فى الصميم

خريف أمريكا.. بين بايدن وترامب!

جلال عارف
جلال عارف

تم حسم الأمر رسميا. سيتواجه الرئيس الأمريكى بايدن مع الرئيس السابق ترامب فى نسخة مكررة من انتخابات الرئاسة السابقة. يبدو الأمر وكأنه إعادة عرض لفيلم ممل من أفلام المقاولات كما كنا نسميها. تقول استطلاعات الرأى إن أكثر من ٤٠٪ من الأمريكيين كانوا يفضلون وجوها أخرى بدلا من هذه المنافسة البائسة. والسؤال الحائر هو: هل أصاب العقم الحياة السياسية فى الدولة الأقوى؟ وهل تتحمل ذلك فى وقت تشتد فيه التحديات الداخلية والخارجية، وفى عالم تجتاحه رياح التغيير وهو فى الطريق لبناء نظام عالمى جديد تنتهى فيه هيمنة القطب الواحد التى ضمنت لأمريكا مكانها المتقدم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن؟!

المشهد الأمريكى هنا يذكر بمشهد القيادة فى الاتحاد السوفيتى فى آخر عهد بريجنيف، مع فارق أن أمريكا مازالت تملك القوة الاقتصادية والاستراتيجية للصمود. لكن الأزمة هى الأزمة، والشيخوخة سيدة الموقف، والانتخابات القادمة ستكون استعراضا للملل السياسى، وإنذارا بالمخاطر الهائلة فى مجتمع يزداد انقساما، وتزداد معه قوى التطرف التى أصبحت جزءا مهما من الصراع الداخلى منذ أن صدمت أمريكا باقتحام الكونجرس فى الانتخابات الماضية فى تمرد نادر مازالت آثاره ممتدة إلى هذه الانتخابات!!

الآن.. وفى غياب أى رؤية للمستقبل، يركز الرئيس بايدن على خطورة ترامب على الديموقراطية الأمريكية، بينما يعد ترامب بأن تكون أول قراراته إذا فاز فى الانتخابات هى العفو عن الذين اقتحموا الكونجرس من أنصاره المؤمنين بتفوق الرجل الأبيض والمنادين بعزلة أمريكا وغلق حدودها. وبينما يسيطر هذا التوجه على الحزب الجمهورى نجد -فى المقابل- أن يسار الوسط فى الحزب الديمقراطى تتعزز مواقعه لتتسع الهوة ويزداد الاستقطاب السياسى فى المجتمع ويبدأ الحديث -من الآن- عن خطر تكرار عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات القادمة فى ظروف ستكون عواقبها أسوأ بكثير على أمريكا!!

ترامب متقدم -حتى الآن- على بايدن فى استطلاعات الرأى بأقل من خمس درجات، النتيجة سيئة بالطبع لساكن البيت الأبيض خاصة وهو يواجه ترامب المدان حتى الآن بجرائم اغتصاب واحتيال ضريبى، والذى ينتظر محاكمات أخرى أخطر بشأن التمرد والتحريض على اقتحام الكونجرس. هذه المرة تحتل القضايا الخارجية مكانا أكبر فى حسم النتيجة. بايدن يدفع الآن ثمن السياسات الخاطئة والمنحازة لإسرائيل فى حرب الإبادة على الشعب الفلسطينى، ويدفع ثمن تصعيد الحرب فى أوكرانيا وخطأ الجمع بين مواجهة الصين وروسيا معا.

مازالت لدى بايدن الفرصة لقرارات فى القضايا الداخلية تحسن وضعه الانتخابى. ومازالت لديه الفرصة لتصحيح سياساته الخارجية التى أفقدته أصوات الأقليات العربية والإسلامية وبالإضافة للأمريكيين السود وذوى الأصول الأسبانية. يعرف جيدا أنه سيواجه ترامب ونتنياهو معا، لكنه وضع نفسه فى مأزق حين قادته صهيونيته إلى شراكة فى حرب الإبادة يعارضها حتى شباب حزبه، ويرفضها حتى الذين يشاركونه المخاوف من عودة ترامب الذى لم ير فى فلسطين! إلا صفقه يلهو بها زوج ابنته مع المتبرعين بالتطبيع!!

بعيدا عن ضوضاء الانتخابات ومعاركها التى يغيب فيها المستقبل، وبعيدا عن مساجلات لا تتجاوز «چو النعسان» و«دونالد المحتال».. تظل «الثوابت» فى السياسة الأمريكية كما هى، ويظل السؤال الحقيقى الذى نتهرب منه هو: أين أوراق الضغط العربية.. ومتى تستخدم إذا لم يحدث ذلك الآن؟