أوراق شخصية

الحكمة وفصل الخطاب

د. آمال عثمان
د. آمال عثمان

جمع الله تعالى للنبى داود المُلك والحكمة، ولم تكن تجتمع لأحد من قبله، فكان حاكمًا لدولة كبيرة، وأوتى الحكمة وفصل الخطاب، يتمتع بالفطنة والفصاحة، ومنحه قدرة واسعة حتى أن الجبال والطير كانت مُسخّرة له، وبرغم كل ما أتاه الله من المُلك والنعم الكثيرة، كان يأكل من كسب يده، وكان صوّامًا قوامًا، يصوم يومًا ويفطر يومًا، يقوم الليل والنهار فى طاعة الله سبحانه وتعالى، ويقرأ الزبور بسبعين صوتًا، ومع كل ذلك لم يسْلم من التجريح، وقد أراد الله عز وجل أن يواسى النبى محمد، عليه الصلاة والسلام، حينما آذاه المشركون، فقال فى سورة «ص» الآية 17: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
 وقد روى الشيخ عمر عبد الكافى قصة عن النبى داود قائلا: دخلت امرأة على النبى داود قائلة: يا نبى الله، أربُك ظالم أم عادل؟! فقال داود: ويحك يا امرأة! هو العدل الذى لا يجور، ما قصتك؟ قالت: أنا أرملة عندى بنات أيتام أقوم عليهن من غزل يدي، فلما كان أمس شدّدت غزلى فى خرقة حمراء، لكى أذهب إلى السوق وأبيعه وأطعم به بناتي، فإذا بطائر انقض عليّ وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيتُ حزينة لا أملك شيئاً أطعم به بناتى الأيتام، وبينما المرأة تتحدث إلى نبى الله عليه السلام، طُرق الباب فأذن داود بالدخول، وإذا بعشرة من التجار وكل واحد منهم بيده مائة دينار، وقالوا: يا نبى الله أعطها لمستحقها، فسأل: ما كان سبب حملكم هذا المال؟ قالوا: كنا فى مركب بالبحر، حينما هاجت علينا الريح، وأشرفنا على الغرق، فإذا بطائر يلقى علينا خرقة حمراء وفيها غزل، سدّدنا به عيب المركب، فهانت علينا الريح، فنذرنا لله أن يتصدّق كل منا بمائة دينار، وهذا المال بين يديك، لتتصدق به على من أردت، فالتفت نبى الله إلى المرأة قائلاً: أربٌ يتاجرُ لكِ فى البر والبحر وتجعلينه ظالمًا، وأعطاها الألف دينار وقال لها: أنفقيها على أطفالك».. حقاً إن الله لا يبتلينا بشيء إلا وبه خيرٌ لنا، وما من مِحنَة إلا وراءها مِنْحة.