذ المرحلة الابتدائية، وذلك بورش عمل بهدف علاج ضعف اللغة لدى الطلبة وتقديمها لهم بيسر وسهولة خاصة فى ظل الإهمال والتدنى فى مستوياتها بل ضعف لمن يشرحونها للتلاميذ فى المدارس.
ما أحلى لغة القرآن لغتنا العربية ويا حبذا لو شجعنا فى كل المحافظات مثل تلك الأفكار التى تعيد للغتنا مكانتها الرفيعة التى يجب أن نحافظ عليها.
اعملها بنفسك
تعجبنى جدًا مقولة اعملها بنفسك طالما تستطيع وفى أى سن، وهى مطالبة صارت ضرورية فى ظل ما نراه من جشع التجار والصنايعية وغول الأسعار.
من صغرى وأنا أمارس هوايات كثيرة كانت ولازالت أحبها إلى نفسى «النجارة»، وهى هواية جميلة أن تصنع من كتلة خشبية تحفة أو شيئًا مفيدًا، ولهوايتى «للعدد» كنت كلما سافرت للخارج أقوم بجولات فى المولات الكبرى وكلها سواء فى سويسرا أو فرنسا أو إنجلترا أو حتى أمريكا، تخصص - كما شاهدت - أقسامًا لبيع العدد لكل شىء وقمت خلال سفرياتى هذه بشراء العديد منها حبا فيها أو لتنمية هوايتى-النجارة-مناشير ورابوهات ومفارز أمارس بها هوايتى حتى الآن، وكم صنعت مناضد وكراسى بل و مطبخًا كاملًا وحجرة نوم بمحتوياتها كاملة- ليس بخلًا ولكنها الهواية- بمحتوياتها دولاب وسريرين وتسريحة، ولا أدرى كم تساوى تلك القطع الآن فى ظل هذا الغلاء.


كنت كلما قرب منى شهور رجب وشعبان ورمضان اجتمع مع صديقين ليسا بعيدين عن هوايتى بل دعمانى وهما موظفان فى وزارة الثقافة فى القطاعات الفنية، أولهما مصطفى توفيق وهو أحد الفنيين الخبراء فى صناعة العرائس لمسرح العرائس وله فيها تفرد، والخشب فى يده يصبح تحفة تتكلم، والثانى زميله أشرف زكى وهو موظف فى قطاع الفنون التشكيلية بالقطاع النسجى وهوايته دهان الخشب «بالجملاكة» وكنا فريق عمل أضع أنا التصور ويقوم مصطفى بتقطع الأخشاب والقيام بتجميعها ويعدها لأشرف الذى يقوم بتهيئتها للدهانات النهائية تشاهدها كتحفة ولا أبالغ فى ذلك، ويكفى أن أقول إن أشرف راهننى بتحد على أنه يمكنه دهان قالب طوب أحمر بالاستر وعملها ولازلت احتفظ به كقاعدة أباجورة، صنعنا كراسى ودواليب ومناضد ومطبخًا وحجرة النوم وكان حلمى أن أقوم بعمل ورشة صغيرة يشاركانى فيها ولكن الظروف لم تسمح.


عندما انظر إلى ما صنعته يدى أجدنى أشكر موهبتى على ماقمت به، والآن أنا أدعو كل قادر أن يتعلم أو ينمى هوايته خاصة السباكة أو الميكانيكا أو حتى صناعة الخبز أو الكيك أو الحلويات وهى سهلة فى ظل ذلك الجشع الذى نشاهده الأمر ليس عيبًا أن يصنع الإنسان بيده أو يصلح ما يريد.