يوميات الأخبار

فضفضة من القلب

د. سارة الذهبى
د. سارة الذهبى

مع كل سنة بتمر كنت بكبر وبفهم أكتر ان الحقيقة الوحيدة فى الدنيا هى الموت، وأن الابتلاءات فى حياتنا مش عقاب إلهى ولكنها رفعة للدرجات واختبارات للمؤمنين

يوميات هذا الأسبوع فضفضة، حبيت أشارككم احساس ظننت ان أنا فقط اللى بمّر بيه ولكن اكتشفت ان فى ناس كتير بتشاركنى نفس الشعور..
لو سألتونى من كام سنة إيه إحساسى بشهر رمضان وهل كنت بستعد ليه من قبلها؟ 

كنت هستغرب السؤال ده جداً.. هو فيه إحساس ينفع يتحس غير الفرح واللهفة والانتظار، وإنى أجهز البيت وأزينه وأعدّ الأيام لحد ما ييجي..

إلى أن تغير هذا الإحساس بداخلى من كام سنة فاتوا..

رمضان ٢٠١٨ كان نقطة تحوّل فى حياتى..

ماما الله يرحمها كانت مريضة كانسر، نوع مؤلم وقاسى اسمه الميزوثليوما «سرطان فى الغشاء الرقيق بيغطى ويبطن الصدر والبطن»، كانت مريضة من كذا سنة ولكن اشتد عليها المرض فى رمضان ٢٠١٨.. عانت كتير وتألمت ألم فوق طاقة البشر ولا يعلمه الا الله.. إلى ان ارتقت إلى رب العالمين فى منتصف الشهر الكريم..
وأنا كنت معاها فى كل تفاصيل اشتداد المرض وشهدت ألمها فى كل لحظاته وقلبى بيتعصر من الوجع مع كل آه بتقولها..

وفى رمضان ٢٠٢٠ انتقل إلى رحمة الله أبى حبيبي، موت مفاجئ بدون أى مقدمات ولكن لا نقول إلا ما يُرضى الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون..

فى سنتين فقدت أغلى الحبايب والاتنين فى شهر رمضان..

قلبى اتطمن عليهم جداً لإنهم ارتقوا فى شهر رمضان وعلى قد ما اتطمن على قد ما اتوجعت على فراقهم..

لما أمى رحمة الله عليها توفيت، كنت طول عمرى فاكرة ان الموت ده حاجة بعيدة، مش هتمّس حبايبي، كنت صغيرة بلا تجارب، محضرتش وفاة شخص غالى على قلبى إلا جدتى لأبويا الله يرحمها لإنى كنت فاكرة وواعية إلى حد ما رغم انى كنت طفلة، وبالنسبة لأى شخص طالما أبويا وأمى موجودين فا أنا متطمنة ومصدر أمانى موجود مهما حصل..

علاقتى بماما على الأخص كانت علاقة لا يُمكن وصفها، كنت توأمها، كأن ربنا سبحانه وتعالى نسخ كل صفاتها فيا وكل طباعها فيا.. لدرجة ان بابا الله يرحمه كان يقولى طول ما انتِ موجودة؛ أميمة لسه عايشة..

لما اتوفت روحى راحت منى.. كل حاجة فى الحياة صغرت فى نظرى.. كنت فى أوائل الثلاثينات بس من جوايا عجزّت ١٠٠ سنة.. شعرى طقطق أبيض فى كام يوم! 

عافرت ووقفت على رجلى عشان خاطر أبويا حبيبى اللى كان حتة من قلبي، تجاهلت مشاعرى وأحزانى عشانه إلى أن توفاه الله بعد سنتين فى رمضان، وكأنه لا يطيق فراق أمي.. توفى فجأة بدون سابق انذار.. توفى وأخد قلبى معاه، فأصبحت بلا روح و بلا قلب.. عايشة لإنى لازم أعيش..

خصوصاً ان دى أول مرة أجرّب الفقد و تجاربى محدودة فى الحياة فى التعامل مع الفقد..

لا أخفى عليكم، للأسف ارتبط فى ذهنى رمضان بالوجع والقهر والألم ووجع القلب والشيطان مسابنيش.. لقانى شخص هش وموجوع فا عمل كل حاجة عشان يربط قدوم رمضان بوجع القلب، كنت كل شعبان أبقى مهمومة وخايفة ان شهر رمضان ييجي..

اتشخصت اكتئاب حاد مزمن وأخدت أدوية كتيرة أوى، أخدت جلسات نفسية سنين..

لإنى تجاهلت مشاعرى و كتمتها وجيت على نفسى..

وتناسيت العوامل الوراثية المحفزة للاكتئاب عندى..

ودى إشارة لكل شخص بيتجاهل مشاعره وإحساسه ووجود العوامل الوراثية انه لا يُهمل العلامات الجسدية والإشارات النفسية اللى جسمه بينبهه من خلالها.. لإن التجاهل بيدخلنا فى دوامات علاجية وصراعات بندفع تمنها بعدين..

للأسف فى سنين كتير مكنتش بحس فيها برمضان.. اضطراب رهيب فى المشاعر وحزن وبدخل فى نوبات اكتئاب خصوصاً ان الأدوية كانت مواعيدها بتتغير فى رمضان وده كان بيؤثر عليا بالسلب.. 

يعلم ربنا انى دايماً صابرة ومحتسبة ولا أقول إلا ما يُرضى الله، ولكن الحزن شعور انسانى طبيعى، مر بيه سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. كانت فى عاصفة من الذكريات بتجتاح تفكيرى، وقعدت كذا سنة مش عايزة أشوف حد ولا أشارك فى تجمعات عائلية فى رمضان..

ولما طرحت مشاعرى مع المتابعين الأفاضل، اكتشفت ان فى نسبة كبيرة من أصحاب الابتلاءات تعرضوا لنفس المشاعر بالمللى، خصوصاً لو مُصابهم مرتبط بشهر رمضان..

بعد كذا سنة ومع العلاج، بدأت أتحسن وقررت أقف على رجلى على قد ما أقدر..

مع كل سنة بتمر كنت بكبر وبفهم أكتر ان الحقيقة الوحيدة فى الدنيا هى الموت، وأن الابتلاءات فى حياتنا مش عقاب إلهى ولكنها رفعة للدرجات واختبارات للمؤمنين.. وأننا نفر من قدر الله إلى قدر الله.. واختبارنا فى الرضا والتقبل والحمد وكده كده قضاء الله نافذ لا محالة.. يا نرضى وننجح فى الاختبار يا نسخط ونسقط فيه..

المشكلة ان الناس اللى حولينا بتربط الحزن بعدم الرضا..

مش معنى انى حزين وموجوع انى مش راضى بقضاء الله..

الرسول عليه الصلاة والسلام حزن على وفاة عمه أبى طالب وزوجته السيدة خديجة حزن شديد وعظم مصاب الرسول عليه الصلاة والسلام وحزنه فى هذا العام و سُمى «عام الحزن»، فتلاقى الناس بدل ما تهوّن من مُصابك تزوده بالخطب والمواعظ ولومك على إحساسك..

فاكرين ان لما يتقال لشخص مُبتلى فى عز ابتلاءه: «هو انت أول شخص يموتله حد / ما تحمد ربنا مش بدل ما كان يعيش وهو بيتألم / انت هتكفر بقضاء الله» ونفس الناس دى تستغرب انت ليه بتاخد منهم جنب وبتتجنبهم..

والمُلاحظ ان كل اللى بينظروا على أى شخص مُبتلى لم يمروا بابتلاءات، عشان كده هما استحالة هيحسوا باللى قدامهم، ده غير ان الناس بتتناسى نقطة مهمة جداً، ربنا خلقنا مختلفين، مشاعرنا مختلفة، ردود أفعالنا مختلفة، قدرة تحملنا مختلفة».. فى ناس الموت مش بيهزها أصلاً لا من جوه ولا من بره ودى ناس ربنا يعافينا منهم، فى ناس بتتهز من جوه فقط، فى ناس بتتهز وبيبان عليها من جوه ومن بره.. فى ناس بتتعايش بعد فترة قصيرة وفى ناس بتمرض بسبب عوامل كتير..

لو لقيتوا نفسكم فى السطور اللى فاتت، هقولكم أكتر طرق ساعدتني..

خدوا وقتكم، طالما راضين ومحتسبين، الحزن شعور طبيعى لازم تعيشوه.. وتجاهله بيمرض.

لو احتاجتم مساعدة روحوا لثيرابيست أو طبيب نفسى، خصوصاً لو فقدتم الرغبة فى الحياة/ عدم القدرة على أداء مهامكم اليومية/ حزن شديد لمدة أكتر من ٣ أسابيع متواصلة/ رغبة فى ايذاء النفس.

حافظوا على الصلاة فى وقتها لإن دى أحب الأعمال إلى الله.

حسنوا علاقتكم بالقرآن طول السنة مش فى رمضان بس.. الصلاة والقرب من الله مع العلاج والجلسات هتساعدكم جداً والصلاة لا تُغنى عن الأدوية لو حالتكم تستدعى الأدوية لإن ده خلل فى التفكير عند معظم الناس.. ان أى شخص مُكتئب معناه انه مقصر فى الصلاة والعبادات.

علطول خلوا السبحة فى ايديكم تفكركم بالذكر.. ألا بذكر الله تطمئن القلوب.

اقعدوا مع الناس المريحة اللى مستوعبين اللى بتمروا بيهم و بيدعموكم مش بينظروا عليكم.

اسمعوا لشيوخ بتتدبر القرآن واسمعوا دروس عن الابتلاءات، هتفهموا منها رحمة ربنا وأن الله لم يخلقنا ليعذبنا.. كل ما بنفهم بنرتاح أكتر.

فى الصلاة وانتوا ساجدين قولوا لربنا عز وجل كل اللى فى قلبكم، كل وجعكم، مفيش حد هيبقى أرحم علينا من اللى خلقنا، كل البشر ممكن يخذلوك ويسيبوك فى نص الطريق لكن ربنا سبحانه وتعالى دايماً بابه مفتوح و ده أهم درس اتعلمته من الابتلاءات من كتر ما اتخذلت من البشر.. 

حبيت أقول لكل مُبتلى قلبه موجوع وحاسس بالذنب ان ده شعوره قبل رمضان، انت مش لوحدك، وانت مأجور بإذن الله على حزنك وألمك والغصة اللى بتحس بيها، طالما انت حامد ربنا وصابر ومُحتسب..

أرجوك ساعد نفسك بكل الطرق.. ويمكن اليوميات دى تكون سبب عشان تفوق لنفسك وتاخد خطوة إيجابية لصالح صحتك النفسية والجسدية.. وتسمع لجسمك اللى بيوجهلك رسائل وانت بتتجاهلها وفاكر ان دى شطارة..

كل سنة وحضراتكم طيبين ومتجمعين فى الخير، وربنا يرحم كل عزيز فارقنا ويغفرله ويربط على قلب كل مُبتلى ويجبر بخاطره فى شهر الكرم والخير..