في ذكراها الـ35| تحرير طابا.. أكبر ملحمة عسكرية ودبلوماسية مصرية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

قادت مصر ملحمة عسكرية ودبلوماسية وقانونية طويلة، فى سبيل تحرير كامل أرضها، انتهت بكامل تحرير طابا، ليظل يوم 19 مارس من 1989 يوما مجيدا فى تاريخ الأمة المصرية، يوم أصبحت فيه مصر كاملة السيادة على أراضيها واستردت آخر نقطة حدودية، ويوم أن رفرف العلم المصرى فوق أرض طابا.

يوم "تحرير طابا" الذى لن ينسى أو يمحى من الذاكرة المصرية، لنستلهم روح بطولة الجندى المصرى الذى تعهد بالحفاظ على كل حبة رمل من تراب وطنه، طابا بمساحتها الصغيرة جسدت ملحمة عسكرية ودبلوماسية وطنية هى الأكبر والأهم فى تاريخ مصر الحديث.

◄ اللواء سمير فرج: استرددنا سيناء بـ4 معارك كبرى

قال اللواء دكتور سمير فرج، المفكر الاستراتيجى، ومدير إدارة الشئون المعنوية الاسبق، إن مصر استردت سيناء باربع معارك كانت بدايتها بحرب 6 أكتوبر عندما عبر الجندى المصرى قناة السويس ودمر خط بارليف والمعركة السياسية من قبل الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، والمعركة الثالثة بالتفاوض التى ضمت الخبراء العسكريين والقانونيين والدبلوماسيين وغيرهم، والرابعة بمحاربة الإرهاب والتنمية فى الوقت الراهن.

وشدد المفكر الاستراتيجى، على أن مصر هى الدولة الوحيدة التى نجحت فى استرداد أرضها بالكامل عن طريق نصر أكتوبر ثم المفاوضات وبعد ذلك التحكيم الدولى لاسترداد طابا، واليوم تشهد سيناء مشروعات كبرى وتنمية غير مسبوقة، وأصبحت مصر دولة محورية كبرى تلعب دورا مهما فى المنطقة.

وأشار إلى أن جنود مصر أكدوا للعالم أن المصريين يضحون بأرواحهم من أجل استعادة حبة رمل مصرية، مؤكدا أن نصر أكتوبر هو ما دفع العدو إلى التفاوض مع مصر، وعندما وافقت مصر على التفاوض ليس من أجل التصالح، وإنما من أجل استرداد باقى أراضيها، ومن هنا جاءت اتفاقية السلام التى حددت كيف سيجرى الانسحاب من باقى الأراضى المصرية، وحاولت إسرائيل الاحتفاظ ببعض المواقع بكافة الطرق منها شراء بعض الأراضي، والتشكيك فى خط الحدود من خلال تغيير مواقع العلامات الحدودية ومنها العلامة 91، وهذه العلامات عبارة عن قواعد خرسانية توجد عليها قطعة حديدية، وهذه العلامات مرقمة، ولكنها فى النهاية فشلت لقوة حجة ودليل مصر بأحقيتها فى هذه المناطق، حتى عادت طابا إلى الأراضى المصرية بعد معركة التحكيم الدولى التى خاضتها مصر.

أضاف، أن الرئيس الراحل أنور السادات كان صاحب قرار الحرب، وتم تحرير جزء منها، والرئيس الراحل محمد حسنى مبارك أدار معركة استرداد طابا قضائيا، بينما الرئيس السيسى نجح فى تواجد القوات المسلحة بسيناء حتى خط الحدود، فتحققت السيادة الكاملة للقوات المسلحة المصرية على كامل أرض سيناء.

وأكد أن سيناء عادت بعد عزلة طويلة، وبإقامة أنفاق «تحيا مصر» أسفل المجرى الملاحى لقناة السويس والكبارى ومصانع الأسمنت والرخام وتنمية بحيرة البردويل، والتى يتم تصدير منتجاتها إلى أوروبا، بخلاف توطين المواطن السيناوى لاسيما بعد القضاء على الإرهاب، وتدمير نحو 2000 من أنفاق التهريب.

◄ اللواء الغباري: فخر للمصريين.. ونموذج للتخطيط الناجح

قال اللواء محمد الغباري، مدير كلية الدفاع الوطنى سابقا، إن الدروس المستفادة من إعادة طابا إلى مصر مرة أخرى جاءت نتيجة عمل مخطط ناجح للقيادة السياسية، لافتا إلى أنه وبعد هزيمة 1967 وقبيل حرب أكتوبر تم الأخذ بجميع الأسباب الدافعة للنجاح والتفوق العسكرى على إسرائيل، موضحا أن مصر خاضت معركة التحكيم الدولى لتحرير آخر شبر من أرض سيناء وهى طابا بعد مراوغة الجانب الإسرائيلى وادعاءاته الباطلة لأن إسرائيل كانت تهدف إلى توسيع ميناء إيلات والسيطرة على رأس خليج العقبة ورصد ما يجرى فى هذه المنطقة المحورية.

أضاف الغباري، أن الرئيس أنور السادات كانت له رؤية قوية وصائبة لإعادة أرض سيناء مرة أخرى، وتم تحرير الأرض بالقتال لمسافة وصلت لـ30 كيلو مترا، لافتا إلى أن استرداد أرض طابا جاء بعد سلسلة معارك قانونية قادها فريق دبلوماسى وطنى وذلك وفقًا لوثيقة "توجيه السياسة العسكرية" والتى تتضمن جزءين أحدهما تنفذه القوات المسلحة والتى تمت فى حرب أكتوبر 73 والجزء الآخر دبلوماسي.

وقال الغباري، إن الدبلوماسية قامت بتوقيع اتفاقية لفض القوات الإسرائيلية من طابا، ومن ثم توقيع اتفاقية السلام، والمرحلة الأخيرة تمت بقرارات المحكمة الدولية التى أصدرت قرارًا بأن "طابا مصرية".

وقال إنه فى بداية المفاوضات، امتنعت إسرائيل عن الخروج من طابا بحجة أن هذه المساحة ليست سوى 1020 مترًا فقط، ولا تقع ضمن الأراضى المصرية، مضيفًا أن إسرائيل وفى أعقاب إعادة مصر لأرض سيناء غيرت الحدود للفوز بطابا، ولكن عندما حدث الانسحاب من سيناء فى 25 أبريل 1982 لم ينسحبوا من منطقة طابا، حتى بدأت مصر بمعركة ثالثة لتحرير الأرض وهو المفاوضات والتحكيم.

وأشار الغبارى، الى أن مصر دخلت معركة التحكيم الدولى بالوثائق والأدلة القانونية التى تثبت مصرية طابا حيث كان النزاع على العلامة الحدودية 91 والتى كانت فى غير موضعها حيث غير الاحتلال الإسرائيلى مكانها، مضيفًا أن مصر شكلت لجنة قومية للدفاع عن طابا خاضت معركة دبلوماسية وقانونية ونجحت عبر الخرائط والوثائق فى إثبات أحقيتنا فى أرض طابا.

وأكد أن مصر قدمت كل الوثائق التى تؤكد أحقيتها فى أرض سيناء خاصة طابا، من خلال الوثائق بالحجج والبراهين.

◄ اللواء محيي نوح: الأبطال هم «المفاوضون الخبراء»

أكد اللواء محيي نوح، أحد أبطال حرب أكتوبر، قائد المجموعة 39 قتال، أن مصر أثبتت للعالم أن طابا مصرية من خلال فريق تفاوضى ضم 24 خبيرا بينهم 9 من مفكرى القانون و5 من أكبر الدبلوماسيين بوزارة الخارجية و2 من علماء الجغرافيا والتاريخ و8 من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية لاستردادها ورفع العلم على طابا بعد إستردادها، مؤكدا أن هؤلاء المفاوضين والخبراء هم أبطال الملحمة الحقيقيون.

وكشف اللواء نوح، أنه بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 رشح للعمل بجهاز الاتصال بالمنظمات الدولية، وكان برتبة عقيد وعمل تحت قيادة اللواء حسن الكاتب واللواء طه المجدوب وأخيرا اللواء بحرى محسن حمدى الذى لعب دورا كبيرا فى عملية إنشاء نقاط الاتصال على طول المسافة بين قواتنا وقوات العدو الإسرائيلي، ثم اشترك بعد ذلك فى استلام الأرض.

وشدد أن المفاوضات مع الجانب الإسرائيلى كانت بدايتها شاقة وحضرها اللواء محمد عبد الغنى الجمسي، الذى اتصف بالذكاء والحنكة العسكرية مع الجانب الإسرائيلى المراوغ، وأوضح، أن عملية التفاوض لم تكن سهلة وشاقة، ورفضنا التفريط فى أى حبة رمل من رمال سيناء الغالية، لافتا إلى عظمة أسلوب المفاوضات الذى اتبعته مصر والقيادة السياسية وكل الخبراء من كل المجالات التى شكلتها مصر فى الإعداد، فالمفاوضات مع إسرائيل كانت فى البداية عقيمة، لأنها كانت ترفض التحكيم وترى أن النزاع يمكن حله بالتوفيق واستمر هذا الوضع من 25 أبريل 1982 إلى يناير 1986 عندما وافقت إسرائيل على قبول طرح النزاع على التحكيم، وكانت اللجنة العسكرية من المفاوضات تضم فريقا تفاوضيا ضم 24 خبيرا من قادة عسكريين وطنيين، وشدد على أنه كانت لدينا مجموعة من الشهود من مختلف المجالات الفريق كمال حسن على رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسبق الذى شهد بزيارة شارون وزير الدفاع للهضبة الشرقية لطابا، وإسماعيل شيرين وزير الحربية الأسبق وابن عم الملك فاروق الذى عمل بطابا وكان مسئولا عن أعمال لجنة الهدنة المشتركة وقدم كل الأدلة والوثائق التى تثبت أنها مصرية، واللواء عبد الفتاح محسن مدير إدارة المساحة العسكرية السابق الذى كان على علم بكل شبر فى سيناء واللواء عبد الحميد حمدى مساعد وزير الدفاع السابق الذى كان ملازما أول فى الجيش المصرى منذ 1950 وعمل فى سيناء خلال وحدته بوادى طابا لحماية الحدود المصرية والدكتور أبو الحجاج الخبير الدولى فى الخرائط والمساحة بالإضافة إلى عدد كبير من الضباط الذين قضوا بعض خدمتهم بسيناء وطابا.

◄ حكاية كيلو متر واحد وضع مصر وإسرائيل أمام التحكيم الدولى

«معركة العصر» خاضتها مصر لاسترداد منطقة «طابا» الواقعة على رأس خليج العقبة لا تتجاوز مساحتها كيلومترا مربعا واحدا، فقد اقتحمت أبواب التاريخ وشغلت مكانا بارزا فى سجل الصراع المصرى الإسرائيلى وكانت موضع صراع قانونى ودبلوماسى استمر عدة سنوات وانتهى بالتحكيم الدولى لصالح مصر.

وفى أواخر عام 1981 ومع اقتراب الموعد النهائى للانسحاب الإسرائيلى الكامل من سيناء والمقرر له فى 25 أبريل 1982 وفق اتفاقية «كامب ديفيد» الموقعة بين الطرفين عام 1979 بدأت تظهر المماطلات الإسرائيلية المعتادة، وظهر واضحًا أن الاحتلال يسعى للاستيلاء على بعض المناطق المصرية ومنها منطقة طابا.

وتقع طابا على رأس خليج العقبة فى موقع جغرافى فريد على بعد 7 أميال من مدينة إيلات الإسرائيلية «أم الرشراش سابقا» مقابلة لميناء العقبة الأردني، بدأت الخلافات الحادة تتصاعد بين مصر وإسرائيل بشأن مواقع 14 علامة حدودية، كان أهمها موقع العلامة 91 وهى علامة الحدود الأخيرة على الشريط الحدودى فى طابا، وسعت إسرائيل لإثبات حق مزعوم فى هذه المنطقة لما لها من أهمية استراتيجية، وعمدت إلى إقامة العديد من المنشآت السياحية لفرض أمر واقع.

وقررت مصر اللجوء إلى التحكيم الدولى لاسترداد طابا، وهو ما كانت ترفضه إسرائيل حتى اضطرت للرضوخ إليه فى عام 1986، وأعدت مصر عدتها للمعركة القانونية بفريق يضم 25 من أبرز الكفاءات فى القوات المسلحة والقانون والتاريخ والجغرافيا والمساحة، وعكف الفريق المصرى على تعقب كل وثيقة تتصل بالقضية والبحث عن أى معلومة أو كلمة تثبت حق مصر فى أرضها وتفند الادعاءات الإسرائيلية بأنه أطول ماراثون وثائقى فى تاريخ القضايا الحدودية، وتنوعت الأدلة التى قدمها الفريق المصرى للمحكمة وشملت الوثائقَ التاريخية، التى احتلت مكان الصدارة، والخرائط والمجسمات الطبيعية والإحداثيات الشبكية وكتابات المعاصرين والزيارات الميدانية إلى مناطق الخلاف وبقايا أعمدة الحدود، فضلا عن شهادات الشهود.

واستعان الفريق المصرى بنحو 29 خريطة فى مذكرته الأولى المقدمة فى مايو 1987، لإثبات نقاطها الحدودية وتبعية طابا للسيادة المصرية، مقابل 6 خرائط فقط قدمتها إسرائيل لدعم حقها المزعوم.

وشملت الخرائط التى قدمتها القاهرة خرائط مصرية «6 خرائط» وبريطانية «4 خرائط» وفلسطينية «4 خرائط» وإسرائيلية «10 خرائط دفعة واحدة» بجانب مجموعة متنوعة من الخرائط كان من بينها خريطة لعصبة الأمم، وخريطة للخارجية الأمريكية، وخرائط أخرى من الأمم المتحدة، ولم تخل المعركة من الأدلة الطريفة التى لعبت دورا فى تأكيد مصرية طابا ومن بينها أختام البريد والطوابع.

ووفقا لرواية مفيد شهاب، وزير التعليم العالي، وشئون مجلسى الشعب والشورى الأسبق، وعضو الفريق القانوني، فإن إسماعيل شيرين آخر وزير للحربية فى عهد الملك فاروق، والذى كان قائدا للكتيبة المصرية فى طابا، تطوع للإدلاء بشهادته أمام المحكمة الدولية التى تنظر إجراءات التحكيم، وأن شيرين قدم خطابات رسمية بعث بها إلى زوجته وأسرته من طابا، وردودا على تلك الخطابات أرسلت إليه هناك، وأن أختام البريد والطوابع تؤكد ذلك، مشيرًا إلى أن شهادته زادت من اقتناع المحكمة بأحقية مصر فى أراضيها المحتلة.