إنها مصر

الإرهاب وأيام لا تُنسى!

كرم جبر
كرم جبر

كان الطريق إلى البدارى بمحافظة أسيوط يمر عبر شارع ضيق اتجاه واحد، على يساره ترعة صغيرة ومساحة محدودة من الأراضى، وعلى يمينه جبل شاهق وقرى متناثرة وكأنها تحت قدميه، وأشجار البرتقال الكثيفة، والجبل والأشجار يشكلان معاٌ مخابئ نموذجية للإرهابيين، ليرتكبوا جرائمهم ويهربوا إليها .. وكان ذلك فى فبراير 1996.
وكنت فى لقاء مع محافظ أسيوط فى ذلك الوقت المرحوم الدكتور رجائى الطحلاوى،الذى هرول فجأة هو ومدير الأمن وكبار الضباط الى سياراتهم وغادروا مبنى المحافظة، وعلمت من مدير مكتبه أن حادثاً إرهابياً خطيراً وقع منذ ساعات فى إحدى قرى البدارى، أسفر عن العديد من القتلى والجرحى، ودون تردد طلبت من سائق سيارتى بالذهاب الى البدارى وراءهم فى سيارتى ومن السهل أن تعرف خط سير المحافظ والقيادات وتفاصيل الحادث من الأطفال المنتشرين على مداخل القرى حتى شككت أنهم "نضورجية"، وقال لى أحد الأطفال:" البيه المحافظ والأمن فى المستشفى من هنا".
وتوجهت إلى مستشفى البدارى العام الذى كان تحت الحراسة المشددة وغير مسموح الاقتراب منه، إلا أن أحد الضباط الذي شاهدنى أجلس مع المحافظ منذ لحظات رحب بى وأخذنى مباشرة الى مكتب مدير المستشفى، حيث كبار القيادات يستعدون لموكب الجنازة.
تم وضع سبعة صناديق عليها صلبان فيها جثث المسيحيين فوق سيارة نقل، وعلى السيارة الأخرى أربعة صناديق عليها جثث المسلمين، وسار الموكب الحزين الى قرية فى أجواء مشحونة بالغضب والحزن والرغبة فى الثأر والانتقام .
وقع الحادث قبل عيد الأضحى بأيام، حيث نزل بعض الإرهابيين الملثمين من الجبل، إلى دكان نجارة يمتلكه أحد الأقباط، وفتحوا النيران من بنادقهم الآلية على المتواجدين ظنا منهم أنهم جميعاً أقباط، ولكن تصادف أنه من بين القتلى الأحد عشر أربعة مسلمين، منهم شاب كان يستعد لزفافه على العيد وذهب لشراء شباك لبيته مع أخيه وابن عمه فقتلوا الثلاثة.
من كثرة الحوادث الإرهابية والمنازعات الطائفية تم فصل الأقباط عن المسلمين فى منطقة جديدة إسموها قرية النصارى، وبنيت فيها كنيسة عصرية جميلة تقع فى أحضان الجبل، ولم أتخيل أن تكون فى إحدى قرى الصعيد كنيسة بهذه الفخامة، التى تشبه إلى حد كبير الكنائس الموجودة فى المدن الأوربية .
كان الموقف رهيباً عندما رصت النعوش السبعة فى صحن الكنيسة، وسط صراخ وصيحات أهالى الضحايا، وبعد مراسم التأبين اتجه الموكب إلى منطقة المدافن .
وبعد دفن الأقباط اتجهنا إلى الجانب الأيمن من الطريق مع جثث المسلمين، وبعد الصلاة عليهم ودفنهم قدم المحافظ ومن معه العزاء، وعادوا جميعاً إلى المحافظة منتظرين حادثاً إرهابياً جديداً.
كانت أسيوط فى ذلك الوقت موطن الإرهاب والصوبة التى يترعرع فيها الإرهابيون، وكانوا يتعمدون اغتيال ضباط الشرطة وحرق سياراتهم واستهداف أسرهم، وسرقة محلات الذهب وقتل الأقباط وفرض الهيمنة والسيطرة على مناطق بأكملها، وامتد الوباء إلى القاهرة ومحافظات أخرى كثيرة .
والحمد لله على نعمة الأمن.