الحلمنتيشي| ياسر قطامش: تسالي شعرية على الطريقة المصرية

ياسر قطامش
ياسر قطامش

في شهر رمضان يبدو الكون كله أكثر رحابة وسعة صدر، وأكثر تفننا فى أطايب المأكولات والمشروبات أيضًا؛ ولأن الشعر الحقيقى خير مسجل للأحداث والتفاصيل؛ فإن الشعر الحلمنتيشى يعد الأقرب إلى عامة الناس؛ ويقال إن أصل التسمية يعود إلى فرقة "حلمنتيش" التى كتبت هذا النوع من الشعر، وأن الشاعر المصرى حسين شفيق هو من أطلق عليه هذا الوصف، لأنه اشتهر فى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً فى مصر.

وفسر البعض بأن المصطلح منحوت من كلمتين (حلا) من حلا الشىء، حلاوة، و(منتيشى) من: (نتش) الشىء إذا جذبه، والنتّاش فى العامية المصرية هو الفشّار أو الكذاب؛ وبهذا تكون الكلمة تعنى النتش الحلو أو الفشر اللذيذ؛ وكان الشاعر حسين شفيق من أوائل من تبنى نمط الشعر الحلمنتيشى، إذ إنه عارض المعلقات السبع، بقصائد سماها المشعلقات، كما استخدم العديد من شعراء العصر الحديث هذا النمط من الشعر فى كتابة بعض القصائد، وأشهرهم بيرم التونسي، وأسعد رستم، وحافظ إبراهيم، وأحمد شوقى.. وفى هذا التقرير نتحدث عن هذا الشعر وأبرز رواده ونقاده.

الشاعر الحلمنتيشي الشهير ياسر قطامش، يؤكد أن الشعر الفكاهى أو الحلمنتيشي ارتبط دائما برمضان؛ لأن رمضان هو شهر «التسابيح والتراويح»، وهو أيضا شهر «الأذكار والأسمار»، وفى رمضان يحلو السمر بعد صلاة العشاء والتراويح، وما أحلى السمر إذا امتزج بالفكاهة النقية الخالية من كوليسترول الإسفاف والبذاءة بغرض الترويح عن القلوب، ونجد فى أشعار القدماء وخصوصا الشاعر حسين شفيق المصرى (رائد الشعر الحلمنتيشي في العصر الحديث) أشعارًا رمضانية فكاهية مرحة مثل تلك التى يتحدث فيها عن زوجته ويقول:

أظن (الولية) زعلانة

وما كنتُ أقصدُ إزعالَهاَ

أتي رمضانُ فقالت (هاتوا لي)
زكيبةَ (نُقْلٍ) فجبنا لها
وجبنا صفيحةَ سمنٍ وجبنا
لوازمَ ما غيرها طالها
ومن قمر الدين جبنا ثلاثَ
لفائفَ تُتعب شيّالها
فقل لى على إيه بنت الذينَ
بتشكى إلى أهلها حالها؟!

وإذا أبحرنا فى التاريخ نجد أن الشعر الفكاهى عادة ما كان يزدهر فى رمضان، وبالأخص فى العصر المملوكى، حيث يخبرنا الإمام جلال الدين السيوطى فى كتابه (منهل اللطايف فى الكنافة والقطايف) عن كثير من الشعراء الذين تخصصوا وأبدعوا فى إنشاد أشعارهم عن الكنافة والقطايف، ومنهم أبو الحسين الجزار الذى قال:
سقى اللهُ أكنافَ الكنافةِ بالقطر
وجادَ عليها سُكّرًا دائمَ الذَّر
وتبا لأوقاتِ (المخلل) إنها
تمر بلا نفعٍ وتحسب من عمرى
وقال آخر: 
هات القطائف ها هنا
فالصوم حببها لنا
قد كان يعشقها أبى
وأخى وأكرهها أنا
لكننى مذ ذقتها
ذقت الحلاوة والهنا

◄ اقرأ أيضًا | «قطامش» رائد الشعر الحلمنتيشي في ندوة لمناقشة الأدب الساخر

ويضيف قطامش أن الشعر الحلمنتيشى نوع من التسالى الرمضانية اللذيذة كالمكسرات؛ وأذكر أننى فى طفولتى البعيدة منذ أكثر من 50 عاما كنت أسمع فى الراديو برنامجا فكاهيا عنوانه (الشعر الحلمنتيشى)، وكان تتر المقدمة للفنان الكوميدى محمد شوقى، يقول: 
اضحك فهذا الشعر حلمنتيشى
من سُكّر والله سنترافيشى

ولعل البعض لم يزل يذكر (السمسمية) للفنان سيد الملاح، وهو برنامج كان يُذاع فى رمضان ويُقدّم شعرًا حلمنتيشيا من تأليف الشاعر حسين طنطاوى؛ وما زالت هذه الأشعار يتردد صداها فى ذاكرتى حتى الآن، ومنها:
قل للعصبجى النرفوز
مناخيرك تشبه للكوز
الحمد لمن خلق الخبزا
واللحم لذيذا والأرزا
قل للترماى إذا كركب
أنا زعلان أنا مش هاركب
أنا زعلان من رمضان
فهو يفكر فى الزوغان
رمضان أتى بلياليه
بين التقوى والترفيه

ويقول قطامش إننى كتبت قصائد، أو بالأحرى مقطوعات شعرية بطريقة الفوازير عن المأكولات الرمضانية الشهيرة، ومنها:
ذات الشعور الناعمة
فى الشهد دومًا عائمة
أطباقها شهية
بها النفوس هائمة
محمرة محشية
تغرى البطون الصائمة
مثل (اللطافة) اسمها
و(آفة) فى الخاتمة؟!

ويضيف: والفوازير الشعرية من الفنون القديمة التى انقرضت للأسف، ولى محاولات متواضعة لإحيائها.