يوميات الأخبار

مصطفى وعلى أمين

رفعت رشاد
رفعت رشاد

كان إعلان التقدير للصحفى الفلسطينى البطل وائل الدحدوح شخصية العام الصحفية موفقا للغاية، فهذا البطل تحدى كل المعايير وظل شامخا ومؤمنا بالله وبرسالته رغم فقدانه عائلته

لم يلحق جيلى والجيل الذى سبقنا بالصحفى الكبير على أمين، لكن عددا كبيرا منا تعامل وعمل مع مصطفى أمين. مات على أمين قبل توءمه بحوالى 20 عاما. عاشا معا منذ لحظة وجودهما فى الحياة لكنهما افترقا مرتين طويلتين، الأولى عندما ذهب على لدراسة الهندسة فى إنجلترا وذهب مصطفى لدراسة العلوم السياسية فى أمريكا، والثانية عندما سجن مصطفى وعاش على فى إنجلترا مرة أخرى. الشقيقان التوءم ظاهرة فى حياتنا الصحفية امتد أثرها للحياة السياسية. كانت درجة التطابق فى الطباع تامة بجانب التطابق فى الجسم والشكل والتفكير، كان على يبدأ كتابة المقال ويستكمله مصطفى أو العكس بدون أن يشعر القراء باختلاف فى الفكرة أو الأسلوب. 

صنع التوءم تاريخا مجيدا فى الصحافة المصرية تردد صداه بقوة كبيرة فى الصحافة العربية. عدد من كبار الصحفيين فى الدول العربية تعامل مع التوءم إما مباشرة كصحفيين أو محررين فى صحف أخبار اليوم أو كتاب مقالات انتموا لمؤسستنا بحكم عشق صحافتها. وكُتب عن مصطفى وعلى عشرات الكتب ونوقشت عنهما رسائل الدكتوراه والماجستير بالعشرات. كانت هناك كتب ترصد تجربتهما وتحللها وأخرى ترصد تفاصيل الحياة اليومية فى صحف المؤسسة. 

ولو توقفنا عند تاريخ عام 1944 وهو العام الذى صدرت فيه أخبار اليوم نجد أن عمر التوءم كان 30 عاما فقط، أى أنهما كانا يمتلكان الوعى والخبرة التى تؤهلهما لإصدار هذه الجريدة التى ولدت عملاقة وهو ما لا يتوفر الآن للأجيال الحالية سواء من حيث الإمكانيات المهنية أو المادية. كانت أخبار اليوم خطوة كبيرة فى اتجاه زيادة نسبة تمصير الصحافة بنسبة كبيرة خاصة من خلال حداثتها ومواكبتها خبريا وإخراجا للصحافة الحديثة. 

مرشدى

كان مصطفى أمين بالنسبة لى مرشدى إلى مهنة الصحافة. بدأت علاقتى به منذ عام 1974 ورغم أننى كنت أعيش وقتذاك فى قرية الحاجر بسوهاج إلا أن مسار حياتى تغير بسبب مصطفى أمين. كنت أحرص على شراء أخبار اليوم من مركز ساقلتة من خلال صديق جدى – عم وليم – بعدما وقعت فى غرام قراءة قصته «لا» التى كانت أولى قصصه بعد خروجه من السجن.. جعلنى مصطفى أمين أعيش فى عالمه الخيالى، عالم الصحافة، الشهرة والسلطة والسفر ومتعة جلب الأخبار وكتابة المقالات وغموض الأسرار. كان بارعا فى الكتابة الصحفية، بل لم يضارعه أحد، كانت كلماته تتراقص بحروفها على الورق وتتسلل إلى تلابيب الرأس مسيطرة عليها ضاخة متعة ولذة لم أعهدها من قبل.. كان من ترتيب القدر أن ألتحق بالعمل فى الجريدة التى طالما حلمت بالعمل فيها – الأخبار – وأن أعمل مع الأستاذ الكبير مصطفى أمين، وعلى مدى خمسين عاما صاحبته فى كتبه ومقالاته وقرأت تقريبا كل ما كتبه وقاله. 

جوائز التوءم

إن الحديث عن مصطفى أمين يمكن أن يستغرق أوقاتا طويلة، لكن اليوم أتحدث بمناسبة إعلان نتائج جوائز مسابقة التوءم الصحفية. لقد منحت الجوائز لزملاء أعزاء اجتهدوا فى المهنة فحصلوا على ما استحقوا وستكون الجائزة دافعا كبيرا لكل منهم لكى يواصل اجتهاده وعطاءه فى مهنة البحث عن المتاعب أو مهنة صاحبة الجلالة فهى على كل حال تجمع بين المتعتين.. كان إعلان التقدير للصحفى الفلسطينى البطل وائل الدحدوح شخصية العام الصحفية موفقا للغاية، فهذا البطل تحدى كل المعايير وظل شامخا ومؤمنا بالله وبرسالته رغم فقدانه عائلته، ولم يكن هناك غيره يستحق هذه اللفتة من التكريم. كما فاز بالجائزة زملاء واعدون، حسن السعدنى، وإيمان حنا «اليوم السابع»، منال عبيد «الأهرام» سارة أبو شادى «موقع مصراوى الإلكترونى»، المصور طارق وجيه «موقع المصرى اليوم الإلكترونى». ومنحت الجائزة لبعض أوائل أقسام الصحافة والإعلام ففازت بها منار على ممدوح الأولى فى أكاديمية أخبار اليوم وبدر الدين حسن الأول فى إعلام القاهرة. 

جمال حسين

وقد سعدت بصفة شخصية بمنح الجائزة لاثنين من أصدقائى اللذين أعتز بهما كثيرا، جمال حسين وعبد الله عبد السلام. 

أما جمال حسين فهو عِشرة العمر، كانت بدايتنا معا فى قسم الصحافة بسوهاج منذ ما يزيد على أربعين عاما. لم يتغير جمال فهو المهذب الذى يتمتع بالأخلاق الراقية وهو الصحفى المهنى الكفء. عاد جمال للجائزة بعد 37 عاما بعدما فاز بها فى المرة الأولى كونه الأول على دفعته بالكلية والتقى وقتها مصطفى بك أمين وهو ما لم يتكرر مع أى زميل آخر. عاش جمال حسين حياة صحفية مليئة بالمغامرات والتشويق، كان مندوب الأخبار فى وزارة الداخلية وقبلها فى أقسام الشرطة وسافر طول البلاد وعرضها وراء الأخبار ومصاحبا الشرطة فى البحث عن المجرمين والإرهابيين، وقام بدور كبير فى مواجهة سلطة حكم الإخوان وتعرض للتهديد بالقتل عندما وضع على قوائم المستهدفين. 

عاش جمال حسين حياته الصحفية طولا وعرضا وتولى رئاسة تحرير الأخبار المسائى وأحدث استقرارا وتطورا ونال حب وتقدير زملائه فى الجريدة وفى المؤسسة. انتخب جمال فى الجمعية العمومية للمؤسسة لدورتين وانتخب فى مجلس الإدارة دورتين وهو ما ينم عن ثقة الصحفيين فى زميل لهم بدأ من الصفر ووصل إلى أعلى مرتبة فى الصحافة وهى رئيس التحرير. تهنئتى الحارة لأخى جمال حسين وأدعو له بالتوفيق والنجاح دوما. 

عبد الله عبد السلام

عرفت الأستاذ عبد الله الخلوق خلال رحلة عمل خارجية تزاملنا فيها وتصادقنا وصارت أخوة راقية تقوم على الاحترام المتبادل. تقديرى لعبد الله كصحفى لا يقل عن تقديرى له كشخص، فهو يتمتع بكفاءة عالية ولديه قدرات محترفة فى إدارة العمل وعلاقاته مع الزملاء فى الأهرام رائقة لا تشوبها شائبة، فهو هادئ التعامل والصوت ويمتعنا بمقاله اليومى الذى يجسد ثقافته وعمق أفكاره على صفحات الجريدة. 

تطابقت مقالات عبد الله مع معايير جائزة التوءم وهو ما يعنى أن المحكمين رأوا فيها الرقى فى منهجية الكتابة وفنية الأسلوب بما يتناسب مع قيمة الجائزة وقيمة صاحبيها. أتمنى لأخى الأستاذ عبد الله مستقبلا مشرقا يستحقه. 

د. محمد كمال

عرفت الدكتور محمد كمال منذ ما يزيد على عشرين عاما كان فيها نعم الأخ والصديق، لم يتغير أو يتبدل فى سلوكه وأخلاقه، أما علمه فهو غزير ويزداد غزارة يوما بعد يوم. هو أستاذ العلوم السياسية فى جامعة القاهرة والنائب السابق والكاتب السياسى البارز. لا يكتفى الدكتور محمد كمال بما يمنحه من علم لطلابه فى الجامعة أو عمادته لمعهد الدراسات والبحوث العربية، إنما يكتب مقالات فى الصحف وفى مراكز الدراسات والفكر محللا القضايا السياسية الدولية والمحلية بأسلوب رفيع المستوى يُظهر عمق ثقافته وخبرته السياسية ويجعل قراءه يفهمون أعقد المسائل بسهولة. أتابعه بشكل دائم وأقرأ مقالاته التى ينشرها فى الصحف وأستمتع بها وأستفيد، كما أتابع نشاطه فى مجالات السياسة وأسعد به عندما يحقق نجاحا وراء الآخر، د. محمد كمال من الشخصيات التى تعمل بهدوء وبدون أدنى ضجيج لكنه يتمتع بإرادة حديدية وتصميم لا نهائى على التميز والتجويد وهى صفات الشخصية الناجحة. 

محمد عبد المطلب

80 عاما وأكثر، يسمع فيها الشعب المصرى المطرب الشعبى المحبوب محمد عبد المطلب يرحب بحلول شهر رمضان، فهل يعتقد أحد أن رمضان يمكن أن يحل بدون أن نسمع «طِلِب» وهو ويقول «رمضان جانا» !! أجيال وراء أجيال غرست فى مسامعها ورءوسها كلمات الأغنية التى ألفها حسين طنطاوى ولحنها طليعة ملحنى الشعبى محمود الشريف.

غنى كثيرون للشهر الفضيل ومنهم أحمد عبد القادر «وحوى يا وحوى»، نجحت وحوى يا وحوى، لكن أغنية طلب فاقت كل نجاح وصار كل مصرى، رجلا أو شابا، طفلا أو امرأة يحفظ كلمات الأغنية ويردد مع صاحبها «قولوا معنا أهلا رمضان». الأغنية نموذج للطرب الناجح الذى يتقن القائمون عليه تفعيل أدواتهم من كلمات ولحن وأداء.

لأغنية طلب ميزة التقادم الزمنى والكلاسيكية فى تفاصيلها وتراكم سماعها على مدى عقود، ورغم أن مطربين آخرين غنوا لرمضان، إلا أننا لن نشعر بأن «رمضان جانا» إلا لو سمعنا طلب وأغنيته التى لها المكانة الأولى فى رأيى. رحم الله صانعى الأغنية التى تمتعنا فى كل عام. 

أشرف سويلم

أعترف أننى أحد الذين قصروا فى متابعة والاهتمام بأشرف سويلم. حكاية أشرف حكاية درامية طويلة ليس هنا مجال الحديث عنها بتفاصيل. عرفته صحفيا شابا منذ أربعين عاما.

عندما عملت بجريدة الجمهورية فى قسم التليفزيون التقيت أشرف الذى كان من الشخصيات التى يقع الإنسان فى محبتها على الفور. كان لديه الموهبة فى كسر الحواجز بينه وبين الآخرين وكانت ملامح شخصيته من النوع الذى يعجبنى، فهو ابن بلد جدع وشهم وخفيف الظل. كنا ننهى برنامج عملنا فى التليفزيون ونسير حتى الجريدة نحكى ونعلق على ما مر بنا من أحداث اليوم. كان صحفيا متألقا وفى سن مبكرة تولى رئاسة صفحة الموسيقى التى كانت تنفرد بها الجمهورية.

كان نجما فى عالم الفن ولم يكن أشهر المطربين المتربعين على الساحة الغنائية الآن يفارقون مكتب أشرف بالجريدة، يتمنون أن ينشر أخبارهم. مات أشرف منذ فترة قريبة بعدما عانى ويلات المرض وويلات الألم النفسى. كان ينتظره مستقبل باهر. كان عنوانا لجيلنا الذى قطع طريقه فى عالم الصحافة فى رحلة سير شاقة فى طرق غير معبدة وسدد كل منا الثمن بطريقته. رحمه الله بقدر ما أحببناه وأحبه كل أصدقائه.