«عودة».. قصة قصيرة للأديبة الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

إيمان سيد إسماعيل
إيمان سيد إسماعيل

 أحبته كثيرا وهو أيضا ..كانت قصة حبهما قصة مثالية في جميع أركانها .. أصبحا لا يفارقان فقد اعتاد كل منهما على وجود الآخر معه بالطريق .. اتفقا على الاندماج دون كلمات فيكفى شعورهما بالأمان حينما يكونان سويا ..

 

ولكن القدر كان له رأى آخر .. فقد تعرض عمله لخسائر كبيرة  وقد أصبح زواجهما الآن أمراً مستحيلا ..فقرر الانسحاب إلى أن يستطيع العودة مرة أخرى .. ولكنها ظلت على أمل اللقاء مرة أخرى فقد كان حبيبها الأوحد ولم تتخيل أن تحيا بدونه ..

 

وذات يوم استيقظت على صوت رنين الهاتف .. تعرف جيدا تلك النغمة المخصصة له فهى النغمة المفضلة لديها والتي تهتز أوتار قلبها حين سماعها ..

 

كانت منذ أشهر تستيقظ يوميا على هذه النغمة .. كانت شمس يومها تشرق من ذلك الدفء المنبعث من كلماته ولكنه تغير كثيرا في الأيام الأخيرة فحتى تلك المكالمة لم تعد تنتظرها ولا حتى الرسائل التي تحييها فقد أخذته ضغوط الحياة وأوجاعها من ذاته ومن العالم فأصبح يفضل العزلة ولا يحب التحدث إلا بكلمات قليلة ظنا منه أنه يطمئنها عليه ولا يعلم أن قلبها يعتصر حزنا وألماً وما كان يهدئ من ألمها هو ثقتها أنه يحبها وأنه سوف يعود ..

 

أعادها رنين الهاتف مرة أخرى من أفكارها فأستجابت وأجابت..

 

-        صباح الورد

 

= صباح الرضا يا حبيبى .. لسه نايمة ..

 

-        أها .. سهرت إمبارح شوية .. ابتديت أقرأ رواية جديدة.

 

= الله الله.. طيب قوليلى عليها علشان نقرأها سوا .. أنا عارف إن ذوقنا واحد وأكيد هتعجبنى وتشدنى أنا كمان ..

 

-        خلاص اتفقنا .. هبعتلك إسمها .. إنت قولى أيه اللى مصحيك بدرى يوم الأجازة ؟؟

 

= أبدا صحيت من بعد الفجر وما عرفتش أنام .. كان ورايا كذا حاجة عملتها ونزلت اشتريت حاجات ورجعت .. فقلت كفايه كدة عليكى نوم وأصحيكى لأنك وحشتينى جدا ..

 

-        ايه ده؟؟!! صاحى بدرى وخلصت اللى وراك ونزلت .. وكمان وحشتينى ..

 

= لا مش وحشتينى بس .. وحشتينى جدا .. ومحتاج أشوفك ..

 

-        في حاجة في صوتك متغيرة !!

 

= إيه هي بقى؟؟

 

-        صوتك رجع يحضنى من تانى .. أنا عارفه إنه تعليق غريب بس أنا فعلا بأحس صوتك بيحضنى .. مش كده بس ده بيطبطب عليا كمان .. عمر حد قالك كدة قبل كدة؟؟

 

= ما فيش حد هيقولى كده غير حبيبى .. لأن حبيبتى ما فيش زيها تانى .. ما فيش حد في إحساسها ..بترسم وتلون حتى الكلام .. وكمان لأن إحساسى معاكى ما حستوش مع حد تانى وعمرى ما عشته ولا هعيشه غير معاكى إنتى وبس

 

صمتت قليلا وقد غلبها البكاء لا تدرى من شدة شوقها إليه وإلى عذب كلماته أم من سعادتها أن روحه قد عادت إليها من جديد شعر ببكائها فقال :

 

= حبيبى بيعيط ليه بس؟؟

 

-        يمكن علشان وحشتنى أوى ..

 

= طب يالا قومى اشربى قهوتك بس إفطرى الأول  وأجهزى علشان هعدى عليكى بعد الصلاة ..

 

-        كمان هنخرج .. ده إيه الكرم ده كله ..

 

= أيوه .. وبلاش لماضة علشان تلحقى .. ساعة وأبقى تحت البيت ..ما تسبينيش ملطوع .. وسلميلي على ماما على ما أجيلها ..

 

-        حاضر .. حاضر .. مستنياك جدا أوى خالص .. سلام

 

= سلام يا حبيبى

 

وفى المقهى المفضل ألذى جمع أول لقاء بينهما قرر أن يكون اللقاء المميز اليوم وما إن وصلا حتى وجدت تلك الطاولة التي يجلسون عليها دائما قد وضع عليها أجمل باقة من الورود المميزة التي تعشقها وكعادتها سبقتها دموعها ناظرة إليه ..

 

-        الورد ده ليا ؟؟!!

 

= طبعا .. والهدية دى كمان ..

 

وأعطاها علبة صغيرة بداخلها قلادة ذهبية على شكل قلب مغلق تحمله فراشة ملونة تلك التي رأتها ذات يوم وهما يتجولان وتمنت أن تكون لها وذلك القلب المغلق يحتوى صورتهما معا ..

 

أخذتها بفرحة طفل صغير ودموعها تتسابق وفتحت القلب فوجدت بداخله صورة تجمعهما معا وورقة صغيرة كتب عليها ( تتجوزينى) نظرت إليه بعينين اختلط فيهما الحب والشوق والسعادة ممتزجين بدموعها فلم تعد تقوى على الكلام .. مد يده يمسح دموعها برقة أنامله وأخذ يدها بين راحتيه ثم إلى شفتيه في قبلة رقيقة حملت كل معانى الحب قائلا:

 

= أنا اكتشفت إنى كل لحظة وأنا بعيد عنك بأخسر كتير .. أنا بعدت الفترة اللى فاتت لأن كان عندى مشاكل وما كنتش عاوز أوجعك معايا بس عرفت إن بُعدى وجعنا إحنا الاتنين .. واكتشفت كمان إن انتى الوحيدة اللى معاها بلاقى نفسى وروحى وبأحس بطعم الحياة .. وعاوز أكمل معاكى حياتى كلها وإيدى في إيدك للآخر .. انتى الوحيدة اللى أخدت قلبى وعرفت تداوى روحى .. أنا بحبك ومش عاوز أبعد عنك تانى ولا لحظة.