أيهاب فتحي يكتب l مخرج أمريكى.. سيناريست إسرائيلى.. وممثل إيرانى

إيهاب فتحى
إيهاب فتحى

‭‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تنتقل‭ ‬تفاصيل‭ ‬عالم‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬مخرج‭ ‬للعمل‭ ‬يتولى‭ ‬إدارته‭ ‬بالكامل‭ ‬وكتابة‭ ‬سيناريو‭ ‬محبوك‭ ‬ودقيق‭ ‬لايحيد‭ ‬عن‭ ‬أحداثه‭ ‬الممثلون‭ ‬فى‭ ‬الفيلم‭ ‬حتى‭ ‬يقتنع‭ ‬المشاهدون‭ ‬بالحبكة‭ ‬الدرامية‭ ‬وينبهرون‭ ‬بأداء‭ ‬صناع‭ ‬الفيلم‭ ‬ويحقق‭ ‬النجاح،‭ ‬أيمكن‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭ ‬الانتقال‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬السياسة‭ ‬؟‭ ‬رغم‭ ‬مايبدو‭ ‬أن‭ ‬عالمى‭ ‬السينما‭ ‬والسياسة‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬لكن‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يقتبس‭ ‬الساسة‭ ‬فى‭ ‬قراراتهم‭ ‬روح‭ ‬عالم‭ ‬السينما‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬استعمارية‭ ‬ودعائية‭ ‬تجعل‭ ‬كافة‭ ‬الأطراف‭ ‬المشاركة‭ ‬فى‭ ‬اللعبة‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬رابحين‭. ‬

منذ‭ ‬إيام‭ ‬نفذت‭ ‬إيران‭ ‬ضربتها‭ ‬بمسيرات‭ ‬وقيل‭ ‬صواريخ‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬ردًا‭ ‬على‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬السفارة‭ ‬الإيرانية‭ ‬فى‭ ‬دمشق‭ ‬ومقتل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬الإيرانى‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬كانوا‭ ‬يعقدون‭ ‬اجتماعًا‭ ‬داخل‭ ‬مبنى‭ ‬السفارة‭.‬

‭ ‬بعد‭ ‬الضربة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أعلنت‭ ‬إيران‭ ‬أنها‭ ‬سترد‭ ‬بعنف‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬الإعلان‭ ‬الإيرانى‭ ‬والهجوم‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬دارت‭ ‬أحداث‭ ‬غرائبية‭ ‬أو‭ ‬فيلم‭ ‬سياسى‭ ‬بقيادة‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬وحبكة‭ ‬السيناريست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬مع‭ ‬أداء‭ ‬بارع‭ ‬من‭ ‬فريق‭ ‬التمثيل‭ ‬الإيرانى‭.‬

‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬عندما‭ ‬تقرر‭ ‬دولة‭ ‬شن‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬تخطر‭ ‬إيران‭ ‬وهى‭ ‬الدولة‭ ‬المهاجمة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬إسرائيل‭ ‬بأن‭ ‬الهجوم‭ ‬سيكون‭ ‬محدودًا‭ ‬ومعروفًا‭ ‬موعده‭ ‬وعقب‭ ‬الهجوم‭ ‬وفى‭ ‬تصريحات‭ ‬علنية‭ ‬قال‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيرانى‭ ‬حسين‭ ‬أمير‭ ‬عبد‭ ‬اللهيان‭ ‬فى‭ ‬اجتماع‭ ‬مع‭ ‬السفراء‭ ‬الأجانب‭ ‬فى‭ ‬طهران‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬أخبرت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بأن‭ ‬الهجوم‭ ‬الإيرانى‭ ‬سيكون‭ ‬محدودًا‭.‬

صرح‭ ‬مسئولون‭ ‬فى‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬للصحافة‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تتسامح‭ ‬مع‭ ‬هجوم‭ ‬إيرانى‭ ‬لايحقق‭ ‬خسائر‭ ‬!‭.‬

كأن‭ ‬مشاهد‭ ‬"الهجوم"‭ ‬التى‭ ‬أدارها‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬وحبك‭ ‬السيناريو‭ ‬لها‭ ‬السيناريست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وأداها‭ ‬فريق‭ ‬التمثيل‭ ‬الإيرانى‭ ‬كان‭ ‬متفقًا‭ ‬عليها‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬الثلاثة‭ ‬من‭ ‬صناع‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬الذى‭ ‬تميز‭ ‬بمشاهد‭ ‬الأكشن‭ ‬المثيرة‭ ‬من‭ ‬إطلاق‭ ‬مسيرات‭ ‬وإعلان‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬إسقاط‭ ‬99‭ % ‬منها‭.‬

هذه‭ ‬النتيجة‭ ‬المرتفعة‭ ‬سببها‭ ‬أن‭ ‬الدفاعات‭ ‬الجوية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والأمريكية‭ ‬والبريطانية‭ ‬كانت‭ ‬تعلم‭ ‬ميعاد‭ ‬انطلاق‭ ‬المسيرات‭ ‬وما‭ ‬قيل‭ ‬عن‭ ‬الصواريخ‭ ‬وفى‭ ‬فقرة‭ ‬كوميدية‭ ‬تخفف‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬الأكشن‭ ‬فى‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬الذى‭ ‬عرض‭ ‬علينا‭ ‬قال‭ ‬المتحدث‭ ‬العسكرى‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬إن‭ ‬المسيرات‭ ‬الإيرانية‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وتصل‭ ‬فى‭ ‬الثانية‭ ‬صباحا‭ ‬بتوقيت‭ ‬إسرائيل‭ ‬ونحن‭ ‬فى‭ ‬انتظارها‭ ‬!‭.‬

فى‭ ‬نفس‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬نجد‭ ‬إسرائيل‭ ‬تعلن‭ ‬بعد‭ ‬الهجوم‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يسبب‭ ‬أى‭ ‬خسائر‭ ‬فى‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬إسرائيل‭ ‬برد‭ ‬عسكرى‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬فمن‭ ‬الواضح‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬التصريح‭ ‬أن‭ ‬السيناريست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬ومن‭ ‬قبله‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬يفضلون‭ ‬النهايات‭ ‬السعيدة‭ ‬للفيلم‭ ‬الذى‭ ‬يقومون‭ ‬بصناعته‭ ‬وأيضا‭ ‬فالنهاية‭ ‬السعيدة‭ ‬للفيلم‭ ‬تحقق‭ ‬لفريق‭ ‬التمثيل‭ ‬الإيرانى‭ ‬مزيدًا‭ ‬من‭ ‬النجومية‭ ‬على‭ ‬الساحة‭ ‬الدولية‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬صناعة‭ ‬الأفلام‭ ‬السياسية‭ ‬بين‭ ‬فريق‭ ‬التمثيل‭ ‬الإيرانى‭ ‬والمخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬حتى‭ ‬بدون‭ ‬السيناريست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬لها‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬لأن‭ ‬كلا‭ ‬من‭ ‬واشنطن‭ ‬وطهران‭ ‬يقومان‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬بعضهما‭ ‬البعض‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافهما‭ ‬التوسعية‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬الأساليب‭.‬

لعل‭ ‬أقرب‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬قاسم‭ ‬سليمانى‭ ‬قائد‭ ‬فيلق‭ ‬القدس‭ ‬الذى‭ ‬اغتالته‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فالمخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬الذى‭ ‬أمر‭ ‬بتنفيذ‭ ‬العملية‭ ‬لم‭ ‬يحتفظ‭ ‬بسر‭ ‬الصنعة‭ ‬وأعلن‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬مؤتمراته‭ ‬الانتخابية‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬اتصلت‭ ‬به‭ ‬عقب‭ ‬عملية‭ ‬الاغتيال‭ ‬واتفقت‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬ضرب‭ ‬أهداف‭ ‬أمريكية‭ ‬بالعراق‭ ‬وبشكل‭ ‬محدود‭ ‬جدا،‭ ‬وأعطت‭ ‬المخرج‭ ‬أو‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬ميعاد‭ ‬الضربة‭ ‬ونوعيتها‭ ‬وأين‭ ‬ستقع‭ ‬حتى‭ ‬لاتحدث‭ ‬خسائر‭ ‬فى‭ ‬القوات‭ ‬الأمريكية‭.‬

بل‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬اغتيال‭ ‬قاسم‭ ‬سليمانى‭ ‬نفسها‭ ‬بها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الإشارات‭ ‬الغامضة‭ ‬وكأنها‭ ‬حدثت‭ ‬بضوء‭ ‬أخضر‭ ‬من‭ ‬أطراف‭ ‬داخل‭ ‬النظام‭ ‬الإيرانى‭ ‬بعد‭ ‬تضخم‭ ‬سلطات‭ ‬قاسم‭ ‬سليمانى‭ ‬هو‭ ‬وجناحه‭ ‬فى‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬وأصبح‭ ‬يهدد‭ ‬سلطة‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬خامنئى،‭ ‬ومن‭ ‬ضمن‭ ‬الإشارات‭ ‬أيضا‭ ‬التى‭ ‬تؤكد‭ ‬هذا‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬أن‭ ‬قاسم‭ ‬سليمانى‭ ‬وجناحه‭ ‬فى‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬كانوا‭ ‬وراء‭ ‬مقتل‭ ‬هاشمى‭ ‬رفسنجاى‭ ‬رئيس‭ ‬إيران‭ ‬السابق‭ ‬ورجل‭ ‬الغرب‭ ‬القوى‭ ‬فى‭ ‬النظام‭ ‬الإيرانى‭ ‬والمسئول‭ ‬عن‭ ‬عقد‭ ‬الصفقات‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬الإيرانى‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬فضيحة‭ ‬أيران‭ ‬كونترا‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تزويد‭ ‬إيران‭ ‬بأسلحة‭ ‬أمريكية‭ ‬عبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقت‭ ‬الحرب‭ ‬العراقية/الإيرانية‭ ‬فى‭ ‬الثمانينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬مقابل‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬رهائن‭ ‬أمريكيين‭ ‬فى‭ ‬لبنان‭. ‬

اغتال‭ ‬سليمانى‭ ‬رفسنجاى‭ ‬بإغراقه‭ ‬فى‭ ‬حمام‭ ‬سباحة‭ ‬قصره‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ألمحت‭  ‬إليه‭ ‬ابنته‭ ‬فائزة‭ ‬رفسنجانى‭ ‬قبل‭ ‬اعتقالها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬كان‭ ‬سبب‭ ‬اغتيال‭ ‬رفسجانى‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬جناحًا‭ ‬قويًا‭ ‬فى‭ ‬نظام‭ ‬الملالى‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬يمثل‭ ‬تهديدًا‭ ‬لمخططات‭ ‬سليمانى‭ ‬والحرس‭ ‬الثورى‭ ‬باعتراضه‭ ‬الدائم‭ ‬على‭ ‬أرتماء‭ ‬طهران‭ ‬بكل‭ ‬مقدراتها‭ ‬فى‭ ‬أحضان‭ ‬بكين‭ ‬وتقطع‭ ‬صلاتها‭ ‬تماما‭ ‬بالغرب‭ ‬وهو‭ ‬التوجه‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يقوده‭ ‬سليمانى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدخل‭ ‬كل‭ ‬الأرباح‭ ‬التى‭ ‬تحققها‭ ‬الكيانات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التابعة‭ ‬للحرس‭ ‬الثورى‭ ‬وهى‭ ‬بالمليارات‭ ‬فى‭ ‬دورة‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الصينى‭ ‬مبتعدًا‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬الغربى‭.‬

لكن‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقات‭ ‬بين‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬والسيناريست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وفريق‭ ‬التمثيل‭ ‬الإيرانى‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬"‭ ‬الهجوم‭ ‬"‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬بتلك‭ ‬النهاية‭ ‬السعيدة‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الممثلين‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬أجر‭ ‬نظير‭ ‬قيامهم‭ ‬بأدوارهم‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى،‭ ‬يقودنا‭ ‬موضوع‭ ‬الأجر‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬حادثة‭ ‬وقعت‭ ‬قبل‭ ‬ساعات‭ ‬من‭ ‬"‭ ‬الهجوم‭ ‬"‭ ‬السعيد‭.‬

وقعت‭ ‬الحادثة‭ ‬عندما‭ ‬تحركت‭ ‬بحرية‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬وقرصنت‭ ‬إحدى‭ ‬السفن‭ ‬البرتغالية‭ ‬فى‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز‭ ‬وعليها‭ ‬شحنة‭ ‬حاويات‭ ‬لم‭ ‬يعرف‭ ‬محتواها‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ولكن‭ ‬الأهم‭ ‬أن‭ ‬السفينة‭ ‬المقرصن‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬تعود‭ ‬ملكيتها‭ ‬إلى‭ ‬الملياردير‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬أيال‭ ‬عوفر،‭ ‬قد‭ ‬يبدو‭ ‬الأمر‭ ‬طبيعيًا‭ ‬أن‭ ‬يهاجم‭ ‬الحرس‭ ‬الثورى‭ ‬سفينة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬ويختطفها‭ ‬لكن‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬تاريخ‭ ‬عائلة‭ ‬عوفر‭ ‬أو‭ ‬الشقيقين‭ ‬أيال‭ ‬وأيدان‭ ‬عوفر‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬تاريخ‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الصفقات‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والنظام‭ ‬الإيرانى‭ ‬وكان‭ ‬منفذ‭ ‬الصفقات‭ ‬فيها‭ ‬شركة‭ ‬الإخوان‭ ‬عوفر‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬والدهما‭ ‬سامى‭ ‬عوفر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يدير‭ ‬الشركة‭ ‬وتوفى‭ ‬فى‭ ‬ظروف‭ ‬غامضة‭ ‬بتل‭ ‬أبيب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فرضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬لخرقها‭ ‬الحظر‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بسبب‭ ‬أنشطتها‭ ‬النووية‭. ‬

إن‭ ‬تاريخ‭ ‬هذه‭ ‬الشركة‭ ‬شركة‭ ‬عوفرلم‭ ‬يكن‭ ‬بسيطًا‭ ‬فى‭ ‬العلاقة‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والنظام‭ ‬الإيرانى‭ ‬فعلى‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬قبل‭ ‬وفاة‭ ‬الأب‭ ‬سامى‭ ‬عوفر‭ ‬كانت‭ ‬الشركة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬سفنها‭ ‬هى‭ ‬ما‭ ‬تنقل‭ ‬البترول‭ ‬الإيرانى‭ ‬أثناء‭ ‬الحظر‭ ‬والعقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬بشراء‭ ‬سفن‭ ‬وباعتها‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬الإيرانى‭ . ‬

بسبب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬السرية‭ ‬التى‭ ‬فضحتها‭ ‬واشنطن‭ ‬تم‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬الشركة‭ ‬وبعدها‭ ‬بأسبوع‭ ‬فقط‭ ‬توفى‭ ‬سامى‭ ‬عوفر‭ ‬الأب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬مطلوبًا‭ ‬فى‭ ‬تحقيقات‭ ‬موسعة‭ ‬ستجريها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬فكان‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يصمت‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭ ‬رغم‭ ‬ماقدمه‭ ‬من‭ ‬خدمات‭ ‬حتى‭ ‬لايكشف‭ ‬تفاصيل‭ ‬الصفقات‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وطهران‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تجرى‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬ظهر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

تسببت‭ ‬هذه‭ ‬الفضيحة‭ ‬فى‭ ‬إثارة‭ ‬غضب‭ ‬واشنطن‭ ‬بشدة‭ ‬نتيجة‭ ‬للخيانة‭ ‬والصفاقة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬العلن‭ ‬تدفع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬وسرًا‭ ‬كانت‭ ‬أجهزة‭ ‬مخابراتها‭ ‬تدير‭ ‬الصفقات‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬طهران‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬شركة‭ ‬عوفر‭ ‬وكان‭ ‬المحرض‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬العقوبات‭ ‬هو‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬إسرائيل‭ ‬الحالى‭ ‬وكان‭ ‬وقتها‭ ‬أيضا‭ ‬رئيسًا‭ ‬للوزراء‭.‬

تدخلت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬وأجهزة‭ ‬المخابرات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بقوة‭ ‬لغلق‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الذى‭ ‬يكشف‭ ‬حقيقة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإيران‭ ‬فاللجنة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬بالكنيست‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬قررت‭ ‬فتح‭ ‬تحقيق‭ ‬فى‭ ‬طبيعة‭ ‬ماحدث‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬دقائق‭ ‬من‭ ‬بدأ‭ ‬الجلسة‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬رئيس‭ ‬الكنيست‭ ‬رسالة‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بإنهاء‭ ‬الجلسة‭ ‬فورًا‭ ‬لأن‭ ‬النقاش‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬يسبب‭ ‬أضرارًا‭ ‬فادحة‭ ‬للأمن‭ ‬القومى‭ ‬الإسرائيلى‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬رئيس‭ ‬الكنيست‭ ‬لم‭ ‬يكشف‭ ‬محتوى‭ ‬الرسالة‭ ‬والجهة‭ ‬التى‭ ‬أرسلتها‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التسريبات‭ ‬التى‭ ‬نشرتها‭ ‬الصحف‭ ‬الغربية‭ ‬وقتها‭ ‬أشارت‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬الرسالة‭ ‬هى‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تدير‭ ‬هذه‭ ‬الصفقات‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬بل‭ ‬خرج‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬فى‭ ‬تصريح‭ ‬شهير‭ ‬مشيدًا‭ ‬بسامى‭ ‬عوفر‭ ‬قائلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬صهيونيًا‭ ‬حقيقيًا‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬شركة‭ ‬عوفر‭ ‬لم‭ ‬تتخل‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬القديم‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬العلاقات‭ ‬شديدة‭ ‬السرية‭ ‬بين‭ ‬طهران‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وإن‭ ‬اختلفت‭ ‬التفاصيل‭ ‬فبدلا‭ ‬من‭ ‬نقل‭ ‬البترول‭ ‬المحظور‭ ‬يمكن‭ ‬تسليم‭ ‬إيران‭ ‬شحنة‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬محتواها‭ ‬تحت‭ ‬غطاء‭ ‬قصة‭ ‬الخطف‭ ‬تلك‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬هذا‭ ‬أجر‭ ‬فريق‭ ‬التمثيل‭ ‬و‭ ‬الأمر‭ ‬الآخر‭ ‬أنه‭ ‬بالتأكيد‭ ‬المخرج‭ ‬الأمريكى‭ ‬لن‭ ‬يغضب‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬من‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬وشركتها‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬السياسى‭ ‬و"الهجوم"‭ ‬السعيد‭ ‬يتم‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭ ‬ورعايته‭.‬

إن‭ ‬الأفلام‭ ‬السياسية‭ ‬التى‭ ‬يتولى‭ ‬صناعتها‭ ‬الثلاثى‭ ‬الأمريكى‭ ‬/‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬/‭ ‬الإيرانى‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬والى‭ ‬الآن‭ ‬تؤكد‭ ‬شيئًا‭ ‬واحدًا‭ ‬أن‭ ‬الأغراض‭ ‬الاستعمارية‭ ‬والتوسعية‭ ‬لهذا‭ ‬الثلاثى‭ ‬هدفها‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مقدرات‭ ‬وثروات‭ ‬وطننا‭ ‬العربى‭.‬

;