كنوز| ست الحبايب يا مصر يا حبيبة.. يا أغلى من روحى ودمى

جدران معابدنا تثبت مصرية احتفالات «عيد الأم» التى انتقلت إلى العالم الخارجى
جدران معابدنا تثبت مصرية احتفالات «عيد الأم» التى انتقلت إلى العالم الخارجى

نحتفل اليوم بعيد الأم، نبع الأمان والحنان، فيض المحبة والسلام، كرمها الله فى كتابه الكريم وجعل الجنة تحت أقدامها، هى النعمة الإلهية التى جعلت الشاعر على أحمد باكثير يربط بين الأم والوطن فى القصيدة التى نرددها اليوم بقلوب حارة: «عيدُك يا أمّى أبهجُ أعيادى.. لولاكِ يا أمّى ما كانَ ميلادى.. قلبُك يَرْعَانى يَا بَهْجةَ القَلْبِ.. وَليْسَ يَنْسَانى فى البعدِ والقربِ.. فضلُكِ يا أمّى ما فوقه فضلُ.. فكلُّ خيرٍ لى أنتِ لَهُ أَصْلُ.. كيفَ أوفِّيكِ شيئًا من الدَّينِ؟.. أو كيفَ أجزيكِ يا قُرَّة العينِ؟.. اللهُ ذو المِنَّـة أوْصَى بإكرامكْ.. قد جعلَ الجنَّة من تحتِ أقدامكْ.. لحنٌ من اللهِ غنَّى به الوادى.. تسبيحَ أفواهِ ونبضَ أكبادِ.. عيدٌ من الرحمةْ والحبِّ والذكْرَى.. تقيمُه الأمَّةْ لأمِّها الكبرى.. لى منكِ يا أمّى ومصرَ أمَّانِ.. كِلتاكُمَا عندى حبِّى وإيمانى.. بالرُّوحِ أفديكِ أمى وأفديها.. اللهُ يبقيـكِ والله يحميها». 

الإذاعات تصدح اليوم بأغنية «ست الحبايب» التى كنت أشدو بها يا أمى وأنا مسترخى على صدرك، التلاميذ تنشدها اليوم فى كل المدارس، والأفواه ترددها فى كل محال الهدايا، وفى غيابك عنى يا أمى أنشدها مثل غيرى ممن سافرت أمهاتهم للسماء لأمنا «مصر» التى صدرت عيد الأم لكل مشارق الأرض ومغاربها، مصر يا أمى هى الأصل والتاريخ والضمير الذى جعل جدى المصرى القديم يقدس المرأة منذ أكثر من 7 آلاف سنة، ويضعها فى منزلة النيل العظيم، فكلاهما رمز للحياة والعطاء، وجدى الحكيم «آنى» ترك بردية ينصح فيها ابنه: «أطع أمك وأحترمها، فإن الإله هو الذى أعطاها لكَ، لقد حملتك فى بطنها حملاً ثقيلاً ناءت بعبئه وحدها، دون مساعدة وعندما وُلِدت قامت على خدمتك.

أم رقيقة لك، ثم أرضعتك ثلاث سنوات، وأرسلتك لدار العلم، فإن أنت شببت وتزوجت واستقررت فى دارك، تذكر أمك التى ولدتك، لا تدعها تلومك وترفع كفها إلى الإله فيسمع شكواها»، وينصح الحكيم «بتاح حتب» فى بردية أخرى بحسن معاملة الزوجة فيقول : «إذا كنت عاقلًا فأسس لنفسك دارًا وأحبب زوجتك حبًا جمًا وآتها طعامها وزودها بالثياب وقدم لها العطور لينشرح صدرها، فهى حقل مثمر لصاحبه وإياك ومنازعتها ولا تكن شديدًا عليها، فباللين تستطيع أن تمتلك قلبها وأعمل دائمًا على رفاهيتها ليدوم صفاؤك»، ويوصى بالأم وحسن معاملتها ويذكر بما لها من أفضالٍ فيقول: «رد إلى أمك ضعف الخبز الذى أعطته لكَ وأحملها كما حملتكَ لقد كنت بالنسبة لها عبئاً مرهقاً وثقيلاً وهى لم تسأم أو تضجر عندما أزف موعد مولدك وحملتك رقبتها ومكث ثديها على فمك سنوات» .. ويوصى بعدم عقوقها فيقول: «تذكر أمك التى ولدتك وأنشأتك تنشئة صالحة فلا تدعها تلمك وترفع أكفها إلى الآلهة فيستمع لشكواها».

المصريون القدماء يا أمى نحتوا تمثال «إيزيس» وهى جالسة ترضع ابنها «حورس» من ثديها، واعتبروها رمزًا لعيد الأم وأحاطوها بالزهور والقرابين، ووضعوا حولها الهدايا المُقدمة فى عيدها، وتشهد المعابد فى دندرة وسمنود كيف كان المصريون يحتفلون بالمرأة والأم، ويقدمونها للعالم كقديسة تهبهم الحياة، واعتادوا إقامة مواكب من الزهور تطوف المدن احتفالاً بالأم مع أعياد الربيع، فكرة الاحتفال بالأم هى فكرة مصرية قديمة، انتقلت إلى الإغريق واستمرت لآلاف السنين فى احتفال لكوبيلى باليونان، وعيد «هيلريا» عند الرومان، واحتفال أوروبا بيوم «أحد الأمومة»، ومرت السنين وظل للأم مكانتها المقدسة فى كل الحضارات.

إلى أن أقامت الأمريكية «أنا جارفيس» ذكرى لوالدتها عام 1908، وأنشأت عام 1912 الجمعية الدولية «ليوم الأم» وقادت حملة لتعترف الولايات المتحدة به كعيدٍ رسمى، ويرجع الفضل فى اختيار 21 مارس عيداً للأم فى مصر والعالم العربى للكاتب الكبير «على أمين» عندما كتب مقالاً قال فيه: « لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه «يوم الأم» ونجعله عيداً قومياً فى بلادنا وبلاد الشرق، وقامت بعدها إحدى الأمهات بزيارة لمكتب مصطفى أمين وقصت عليه كيف أنها ترمَّلت وأولادها صغار، ولم تتزوج، وكرست حياتها من اجل أولادها، وظلت ترعاهم حتى تخرجوا فى الجامعة، وتزوجوا، واستقلوا بحياتهم، وانصرفوا عنها تماماً»، وكتب مصطفى أمين يساند توءمه باقتراح تخصيص يومٍ للأم يكون بمثابة يومٍ لرد الجميل وتذكيرٍ بفضلها، وانهالت خطابات القراء على «أخبار اليوم» تؤيد وتشجع الفكرة، واقترح البعض أن يُخصص أسبوع للأم وليس مجرد يومٍ واحد، ورفض آخرون الفكرة بحجة أن كل أيام السنة للأم وليس يومًا واحدًا فقط، لكن أغلبية القراء وافقوا على فكرة تخصيص يوم 21 مارس عيداً للأم باعتباره أول أيام فصل الربيع رمزًا للتفتح والصفاء والمشاعر الجميلة .

كل عام وكل أم بخير، وكل عام وأمنا مصر فى سلام واستقرار وأمان ومحبة، ونغنى لها كل عام «ست الحبايب يا مصر يا حبيبة.. يا أغلى اسم فى الوجود».

وصدق الشاعر الكبير عبد الوهاب محمد عندما قال: «مصر هى أمى نيلها هو دمى.. شمسها فى سمارى.. شكلها فى ملامحى.. حتى لونى قمحى.. لون خيرك يا مصر».