أصل الحكاية| «قادش» أقدم معاهدة في التاريخ

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

على جدران معبد الكرنك بالقرب من الأقصر بمصر، وعلى معبد الفرعون رمسيس الثاني في طيبة، توجد نقوش تصف معركة كبيرة ضد "ملك خاتي العظيم" ومعاهدة السلام التي عقدت معهم.

 تمت ترجمة الهيروغليفية، التي كانت معروفة منذ العصور القديمة، لأول مرة على يد جان فرانسوا شامبليون في أوائل القرن التاسع عشر، مما أثار اهتمامًا متجددًا بين الغربيين بمصر القديمة، في عام 1858، تم التعرف على أن ملك خاتي العظيم هم الحيثيون الذين حكموا وسط الأناضول في تركيا الحديثة.

اقرأ أيضاً| وزير السياحة والآثار يشارك في الاجتماع الـ 71 للمجلس الدولي للمطارات

معاهدة السلام المصرية "قادش"

معاهدة السلام المصرية الحيثية، والمعروفة أيضًا باسم معاهدة قادش، هي أول معاهدة سلام مسجلة في العالم. وهي أيضًا معاهدة الشرق الأدنى القديم الوحيدة التي نجت نسخ كلا الجانبين منها.

فيثبت التاريخ المصري عبر عصوره أن "مصر القديمة" تسعى دائما للسلام والاستقرار في المنطقة و ليست دولة معادية أو محتلة، بل تعمل من أجل التنمية والإعمار، وهو ما لا يضمن لها السلام فحسب، بل أيضا الهيمنة على الساحة الدولية، ونحن ولها شواهد على ذلك مستوحاة وعطرة من التاريخ، وهو "معاهدة قادش" أقدم معاهدة سلام في التاريخ. 

لذلك نقدم لكم في السطور التالية، ما هي القصة الكاملة لمعاهدة قادش؟ 

كانت تلك المعركة بين قوتين كبيرتين في الشرق الأوسط، وهما مملكة مصر الجديدة بقيادة رمسيس الثاني، والإمبراطورية الحثية بقيادة الملك مواتلي الثاني، و كانت معركة شرسة في قادش على نهر العاصي قرب حمص اليوم، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود السورية اللبنانية.

أقدم معاهدة في التاريخ معاهدة قادش

أكد الدكتور حسين عبد البصير عالم الآثار و مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية ، إن الملك الحيثي مواشيلي كان قد جمع جيشا كبيرا أكبر من جيش الملك رمسيس الثاني، وانقسم جيشه إلى قسمين، أحدهما يتكون من حوالي 18 ألف مقاتل والآخر نحو 19 ألف مقاتل، إضافة إلى ألف وخمسمائة، عربة حربية، وكانت هذه قوة عسكرية كبيرة، وهاجمت فرقة الإله رع التي كانت في طريقها للانضمام إلى الملك رمسيس الثاني. 

وهاجمت القوات الحثية الجيش المصري بشراسة، واقتحمت المعسكر المصري، وسيطر الارتباك على الملك رمسيس الثاني، وانعزل عن بقية قواته، وكان معه حارسه حامل الدرع الشخصي لشخصنا المدعو، وكقائد عسكري لامع، اعتمد رمسيس الثاني العظيم على قواته القليلة وبدأ في جمعها لصد الهجوم الحثي، وقاتل الملك رمسيس الثاني بشراسة، مما اضطر الملك الحيثي إلى التراجع في المساء، وفي اليوم التالي تجمع الجيش المصري وقاتل بضراوة.

مصر القديمة توافق دائما على السلام والاستقرار

وما يؤكد أن مصر القديمة توافق دائما على السلام والاستقرار، فعندما خطر على بال الملك الحثي خاتوشيلي الثالث، سارع الملك رمسيس إلى الترحيب بعرض المصالحة هذا، وبدأت العلاقات الدبلوماسية تشق طريقها بين البلاط الحثي والبلاطة المصرية، وبعد حوالي 16 عامًا من المعركة، تم إبرام معاهدة السلام رسميًا، كانت العاصمتان، خانوشا وبرمسيس، قد تبادلتا للتو البعثات الدبلوماسية من أجل التفاوض على بنود معاهدة قادش تتفق مع النظام الدولي في ذلك الوقت، وهكذا لم يكن الاتفاق المصري الحيثي إلا النهاية الطبيعية لقرن تزايدت فيه عناصر التوتر والضغوط السياسية على المستوى الدولي.

ويقال أن هذا قد حدث حوالي عام 1274 قبل الميلاد، على الرغم من استمرار الجدل حول التاريخ الدقيق، ويصور عدد من الجدران الحجرية في أبيدوس والكرنك والأقصر و أبو سمبل النسخة المصرية من المعركة و النصر البطولي لرمسيس الثاني، وفقا لنوكي ماساكي، سفير اليابان السابق في مصر.

كيف تمت كتابة معاهدة قادش ؟

وقد نقشت رسائل المعاهدة باللغة الأكادية على طبق من الفضة، وكانت هذه لغة الدبلوماسية الدولية آنذاك، وبعد ذلك ختم خاتوشيلي الطبق بخاتم الدولة، ثم أمر بإرساله إلى الملك رمسيس في عاصمته خليج رمسيس، وذلك عن طريق وفد مكون من كبار الشخصيات، برئاسة: على ما يبدو أن أحد الأمراء هو على الأرجح ابن الملك خاتوشيلي، بحسب ما نقله المجمع العلمي بالقاهرة.

ثم قام البلاط الفرعوني بترجمة النسخة المختومة من خاتوشيلي التي وجهها إلى حليفه رمسيس حاملة تعهداته، وبعد ترجمتها إلى اللغة المصرية، تم نقشها بالخط الهيروغليفي على جدران معبد الكرنك ومعبد الرامسيوم في طيبة، وربما أيضًا في بعض المعابد الكبرى المنتشرة في جميع أنحاء البلاد. 

وماذا عن النص المصري الصادر من البلاط المصري، والذي كتبه مبعوث الملك الحثي بدوره باللغة الأكادية "العالمية" على طبق من فضة.

ومن هذا النص المصري، تم عمل نسخ أخرى، منقوشة على ألواح طينية ومحفوظة في المجموعات الحثية، بل في السجلات الملكية في العاصمة الحثية، حيث وجدت ضمن المراسلات الموجهة من البلاط المصري إلى نظيره الحيثي..

أين تقع معاهدة قادش؟

تم العثور على اللوح عام 1906، في وسط الأناضول بتركيا، في موقع العاصمة الحيثية القديمة، حاتوسا، ويسجل النص بالخط المسماري، و النسخة الأصلية محفوظة في المتحف الأثري بإسطنبول، وقد صنع هذه النسخة طبق الأصل سعدي كاليك، النحات والمحاضر في كلية الفنون الجميلة بإسطنبول، كما أكدت منظمة اليونسكو.

وتنص معاهدة قادش على الصداقة الأبدية والسلام الدائم وسلامة الأراضي وعدم الاعتداء وتسليم المجرمين والدعم المتبادل، إن التعهدات الواردة في هذه معاهدة قادش مماثلة لمُثُل الأمم المتحدة.

ويمكن تلخيص جوهر التزاماتهم المتبادلة على النحو التالي:

1– وساد السلام والأخوة الدائمين بين مصر والحيثيين.

2– ولا يجوز لأي من الطرفين أن ينتهك أراضي الطرف الآخر.

3– وإذا تعرض أحد الطرفين لهجوم من طرف ثالث أو قوى داخلية، يرسل الطرف الآخر قوة لمساندته.

4– ويعيد كل جانب المنشقين والمعارضين إلى الجانب الآخر.