إنها مصر

لا غدر ولا تآمر ولا خيانة !

كرم جبر
كرم جبر

موقف مصر ثابت ولم يتغير ولم يتبدل وظل راسخا منذ اللحظات الأولى للحرب فى غزة حتى اليوم.

الرفض التام للتهجير القسرى، إدانة حرب الإبادة ضد المدنيين، فتح معبر رفح لإدخال المساعدات الإنسانية، وقف إطلاق النار، عدم توسيع نطاق الحرب، حل الدولتين.

وأتذكر جيدا ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسى يوم 25 أكتوبر الماضى أثناء تفتيش الحرب للفرقة الرابعة مدرعات "لا تقلقوا على مصر"، وكانت الاحتمالات تتزايد حول دخول مصر الحرب إذا غامرت إسرائيل بتوسيع نطاق الصراع.

لم يكن القلق خوفا من إسرائيل فى ظل الجاهزية الكاملة للقوات المسلحة وقدرتها على المواجهة والردع، وإنما خشية العودة بالمنطقة من جديد إلى حالة الحرب واستنزاف قدرات الدول والشعوب.

وجاءت عبارات الرئيس كاشفة لمستقبل الأحداث وقال "أشارككم القلق على بلدكم، ولكن مصر دولة قوية ولا تُمس، وسياسة مصر ليس فيها غدر ولا خسة ولا تآمر ولا خيانة ولا مصالح، مصلحتها الوحيدة أن تستقر الأوضاع فى المنطقة".

وإسرائيل تعلم جيدا أن التلويح بالحرب مع مصر له عواقب وخيمة، حتى لا تفتح بوابة جهنم بإدخال الدولة الكبرى فى المنطقة فى حرب لن تتحمل تبعاتها.

لم يكن المصريون قلقين على قوة جيشهم لثقتهم فى الدولة القادرة أن تحمى بلدها، ولكن لرغبتهم فى التهدئة وإنقاذ الشعب الفلسطينى، والدعوة لحل دائم وعادل ينزع فتيل الانفجار، وحرص الرئيس على تكريس مفهوم القوة العاقلة، التى تحمى ولا تهدد، تصون ولا تبدد، ولا تتدخل إلا إذا تعرض أمنها القومى للخطر.

فقرارات الحرب ليست مغامرة أو مقامرة ولا بحثا عن الشعارات الحماسية، وتحملت البلاد فاتورة القضية الفلسطينية فى الحروب التى أنهكتها واستنزفت مواردها، حتى توصلت إلى ما أطلق عليه الرئيس السادات بعد حرب أكتوبر المجيدة "سلام الشرفاء".

وقال الرئيس السادات فى أوج الانتصار "ماقدرش أحارب أمريكا" التى فتحت مخازن أسلحتها لتزويد إسرائيل بأسلحة لم يستخدمها الجيش الأمريكى نفسه، وهكذا الزعماء الحقيقيون، الذين يولدون من رحم الأحداث وأعماق الخبرات، ويتسلحون بالوعى واليقظة، فيلهمهم الله قرارات فى صالح دولهم وشعوبهم، دون تقدير خاطئ للأحداث.

مخطئ من يتصور أن الدفاع عن غزة يكون بتوسيع نطاق الحرب وإنما بوقف الحرب، والعودة إلى الثوابت المصرية المعلنة منذ السابع من أكتوبر الماضى فى أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، وأهمها إقرار حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة.

الآن.. وفى ظل ما تفعله إسرائيل فى غزة، تعلو الرغبة فى الثأر على الدعوة للسلام، ولكن قيام الدولة الفلسطينية هو ضريبة الحرية المخضبة بدماء الشهداء، ولا يجب أبدا أن تكون بلا ثمن.