عادل القليعي يكتب: وأن تصوموا خير لكم

عادل القليعي
عادل القليعي

لا شك أن الله تعالى فرض علينا الصيام لحكمة بالغة يعلمها جل وعلا ، وعلمها إيانا ، لكن ثم حكمة قد يكون احتفظ بها لجلاله تعالى، لم يطلعنا عليها ، أشار إليها الله تعالى فى حديثه القدسي، كل علم ابن أدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، فما الجزاء، لا نعلم حقيقته ، لماذا لأن ما عند الله من عطايا لا تنفد ولا تنقطع ولا نستطيع الإحاطة بها كاملة، إلا إنه تعالى جعل فى الجنة بابا يسمى الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، لكن ما خلف هذا الريان من الغيبيات التي لا نعلم حقيقتها لأن علمنا قاصر عاجز عن إدراك الحقيقة كاملة، لكن الذي لا مراء فيه ولا شك، هو أن ما عند الله خير وأبقى وأدوم، ونحن نصوم امتثالاً لأمره ليس تكرما منا وإنما تكرمه علينا، فلسنا أكرم من الكريم سبحانه وتعالى.

نعم امتثالا لأوامره جل وعلا القائل (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، فالصوم كتاب من الله سبق فى علم الغيب، على من ، على من آمن به من أمة محمد صل الله عليه وسلم ، وعلى من آمن به من الأمم السابقة ، لعل ، تمنى ، لعلنا نتقى الله سبحانه وتعالى ، ومن رحمة الله بأمة محمد ، جعله أياما معدودات ، له عدة نعتدها ، لعلمه تعالى بحالنا وبضعفنا على المواصلة والاستمرارية فى الصوم.

إذن الصوم فرض من فروض العين لا من فروض الكفاية ، بل وركن ركين من أركان الإسلام ، ركن رابع كما ورد فى حديث النبي صل الله عليه وسلم وبارك.

لكن هو فرض على من.

الإجابة التي تخاطب المعقول وتطمئن لها القلوب على المسلم العاقل البالغ الراشد الذي شهد لله تعالى

بالوحدانية ولنبيه بالرسالة.

لكن السؤال فما حال أطفالنا فى رمضان ، هل نتركهم هملا لا ندربهم على الصوم ، لا والله ، فبالصوم يشتد العود ويقوى ، فبمجرد ما الطفل يشتد عوده ويصل إلى الخامسة أو السادسة نبدأ بتدريبه على الصوم ، حتى ولو بقليل الساعات ، إلى الظهيرة فى العشر الأوائل ، ثم إلى وقت العصر فى العشرة الثانية ، ثم إلى آذان المغرب فى العشرة الأخيرة دونما إفراط أو تفريط ، دونما إكراه لهم ، بل بمداعبتهم وتشجيعهم حتى لا ينفروا من شعائر وفرائض الدين.

ليس هذا وحسب بل واصطحبوهم معكم إلى المساجد ، ودعكم من المنفرين الذين ينفرون أطفالنا من دخول المسجد ، فاليوم يلعب فى المسجد و غدا سيكون إماما يؤم المصلين ، وما أدرانا قد يكون قائدا عظيما يقود الجيوش، ولماذا نذهب بعيدا ، من أي مدرسة تخرج أسامة بن زيد ، من مدرسة المسجد النبوي ، وكذلك الحسن والحسين ، وكل عظماء القادة ، تربوا في باحات وساحات المساجد ، ورضعوا وفطموا على حب الجهاد نصرة لأوطانهم.

ليس هذا وحسب بل وجوبية الصوم على الإنسان الصحيح المعافى في بدنه ليس به علة من مرض يعيقه عن الصيام ، ويؤثر الصوم على صحته ، ومن هنا قررت دور الإفتاء الكفارة على كل يوم يفطره المريض بقيمة مالية تحدد حسب فقه الواقع وفقه الضرورة مع اختلاف الأزمان واختلاف العملات ، وكذلك الأمر فقد وجب الإفطار فى حالاته بعينها مع القضاء أو الكفارة للسيدة الحائض التي ينزل عليها دم الحيض يجب فطرها وعليها المواصلة بعد الطهارة من دم الحيض أو الولادة. والنفثاء ، كذلك السيدة المرضعة يجوز لها الفطر وعليه القضاء أو الكفارة إذا كان الصوم سيؤذيها أو يقلل در اللبن فيتأذى الطفل.

ويجوز الفطر للمسافر مسافات طويلة قدرها العلماء بأكثر من ثمانين كليو مترات وعليه القضاء أو الكفارة ، لكن لا مندوحة من صومه إذا كان ذلك لن يسبب ضرر عليه خصوصا وأن وسائل السفر أصبحت متوفرة وبها كآفة الكماليات ، فقديما كان السفر بالدواب وفي الصحراء في الحر الشديد ، إن الله يحب أن تؤتى رخصه أو كما قال رسول الله تعالى ، كذلك يجوز الفطر بل أرى وجوبية الفطر لذوي الأمراض المزمنة كالسكري والقلب والسرطانات والضغط وأمراض الكبد التي تحتاج لتناول الأدوية بجرعاتها المختلفة على مر اليوم ، ويكون ذلك باستشارة الطبيب المتابع للحالة حتى لا يودي المريض بنفسه إلى الهلاك ، مصداقا لقوله تعالى (ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة)، وقوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إنه كان بكم رحيما)، وهنا تكون الكفارة وليس القضاء.

أما من لا يطيقه ولا يتحمل مشقة الصوم ، فليس بعد قول الله كلام (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)، فالفدية هنا كما ذكرت سالفا تحدد قيمتها دور الإفتاء كل بلد حسب عملاتها.

لكن الله تعالى قال (وأن تصوموا خير لكم)، حتى إن كان هناك مشقة فى الصوم ومشقة فى البعد عن شهوات البطن والفرج ، فإن الله تعالى على الرغم من أنه أعطى الرخص للإفطار ، لكنه قال وأن تصوموا خير لكم ، فما الخيرية في الجوع والعطش.

يقول النبي مهذبا شهوة الإنسان ، ما ملأ ابن أدم وعاء أشر من بطنه ، تزداد شهوات الإنسان بمأكله ومشربه أما بالصوم فتكون الوقاية من كثير من الأمراض ، سواء أمراض القلب أو القولون أو المعدة ، فالإنسان وهو صائم جسده يتخلص من السموم التي بداخله ينظف نفسه بنفسه ، كذلك الصوم يهذب شهوة الفرج ، أيضا الصوم يهذب خلق الإنسان ويبعده عن الموبقات المهلكات لماذا لأن الشيكات يجري من ابن أدم مجرى الدم فى العروق ، فبالصوم يضيق عليه الخناق ، فلا يسب ولا يلعن بل يرق قلبه ويطيب خاطره.

كذلك الصوم يرفع الإنسان مكانا عليا ففي صومه يتشبه بالملائكة الذين لا يأكلون ولا يشربون فتسمو نفوس الصائمون وترقى وتعلو أخلاقهم وتحلق أرواحهم فى عالم آخر ، عالم الطهر والصفاء والنقاء.

(وأن تصوموا خير لكم) ،  صدقت يا الله ومن أصدق منك قيلا ، ومن أصدق منك حديثا.

ينبغي أن أشير إلى أمر مهم ، هذه اجتهادات شخصية مني فأنا لست طبيبا ولا عالما من علماء الدين ، ولا يمكن بحال من الأحوال أن اتصدر للفتوى ، فالفتوى لها أهلها ولها لأنها المعتبرة سوداء دار الإفتاء أو مشيخة الأزهر الشريف أو علماء الأوقاف.

(والله يعلم وأنتم لا تعلمون)، فعلمنا بجانب علم الله لا يساوي جناح بعوضة أو أقل ، لأن علمنا محدود ، أما علمه لا متناه.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.