فيصل مصطفى يكتب: مشروعات قومية يتوقف عندها التاريخ

الكاتب الصحفي فيصل مصطفى
الكاتب الصحفي فيصل مصطفى

اتفاقية الشراكة في رأس الحكمة، وقرار منع إنقطاع الكهرباء فى رمضان .. حدثان مهمان ، يجمعهما صفة واحدة أساسية، وهي صفة الوطنية والإنحياز للشعب، والاهتمام بقضاياه الأساسية، ويشكلان أبعادا حقيقية وجوهرية في فكر القيادة السياسية بما يحقق المصلحة العليا لمصرنا الحبيبة، فبالنسبة لاتفاقية الشراكة مع الإمارات "رأس الحكمة" هي اتفاقية لا شك أنها من الاتفاقيات التي سوف يتوقف عندها التاريخ كثيرا ، وسوف تتعرض دائما في المراحل المقبلة إلى كثير من التقييم والمناقشة والحوار ، وقد تكون مجالا لشهادات ودرجات علمية على مستوى الماجستير والدكتوراه ، وهو أمر طبيعي ومنطقي ، يرتبط و يتسق مع أي حدث كبير ضخم في تأثيراته وإمتداداته ، لأنه من الأحداث التي ستؤثر فى ديموغرافية الشعب المصري وتوزيعه السكاني، ومشاريعه الكبرى الاستراتيجية .

فهذه الاتفاقية ، تسمح بإدخال واستثمار رأس المال العربي فى مصر وهو الأمر الذى يؤدى إلى قيام التكامل الاقتصادي العربي المنشود ، والذي نسعى إليه جميعا ، والذي ربما يحرك المياه الساكنة والراكدة فيما يسمى مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في الجامعة العربية ، والذي ربما لم يفعل شيئا ملموسا منذ لحظة تكوينه في خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، ربما يكون هذا المشروع الضخم نموذجا لمشاريع أخرى مماثلة تتم سواء في مصر أو في ربوع الوطن العربي وتخلق الوحدة الاقتصادية والتكاملية الإنتاجية العربية المنشودة، في عالم لا يعلم ولا يعي ولا يفهم إلا التكتلات الاقتصادية الكبرى ، ويبني سياساته ومواقفه واستراتيجياته على ضوء الحقائق والمكاسب والمصالح الاقتصادية الضخمة .

هنا تكمن أهمية واستراتيجية مشروع "رأس الحكمة" ، فهو مشروع وطني وقومي عربي بكل المقاييس والمعايير ، ويسمح بقيام حركة وتنمية إنتاجية حقيقية ليست قائمة فقط كما يتبادر للذهن لأول وهلة على السياحة وحدها ، وإنما أيضا سوف يتضمن جوانب أخرى ، حتى وإن لم تكن مطروحة الآن على ذهن صانع القرار الاقتصادي أو المستثمر المباشر الذي يستثمر بأمواله في هذا المشروع ، لأن مثل هذه المشاريع الضخمة الاستراتيجية لابد أن يترتب عليها قيام مشاريع أخرى إنتاجية تدعم الإقتصاد الوطني وتقويه مثل إنشاء صناعات القوارب واليخوت والسيارات والأثاث واستصلاح مساحات زراعية ضخمة في الصحراء الواسعة لكي تقدم إنتاجها الزراعي لهذه المنطقة الجديدة تماما ، التي تضاف إلى العمران في مصر ، 
كل هذه الأمور وغيرها تسمح بقيام حركة إنتاجية اقتصادية ضخمة، وهي حركة في مضمونها وجوهرها ، حركة استراتيجية بالدرجة الأولى تدعم الإقتصاد المصري والعربي، وتخلق وحدة تكاملية اقتصادية عربية، نحن والجميع في أمس الحاجة إليها .

هذا المشروع الضخم أيضا له جانب آخر هام ، أنه يعالج خطيئة تاريخية ، أُرتكبت في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، حيث تم الإكتفاء حينها بتعمير الساحل الشمالي ببناء الشاليهات والفيلات ، والتي أُهدرت من خلالها مئات المليارات في مساكن لا يسكنها ولا يشغلها أحد على مدار العام سوى شهرين . وقد كان هذا نوع من أنواع الإستخفاف بثروات الدولة الطبيعية . 

ولكن ربما يكون هذا المشروع وغيره من المشاريع المماثلة هو علاج جذري لهذه الأخطاء التاريخية ، وخطوة وطنية قوية وملموسة  يحل بشكل جذري العديد من المشاكل الاقتصادية الراهنة ، 
وفي نفس التوقيت ، صدر قرار ذكي ، يستهدف إراحة الشعب المصري وإسعاده ، قرار يربط بينه وبين المشروع الاقتصادي العظيم الكبير في رأس الحكمة ، ينص القرار على أن هذه المشاريع وغيرها ، تستهدف أولا رخاء وسعادة المواطن المصري ، وإنه يجب أن تنعكس إيجابيا على مستوى حياته ومعيشته ، ويستفيد منها في أشكال وصور متعددة ، فإذا كان يستفيد منها في إيجاد فرصة عمل للابن الشاب  ، وإذا كان يستفيد منها في وجود عملة أجنبية صعبة تحد من الغلاء ، فإنه أيضا يستفيد منها على مستوى معيشته الشخصية ، في عدم قطع الكهرباء والسماح له بأن يسعد ويحتفل كما اعتاد دائما ودوما بشهر رمضان المبارك ، وهو شهر مقدس له وضعيته الخاصة في ذهن ونفس وعقل وقلب كل مسلم على وجه الأرض ، وله تركيبته الخاصة جدا  شديدة الخصوصية فيما يخص الشعب المصري تحديدا ، لأن رمضان في مصر غير رمضان في أي بلد آخر في العالم ، باعتراف وشهادة الجميع ، إنهما حدثان مهمان قد لا يكون بينهما ربط كما يتخيل البعض، ولكنني أرى من الزاوية السياسية أن الربط شديد بين الحدثين .

لا يمكنني في النهاية سوى أن أوجه التحية إلى صانع القرار السياسي سواء في اتفاقية رأس الحكمة ، أو في قرار عدم قطع الكهرباء في شهر رمضان ، وأتمنى أن يستمر هذا القرار أيضا في عطلة عيد الفطر المبارك إن شاء الله  حتى تكتمل فرحة المواطن المصري .

[email protected]