حبر على ورق

الطفل العربى وثورة الذكاء الاصطناعى

نوال مصطفى
نوال مصطفى

«الأميون فى القرن الحادى والعشرين ليسوا هم الذين لا يستطيعون القراءة والكتابة، بل أولئك الذين لا يستطيعون التعلم، وإعادة التعلم» هذه الجملة قالها «ألفين توفلر» الكاتب والمفكر الأمريكى وعالم المستقبليات. وهى فى رأيى تحمل الكثير من الرسائل المهمة.

هذا ما تيقنت منه وأدركته على مدى يومين كاملين قضيتهما فى قاعة المؤتمرات بمكتبة الإسكندرية مع نخبة من الخبراء والباحثين نناقش ونستمع إلى آراء، معلومات، وحقائق جعلت أغلبنا فى حالة ذهول من حجم التطور الذى يحدث كل يوم فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعى على وجه التحديد. أقيم المنتدى المهم بالشراكة بين أربع جهات مرموقة هى مكتبة الإسكندرية، المجلس العربى للطفولة والتنمية، برنامج الخليج العربى للتنمية «أجفند» وجامعة الدول العربية. وهو المنتدى السادس الذى يتولى إعداده وتحضيره المجلس العربى للطفولة برئاسة سمو الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز، وإدارة الدكتور حسن البيلاوى مدير المجلس.

جاء اختيار عنوان المنتدى فى هذه الدورة ملائما للغاية لما يشهده العالم من تحولات جذرية فى البنية التحتية للفكر وبناء المعرفة، «تمكين الطفل العربى لعصر الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها» وهو بالفعل موضوع يجب مناقشته على أوسع نطاق، والتوعية بأبعاده المختلفة بين الأطفال، الشباب، والكبار على حد سواء.

خلال جلسات مطولة  استمعنا إلى معلومات ودراسات كشفت حجم الهوة بين نظام التعليم الحالى القائم على الحفظ والتلقين من أجل الحصول على الشهادة الجامعية، ومثيله فى عصر الذكاء الاصطناعى الذى يعتمد على البحث، الإبداع، والإبتكار والذى سيكون وحده هو البوابة الرئيسية لدخول سوق العمل فى المستقبل القريب جدا..

عرفنا أن الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها سوف تقضى على أكثر من 650 مهنة وحرفة حول العالم، لكن الجديد فى الأمر أنها سوف تخلق أكثر من 700 مهنة وحرفة جديدة، لم تكن معروفة، تتطلب مهارات ومعرفة من نوع مختلف فيمن يتقدم للحصول عليها والفوز بها. وكما قال سمو الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز «إننا ندرك أن الثورة الصناعية الرابعة وما بعدها ستشكل مستقبلا جديدا للعالم بأسره، لذا فنحن مطالبون بالمزيد من البحث عن تأثيرات تلك الثورة ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وتعليميا». قدم الدكتور حسن البيلاوى ملخصا عن نتائج الدراسة التى قام بها المجلس، وهى أول دراسة عربية حول هذه القضية.

وتدور حول المهارات والقدرات المطلوب توفرها لدى أطفالنا لتأهيلهم لهذه القفزة التكنولوجية الضخمة، كيف نجهز أطفالنا للدخول فى هذا العالم الجديد حتى يواكب مسيرة التقدم والنمو المعرفى الذى يشهده العالم. كانت أمتع جلسات المنتدى تلك التى أدارها جيفارا البحيرى ودعا خلالها مجموعة من الأطفال واليافعين للمشاركة بآرائهم، ورؤيتهم الواقعية من خلال معايشتهم وتعاملهم مع التكنولوجيا المتقدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعى المختلفة.

تحدث الأطفال بقدرة عالية على التعبير عن آرائهم وأفكارهم، شعرنا جميعا أن هؤلاء الأطفال بتلك الملكات والقدرات مؤهلون إذا ما توفرت الإمكانيات التقنية والفنية للتكنولوجيا الجديدة من التقدم والانطلاق إلى آفاق غير محدودة. عبروا عن عدم اقتناعهم بأسلوب التعليم الحالى الذى لا يتماشى مع العصر، ولايزال يعتمد على التلقين والتلقى.

طالبوا بحملات توعية واسعة تشمل آباءهم وأمهاتهم للتعريف بتلك الثورة الصناعية الرابعة التى ستغير شكل الحياة، وإقناعهم بضرورة تغيير نسق التفكير التقليدى فيما يتعلق بتعليم أولادهم، حيث لم يعد ذلك النوع من التعليم يتماشى مع مقتضيات ومتطلبات سوق العمل الآن، ولا فى المستقبل بطبيعة الحال. كذلك أكدوا أن للإعلام دورا كبيرا فى توعية الناس بما يحدث، وشرحه بأكثر من طريقة، وأسلوب حتى تصل هذه المعلومات والأفكار للجميع، وإلا سوف نتخلف كثيرا عن الركب.

لقد كان فعلا منتدى غنيًا بالمعرفة، الأبحاث القيمة، الأفكار البراقة، والشغف باللحاق بسفينة المستقبل التى تنطلق الآن بأضعاف سرعة الصوت والضوء!.