خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى| معنى رمضان

الشيخ محمد متولى الشعراوى
الشيخ محمد متولى الشعراوى

معنى كلمة (شهر) التى جاءت فى قوله: «فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ»؟. إن كلمة (شهر) مأخوذة من الإعلام والإظهار، وما زلنا نستخدمها فى الصفقات فنقول مثلًا: لقد سجلنا البيع فى (الشهر العقاري) أى نحن نعلم الشهر العقارى بوجود صفقة، حتى لا يأتى بعد ذلك وجود صفقة على صفقة، فكلمة (شهر) معناها الإعلام والإظهار، وسُميت الفترة الزمنية (شهراً) لماذا؟ لأن لها علامة تُظهرها، ونحن نعرف أننا لا نستطيع أن نعرف الشهر عن طريق الشمس؛ فالشمس هى سمة لمعرفة تحديد اليوم، فاليوم من مشرق الشمس إلى مشرق آخر وله ليل ونهار. ولكن الشمس ليست فيها علامة مميزة سطحية ظاهرة واضحة تحدد لنا بدء الشهر، إنما القمر هو الذى يحدد تلك السمة والعلامة بالهلال الذى يأتى فى أول الشهر، ويظهر هكذا كالعرجون القديم، إذن فالهلال جاء لتمييز الشهر، والشمس لتمييز النهار، ونحن نحتاج لهما معًا فى تحديد الزمن.

إن الحق سبحانه وتعالى يربط الأعمال العبادية بآيات كونية ظاهرة التى هى الهلال، وبعد ذلك نأخذ من الشمس اليوم فقط؛ لأن الهلال لا يعطيك اليوم، فكأن ظهور الهلال على شكل خاص بعدما يأتى المحاق وينتهى، فميلاد الهلال بداية إعلام وإعلان وإظهار أن الشهر قد بدأ، ولذلك تبدأ العبادات منذ الليلة الأولى فى رمضان؛ لأن العلامة الهلال مرتبطة بالليل، فنحن نستطلع الهلال فى المغرب، فإن رأيناه نقل شهر رمضان بدأ. ولم تختلف هذه المسألة لأن النهار لا يسبق الليل، إلا فى عبادة واحدة وهى الوقوف بعرفة، فالليل الذى يجيء بعدها هو الملحق بيوم عرفة.

وكلمة «رَمَضَانَ» مأخوذة من مادة (الراء والميم والضاد)، وكلها تدل على الحرارة وتدل على القيظ (ورمض الإنسان) أى حر جوفه من شدة العطش، و(الرمضاء) أى الرمل الحار، وعندما يقال: (رمضت الماشية) أى أن الحر أصاب خفها فلم تعد تقوى أن تضع رجلها على الأرض، إذن فرمضان مأخوذ من الحر ومن القيظ، وكأن الناس حينما أرادوا أن يضعوا أسماء للشهور جاءت التسمية لرمضان فى وقت كان حاراً، فسموه رمضان كما أنهم ساعة سموا مثلًا (ربيعاً الأول وربيعاً الآخر) أن الزمن متفق مع وجود الربيع، وعندما سموا جمادى الأولى وجمادى الآخرة كان الماء يجمد فى هذه الأيام. فكأنهم لاحظوا الأوصاف فى الشهور ساعة التسمية، ثم دار الزمن العربى الخاص المحدد بالشهور القمرية فى الزمن العام للشمس. فجاء رمضان فى صيف، وجاء فى خريف، لكن ساعة التسمية كان الوقت حاراً.

وهب أن إنسانا جاءه ولد جميل الشكل، فسماه (جميلاً). وبعد ذلك مرض والعياذ بالله بمرض الجدرى فشوه وجهه، فيكون الاسم قد لوحظ ساعة التسمية، وإن طرأ عليه فيما بعد ذلك ما يناقض هذه التسمية، وكأن الحق سبحانه وتعالى حينما هيأ للعقول البشرية الواضعة للألفاظ أن يضعوا لهذا الشهر ذلك الاسم، دل على المشقة التى تعترى الصائم فى شهر رمضان، وبعد ذلك يعطى له سبحانه منزلة تؤكد لماذا سُمي، إنه الشهر الذى أُنزل فيه القرآن.