«كلمات ربي وآياته في القرآن والكون».. حلقة اليوم عن كلمة «الأَرْض»

أحمد فؤاد باشا
أحمد فؤاد باشا

تواصل بوابة أخبار اليوم نشر سلسلة "كلمات ربي وآياته في القرآن والكون"، للدكتور أحمد فؤاد باشا، عضو مجمع اللغة العربية، القاهرة.الذي يقول: وردت كلمة الأرض معرَّفةً بالأداة "أل" في 451 موضعًا، ومعرفة بالإضافة في ثمانية مواضع، ومنكّرة في موضعين من القرآن الكريم.

• كيف بدأ الخلق: 

قال تعالى: {مَّا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} (سورة الكهف: 51)، وهذا يعني أن قضية خلق الكون (السموات والأرض) تعتبر من أمور الغيب التي يعلم الله وحده حقيقتها الكاملة. لكن غيبيَّة هذه القضية لم تمنع العلماء – بحكم تعاليم الإسلام – أن يواصلوا البحث والتنقيب عن آيات الله في الكون والتعرف على بعض أسرار الخلق الإلهي ليزداد الإنسان إيمانًا بقدرة الخالق المبدع ووحدانيته. قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (سورة العنكبوت: 20).

ويمدنا القرآن الكريم ببعض اللطائف المعرفية عن هذه القضية الغيبيّة ليحثنا على مواصلة البحث عن الحقيقة، فيقول تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} (سورة الأنبياء: 30)، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة أن السموات والأرض (كانتا رتقا)، أي شيئًا واحدًا متصلاً، وهذا يدل على أنهما من عناصر واحدة، (ففتقناهما)، أي فصل الله بينهما فانتثرتا في الفضاء أجزاء حيث شاء الخبير العليم. والرتق لغة يعني: الضم والالتحام، وهو عكس الفتق، يقال: رتقت الشيء فأرتق أي التأم.

ولما كان من معاني "الإعجاز" في اللغة العربية: الفوت والسبق، فإن القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة ينفرد بالسبق المعجز إلى تقرير حقيقة كونية عن نشأة الكون وخلق السماوات والأرض تمثل تحديًّا مستمرًّا للعلم البشري مهما تطور وتقدم.  

ولقد توصل العلم الحديث، بعد مشوار طويل من البحث بطرق عديدة، إلى أن عمر الكون يتراوح ما بين 12 و20 بليون (ألف مليون سنة)، وأن كوكب الأرض تكوّن منذ نحو 4.6 بليون سنة، وأن الحياة وحيدة الخلية ظهرت في مياه البحار لأول مرة منذ نحو 3.5 بليون سنة، ثم ظهرت الحياة عديدة الخلايا في البحار أيضًا منذ حوالي 2 بليون سنة على هيئة نباتات مائية خضراء لتكون الغذاء الرئيسي والأساسي للحيوانات المائية الأولية. وأسهم الضوء القادم من الشمس في إنتاج كمية كافية من الأكسجين في عملية تسمى "التمثيل الضوئي"، يصنع النبات الأخضر منها مواد غذائية نباتية من الماء الممتص من التربة وثاني أكسيد الكربون الممتص من الجو بمساعدة ضوء الشمس ومادة الكلوروفيل (وهي المادة الخضراء في النبات) وإطلاق الأكسجين الذي استقرت كميته بالغلاف الجوي على ما هي عليه منذ نحو بليون سنة، فأحدثت توازنًا لازمًا لتنفس كل الكائنات الحية. ولولا هذه العملية النباتية لأصبح جو الأرض سامًّا.

وظهرت، بعد هذا التوازن المذهل، أنواع متعددة من الحياة الحيوانية حتى وصل الإنسان الذي خلقه الله تعالى في أحسن تقويم، بعد أن هيأ الأرض لاستقباله وجعلها صالحة لاستمرار الحياة عليها قال تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} (سورة النازعات: 30-33).