الحلمنتيشي| ياسر ياسين لابن قطامش: «هاتِ ما عندك هات.. كنافةً ومكسرات»

ابن قطامش
ابن قطامش

مخطئ من يظن أن الشعر الساخر بدعة حديثة، بل هو قديم قدم الشعر العربي نفسه؛ وقد وصلنا العديد من أمثلة الشعر الساخر فى العصور المختلفة، غير أنها كانت روايات متفرقة، هكذا يقول الشاعر المهندس ياسر ياسين، ويؤكد أنه لا يدرى إن كان تم جمعها وتحقيقها جميعا، ولا يدعى لنفسه أنه مؤرخ حتى يذكر الكثير من الأمثلة للشعر الساخر على مر العصور، فتلك مسئولية المؤرخين المتخصصين.

يقول الشاعر ياسر ياسين: بحكم كونى شاعرا ألتقط شزرات من هنا وهناك، تؤكد عمق جذور الشعر الساخر منذ القدم. ولا عجب فى ذلك، فنحن العرب عموما، والمصريين خاصة، نتميز بخفة الظل، والنزعة إلى السخرية سواء من الآخرين، أو حتى من أنفسنا إذا اقتضى الأمر.. ويضيف: لقد اختلفت محفزات الشعر الساخر على مر العصور، ففى العصر المملوكى مثلا مال الشعر الساخر إلى السخرية من الحكام، فانطلق الشعراء ينتقدون السلبيات، واستغلالا لعدم إجادة الحكام فى ذلك الوقت للغة العربية؛ وقد وصلنا الكثير من المساجلات الشعرية منذ العصر الجاهلى، حيث تبارى وتبارز الشعراء فيما بينهم بالفخر والهجاء، فهذا يعدد مفاخر قبيلته، وذاك يرد عليه ويهجوه، وفى كل الحالات لم يخل الأمر من بعض الأبيات المليئة بالسخرية من شاعر لآخر. ولعل أشهر الأمثلة للشعر الساخر فى العصور القديمة، هى المساجلات الشعرية التى استمرت لعقود بين الفرزدق وجرير، ومن أشهر أبياتها فى السخرية، بيت جرير الذى يقول فيه:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا 

أبشر بطول سلامة يا مربع مساجلات

ورغم أنه لم يكن هناك من يوصف بالشاعر الساخر، فقد اعتاد الشعراء على جدية أغراض قصائدهم عموما، ولكنهم يلجأون إلى السخرية إذا اقتضت الحال، ولو ببيت أو بضعة أبيات فى وسط قصائدهم. وإذا كانت السخرية فى الشعر قديمة قدم الشعر نفسه، إلا أن ما كتبه الشعراء فيه قليل، فليس هناك مثلا معلقة من الشعر الساخر، بل لم يتعد الأمر بضعة أبيات تناقلها الناس من هنا وهناك، فعلى الرغم من الجدية والصرامة بل والرقة والعذوبة التى تميز بها شعر ابن الرومى، فإنه كان - حين أراد - ساخرًا من الطراز الأول، حين أراد السخرية من عدوه ابن حرب فقال:
لك أنف يا ابن حرب ... أنفت منه الأنوف

أنت فى القدس تصلى ... وهو بالبيت يطوف

وهكذا استمر الشعراء فى طرق أبواب الشعر الساخر على استحياء حتى وصلنا للعصر الحديث بدءًا بأشهر شعرائنا شوقى وحافظ، حيث تبادلا بعض الطرفات الشعرية، أشهرها:

حافظ: يقولون إن الشوق نار ولوعة
فما بال شوقي اليوم أصبح باردا
شوقي: وقد أودعت إنسانا وكلبا حفيظة
فضيعها الإنسان والكلب حافظ
وكذلك قصيدة شوقي الشهيرة «براغيت محجوب» التى يقول فيها:
براغيثُ مَحجوبٍ لَم أَنسَها
وَلَم أَنسَ ما طَعِمَت مِن دَمى
تَشُقُّ خَراطيمُها جَورَبى
وَتَنفُذُ فى اللَحمِ وَالأَعظُمِ
ورغم السخرية اللاذعة، فإنها لم تمنع مشاعر الحب والتقدير بين الشعراء، فحين مات الفرزدق رثاه جرير بقصيدة مطلعها:
لعمرى لقد أشجى تميما وهدّها
على نكبات الدهر موت الفرزدق
كذلك فعل شوقى حين مات حافظ فقال:
كم كنت أوثر أن تقول رثائى
يا منصف الموتى من الأحياء

غير أن هذا لم يمنع فى أحيان أخرى أن تودى قصيدة بحياة شاعرها، كما حدث لأبى الطيب المتنبى حيث قُتِل انتقاما لتعريضه بغريمه ضبة فى قصيدة تعج بالسخرية الفاحشة.
بين الفصحى والعامية

ويشير ياسر ياسين إلى أن الشعر الحلمنتيشى هو شعر جامع بين الألفاظ العامية والفصيحة، يهدف إلى وصف حالة أو سلوك جماعى أو حتى مشاعر خاصة بشكل هادف، ومن الشعر الحلمنتيشى ما يتم الدمج فيه بين الكلمات العربية وكلمات من لغة أخرى، والشعر الحلمنتيشى فى الأصل شعر فكاهى ومنولوجى. وكان الحلمنتيشى بمثابة ردَّة فعلٍ على مجتمعات النخبة الشعرية والموسيقية فى الزمن الذى ذاع فيه صيت شعراء المهجر الكبار وسطع فيه نجم أمير الشعراء أحمد شوقى، فوجد الشعر الحلمنتيشى نافذة ليطل على الجماهير منها، ليأخذ من السخرية التى أهملها الشعر الفصيح طريقاً إلى القلوب، كما جعل من اللهجة المحكية مادَّة رابطة بين كلمات القصيدة، فأصبحت القصيدة لا هى فصيحة ولا هى عامية، سمتها الأساسية أنَّها ساخرة ومغرقة فى الشعبية.
ياسر إلى ياسر
ويداعب الشاعر ياسر ياسين صديقه الشاعر ياسر قطامش، الذى يسميه ياسر (قطايف) بمقطوعة طريفة يقول فيها: 
هاتِ ما عندك هات ... كنافةً ومكسرات
إننى أرنو إليها ... منذ رمضان اللى فات
أنتظر منك العزومة ... عندها سأكون آت
ألهط اللحم السمينا ... غير هذا ترّهات
يا صديقى فى القوافى ... كم سئمنا من فتات
قد أتى الشهر الكريم ... والبطون خاويات
فاغتنم واعزم صديقا ... واعتبرها صدقات
ليرد عليه قطامش بقوله:
لا تقل لى اليوم هاتِ ... بل فخذنى يا حياتى
نحو إفطارٍ شهيٍّ ... عند حاتى أو عجاتى
والتحالى من (ياميشٍ) ... والكنافاتِ اللواتى
طعمها فى (البق) أحلى ... من زلابيا أو جيلاتى
حبذا لو تذبحنّ ... العجل أو تأتى بشاةِ
فجمال الأكل أحلى ... من جمال الغانياتِ
وامنح الأصحاب أكلاً ... مثل أولاد الذواتِ
إنما نحن (غلابا) ... ببطونٍ خاوياتِ.