عصير القلم

السفاح البرىء والمجرم الحقيقى

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬الآلة‭ ‬الاعلامية‭ ‬الأمريكية‭ ‬تعمل‭ ‬بكفاءة‭ ‬عالية‭ ‬منذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬ترويج‭ ‬الاكاذيب‭ ‬وتبرير‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وتقديم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باعتبارها‭ ‬واحة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والراعي‭ ‬الأول‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬بقاع‭ ‬الارض‭ ‬وهي‭ ‬الحجة‭ ‬التي‭ ‬اتخذوها‭ ‬ذريعة‭ ‬لدس‭ ‬انفهم‭ ‬الطويل‭ ‬في‭ ‬الشئون‭ ‬الداخلية‭ ‬لجميع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وتغيير‭ ‬انظمة‭ ‬الحكم‭ ‬غير‭ ‬المتعاونة‭ ‬مع‭ ‬العم‭ ‬سام‭.‬

ازدواجية‭ ‬مريعة‭ ‬في‭ ‬المعايير‭ ‬تعتمد‭ ‬عليها‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬غسل‭ ‬أدمغة‭ ‬الشعوب‭ ‬وفقًا‭ ‬لرؤية‭ ‬ساكن‭ ‬البيت‭ ‬الابيض‭ ‬وتجلى‭ ‬هذا‭ ‬واضحًا‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬الميديا‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬الاوكرانية‭ ‬،‭ ‬حيث‭ ‬تبارت‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الغربية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬التنديد‭ ‬بالفظائع‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭ ‬الجيش‭ ‬الروسي‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ ‬ودعت‭ ‬لتقديم‭ ‬كل‭ ‬اوجه‭ ‬الدعم‭ ‬للشعب‭ ‬الاوكراني‭ ‬المسكين‭ ‬في‭ ‬صورة‭ ‬تدفقات‭ ‬مالية‭ ‬بالمليارات‭ ‬واسلحة‭ ‬وذخائر‭ ‬بالاطنان،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬غضت‭ ‬الطرف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬المذابح‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وتحولت‭ ‬إلى‭ ‬ميديا‭ ‬عمياء‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬جثث‭ ‬الاطفال‭ ‬التي‭ ‬ملأت‭ ‬الشوارع‭.‬

الاعلام‭ ‬الانتقائي‭ ‬الموجه‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬قادرًا‭ ‬على‭ ‬خداع‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬قديمًا،‭ ‬فالحقائق‭ ‬اصبحت‭ ‬أوضح‭ ‬وأفضح‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬إخفائها‭ ‬بسحب‭ ‬الاكاذيب‭ ‬والتضليل،‭ ‬واصبح‭ ‬العالم‭ ‬أجمع‭ ‬يعلم‭ ‬مصدر‭ ‬الشرور‭ ‬والدمار‭ ‬والخراب‭ ‬مهما‭ ‬حاولت‭ ‬مساحيق‭ ‬التجميل‭ ‬الإعلامية‭ ‬إخفاء‭ ‬تشوهات‭ ‬الوجه‭ ‬الأمريكي‭ ‬البغيض‭.‬

ولنا‭ ‬في‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬‮«‬كيم‭ ‬جونج‭ ‬أون‮»‬‭ ‬نموذج‭ ‬واضح‭ ‬للزيف‭ ‬والخداع‭ ‬الأمريكي‭ ‬،‭ ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬تقدمه‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬باعتباره‭ ‬الديكتاتور‭ ‬الأعظم‭ ‬والسفاح‭ ‬الأخطر‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الكوكب‭ ‬ولكننا‭ ‬لو‭ ‬بحثنا‭ ‬عن‭ ‬التاريخ‭ ‬الدموي‭ ‬لهذا‭ ‬الرجل‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬يستحق‭ ‬بالفعل‭ ‬الألقاب‭ ‬التي‭ ‬اطلقتها‭ ‬عليه‭ ‬وسائل‭ ‬الاعلام‭ ‬الأمريكية‭ ‬سنرى‭ ‬عجب‭ ‬العجاب‭. ‬

من‭ ‬الذي‭ ‬أمر‭ ‬بإلقاء‭ ‬القنبلة‭ ‬الذرية‭ ‬على‭ ‬اليابان‭ ‬وتسبب‭ ‬في‭ ‬حرق‭ ‬ملايين‭ ‬البشر‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬آلاف‭ ‬البشر‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬نار‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬سوريا‭..  ‬من‭ ‬الذي‭ ‬دمر‭ ‬العراق‭ ‬وسرق‭ ‬ثرواته‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬جوع‭ ‬افريقيا‭ ‬ونهب‭ ‬ثروات‭ ‬دولها‭ ‬الضعيفة‭.. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬ألقى‭ ‬القنابل‭ ‬الفسفورية‭ ‬على‭ ‬اطفال‭ ‬فلسطين‭ ‬ووفر‭ ‬الحماية‭ ‬والدعم‭ ‬لإسرائيل‭ ‬لاستكمال‭ ‬مذابحها‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬اجمع‭.. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬أشعل‭ ‬نار‭ ‬الفتنة‭ ‬بين‭ ‬الهند‭ ‬وباكستان‭ ‬في‭ ‬كشمير‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬هدم‭ ‬جبال‭ ‬تورا‭ ‬بورا‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬الافغان‭ ‬ثم‭ ‬تركهم‭ ‬لطالبان‭ ‬وسحب‭ ‬قواته‭ ‬من‭ ‬هناك‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬حطم‭ ‬ليبيا‭ ‬وحولها‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬تنعم‭ ‬بالرفاهية‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬تعج‭ ‬بالميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬المتناحرة‭ .. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬قسم‭ ‬السودان‭ ‬إلى‭ ‬دولتين‭ ‬ويسعى‭ ‬لتقسيم‭ ‬الصومال‭.. ‬من‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬اوكرانيا‭ ‬الى‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬غير‭ ‬متكافئة‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬ويصر‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬آخر‭ ‬جندي‭ ‬اوكراني‭.‬

من‭ ‬الذي‭ ‬ارتكب‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ .. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الرئيس‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬أم‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي؟‭! ‬الاجابة‭ ‬واضحة‭ ‬ومعروفة‭ ‬،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬رسموا‭ ‬في‭ ‬مخيلتنا‭ ‬أن‭ ‬الزعيم‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬ديكتاتور‭ ‬وسفاح‭ ‬والعدو‭ ‬الاول‭ ‬للإنسانية‭.. ‬أما‭ ‬الأمريكان‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬ودمروا‭ ‬وشردوا‭ ‬ونهبوا‭ ‬الأوطان‭ ‬فهم‭ ‬حماة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ورعاة‭ ‬الحريات‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ !!‬

هكذا‭ ‬تقوم‭ ‬الآلة‭ ‬الاعلامية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بعملية‭ ‬غسيل‭ ‬المخ‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬وقلب‭ ‬الحقائق‭ ‬حتى‭ ‬تبقى‭ ‬الصورة‭ ‬الذهنية‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬السياسات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وتبرر‭ ‬قراراتها‭ ‬التي‭ ‬حولت‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬كرة‭ ‬ملتهبة‭ ‬وحروب‭ ‬لاتنتهي‭ ‬،‭ ‬وطبعا‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬الحرائق‭ ‬حتى‭ ‬تستمر‭ ‬مصانع‭ ‬الاسلحة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬وتمويل‭ ‬الحملات‭ ‬الانتخابية‭ ‬للرؤساء‭ ‬الامريكان‭ ‬،‭ ‬وكلما‭ ‬زادت‭ ‬الحروب‭ ‬ومبيعات‭ ‬الاسلحة‭ ‬كلما‭ ‬زاد‭ ‬حماس‭ ‬مصانع‭ ‬الاسلحة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬تمويل‭ ‬حملات‭ ‬مرشحي‭ ‬الرئاسة‭. ‬

;