غدًا.. ندوة «طه حسين قيمة متجددة» بمجمع اللغة العربية

طه حسين عميد الأدب العربي
طه حسين عميد الأدب العربي

يستأنف مجمع اللغة العربية برئاسة الأستاذ الدكتور عبدالوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع) نشاطه الثقافي في دورته التسعين، حيث الندوة الثقافية الأولى هذا العام بعنوان: "طه حسين: قيمة متجددة"؛ وذلك في الذكرى الخمسين لرحيل عميد الأدب العربي، رئيس المجمع الأسبق.

تبدأ فعاليات الندوة الثقافية بكلمة افتتاحية للأستاذ الدكتور عبدالوهاب عبدالحافظ (رئيس المجمع)، ثم كلمة للأستاذ الدكتور محمد العبد (عضو المجمع، مدير الندوة) للتعريف بالندوة وأهميتها ومحاورها، والترحيب بالسادة المتحدثين، ثم كلمة للأستاذ الدكتور محمود الربيعي (عضو المجمع)، بعنوان "طه حسين التنويري"، تليها كلمة للأستاذ الدكتور سامي سليمان (أستاذ الأدب العربي ونقده، رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة)، بعنوان (طه حسين والترجمة)، ثم كلمة للأستاذ الدكتور أحمد زكريا الشلق (عضو المجمع)، بعنوان (طه حسين والسياسة)، ثم يعقب ذلك تلقي المداخلات من السادة الحضور، والتعقيب عليها من السادة المتحدثين.

تبدأ وقائع الندوة الثقافية غدا الإثنين ٢٦ من فبراير ٢٠٢٤م في تمام الساعة الواحدة ظهرا بقاعة الاحتفالات الكبرى بمقر المجمع (١٥ ش عزيز أباظة، الزمالك، القاهرة)، ويقام حفل شاي للسادة ضيوف المجمع، مع التجول في أروقة المجمع لمطالعة مطبوعاته ومجلته العلمية المحكَّمة التي سيُتاح عليها خصم 30%، في يوم الندوة، مع التأكيد على أن الحضور متاح للجميع، ولا يُشترط إحضار الدعوة الورقية.

وعميد الأدب العربي، رئيس المجمع الأسبق طه حسين (1889 -1973م): أديب كبير، ومفكر حرّ، وناقد خبير، فتح للأدب العربي آفاقًا عالمية فاستحق أن يكون له عميدًا.

وُلد في عزبة "الكيلو" إحدى قرى مركز مغاغة بمحافظة المنيا، وبعد أن حفظ القرآن وألمَّ بمبادئ العلوم الدينية والعربية أرسل إلى القاهرة ليتلقى العلم بالأزهر الشريف، وكان ذلك عام 1902م، فحضر دروس المبتدئين ثلاث سنوات. وفي المدة ما بين سنتي 1905 و 1907م حضر دروس المتوسطين في الفقه والنحو، وفي هذه السنة الأخيرة (1907م) بدأ الدروس مع الطلبة المتقدمين، إلا أنه أخذ في سنة 1908م يتبرم بنظام الأزهر، فلم يكن يحضر غير درس الفقه على الشيخ بخيت، ودرس الأدب على الشيخ سيد المرصفي، ودرس البلاغة أحيانًا على الشيخ عبد الحكيم عطا، وحدثت مناقشة بينه وبين أحد الأساتذة، اعتبرها شيخ الأزهر، الشيخ حسونة النواوي، أمرًا مخالفًا لتقاليد الأزهر، ففصله، وحدث أن توسط في الأمر الأستاذ أحمد لطفي السيد لدى الشيخ حسونة شيخ الأزهر فأعاده وفى هذه السنة (1908م) افتتحت الجامعة المصرية القديمة فحضر دروسها، ثم أعد رسالة للدكتوراه عنوانها "ذكرى أبي العلاء"، نوقشت في 5 مايو سنة 1914م، وهي أول رسالة ينال صاحبها إجازة علمية من هذه الجامعة، فقررت الجامعة إيفاده في بعثة إلى فرنسا، فسافر في نوفمبر سنة 1914م، والتحق بجامعة مونبلييه إلا أنه عاد إلى مصر في السنة التالية نظرًا لظروف مالية للجامعة المصرية، ولكن الأزمة المالية حُلّت فعاد إلى فرنسا في ديسمبر سنة 1915م، والتحق هذه المرة بكلية الآداب بجامعة باريس، وحصل على درجة الليسانس في الآداب من السوربون في سنة 1917م، ثم على الدكتوراه في يناير سنة 1918م، وكانت عن "فلسفة ابن خلدون الاجتماعية" ثم حصل بعدها على دبلوم الدراسات العليا في مايو – يونيو سنة 1919م، وكان موضوع رسالته:

(La Loi de Lèse-majesté sous Tilbère d’après Tacite)

وعاد إلى مصر في أكتوبر سنة 1919م؛ فعُيِّن أستاذًا للتاريخ القديم (اليوناني والروماني) بالجامعة واستمر في هذا المنصب حتى تولت الدولة إدارة الجامعة في سنة 1925م، فعُيِّن أستاذًا لتاريخ الأدب العربي في كلية الآداب. وفي سنة 1928م عُيِّن عميدًا لكلية الآداب، إلا أن الظروف السياسية اضطرته إلى الاستقالة يوم تعيينه، ثم اختير عميدًا سنة 1930م، وفي 3 مارس سنة 1932م قرر وزير المعارف نقله إلى وزارة المعارف فنفذ النقل، ولكنه رفض العمل، وكان سبب ذلك إصرار الدكتور طه على احترام قوانين الجامعة وتقاليد الجامعات في أمر أراد الوزير (أو أريدَ له) خلافه.

وخلاصة الأمر أنه كان يراد منح درجات الدكتوراه الفخرية لوزراء لم يكن لهم في رأي الدكتور طه حق هذا التكريم.

وحدثت ضجة في الصحافة وفي الجامعة، فتقرر في 29 مارس إحالته على التقاعد، فلزم بيته يكتب في جريدة "السياسة" اليومية، وتولى رياسة تحريرها في أثناء غيبة الدكتور محمد حسين هيكل. واشترك في سنة 1933م في الكتابة في جريدة "كوكب الشرق"، ثم اشترى امتياز جريدة "الوادي"، وتولى الإشراف على تحريرها حتى ديسمبر سنة 1934م حين أعيد إلى الجامعة أستاذًا في كلية الآداب. ثم انتخب في مايو سنة 1936م عميدًا للكلية، واستمر يشغل هذا المنصب حتى مايو سنة 1939م. وفي آخر ذلك العام انتدب مراقبًا للثقافة في وزارة المعارف مع بقائه يلقي دروسًا في كلية الآداب، واستمر حتى فبراير سنة 1942م حين عين مستشارًا فنيًّا للوزارة، ثم انتدب مديرًا لجامعة الإسكندرية في أكتوبر سنة 1942م، في أول نشأتها واستمر في هذين المنصبين حتى 16 أكتوبر سنة 1944م حين أحيل على التقاعد(*).

وفي 13 يناير سنة 1950م عين وزيرًا للمعارف في الوزارة الوفدية، واستمر في منصبه هذا حتى أقيلت الوزارة في 26 يناير سنة 1952م. وقد نهض الدكتور طه حسين في هذه المدة بالتعليم نهضة مباركة، فقد قرر مجانية التعليم الثانوي والفني وأنشأ كثيرًا من المدارس، وأعلن أن التعليم ضروري للناس ضرورة الماء والهواء. 

ولقد لاقى المرحوم الدكتور طه حسين التقدير اللائق به، فمنحته فرنسا وسام اللجيون دونيه من طبقة جراند أوفيسيه. ونال الدكتوراه الفخرية من جامعات ليون، ومونبلييه، وروما، وأثينا، ومدريد، وأكسفورد. واختير عضوًا في عدة هيئات، فكان عضوًا بالمجمع العلمي المصري، وبالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، وعضوًا مراسلاً للمجمع العلمي العربي بدمشق، والمجمع العلمي العراقي، وعضوًا أجنبيًّا في المجمع العلمي الفرنسي، والمجمع العلمي الإيطالي، وعضوًا عاملاً بمجمع اللغة العربية منذ سنة 1940م، وانتخب نائبًا لرئيس المجمع سنة 1960م، وهو أول من شغل هذا المنصب. ثم انتخب رئيسًا للمجمع سنة 1963م خلفًا للمرحوم الأستاذ أحمد لطفي السيد، وظل في هذا المنصب إلى أن لاقى ربه في سنة 1973م. 

وقد نال جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1958م وقلادة النيل سنة 1965م.

وإنتاج الدكتور طه حسين خصب وغزير، نذكر من كتبه: 1- ذكرى أبي العلاء (وهو الرسالة التي نال بها درجة الدكتوراه من الجامعة المصرية القديمة). 2-نظام الأثينيين تأليف أرسطوطاليس (ترجمة). 3-قادة الفكر. 4-حديث الأربعاء (3 أجزاء). 5-الأيام (3 أجزاء). 6-في الشعر الجاهلي (وغير اسمه في الطبعات الجديدة إلى "في الأدب الجاهلي"). 7-حافظ وشوقي. 8-الحياة الأدبية في جزيرة العرب. 9-مستقبل الثقافة في مصر. 10-مع أبي العلاء في سجنه. 11-فصول في الأدب والنقد. 12-تاريخ الأدب العربي. 13-دعاء الكروان. 14-من حديث الشعر والنثر. 15-الحب الضائع. 16-على هامش السيرة (3 أجزاء). 17-شجرة البؤس. 18-مرآة الضمير الحديث، وقد طبع بعد ذلك بعنوان "نفوس للبيع". 19-ألوان. 20-علي وبنوه. 21-الوعد الحق. 22-شرح لزوم مالا يلزم، لأبي العلاء. 23-من أدبنا المعاصر. 24-مرآة الإسلام. 25-الشيخان (أبو بكر وعمر بن الخطاب). 26-عثمان.

وقد تُرجم عدد من كتبه إلى عدة لغات. "الأيام" مثلًا ترجم إلى الإنجليزية، والفرنسية، والعبرية، والصينية، والروسية، والفارسية، والإيطالية، والألمانية، والمجرية؛ و"علي وبنوه" ترجم إلى الفارسية والأردية، كما كتبت عنه عدة كتب بعد وفاته، من أهمها الدراسة التي أعدها الدكتور حمدي السكّوت عنه وصدرت في سنة 1982م في سلسلة الأدب العربي المعاصر.

قال عنه تلميذه الدكتور عبد الرحمن بدوي في مقدمة الكتاب الذي صدر عنه بمناسبة بلوغه سن السبعين: "إنه الناقد الذي استطاع أن يرسم للأدب طريقه الصحيح، وأن يتخذ سلمًا للقيم جديدًا سامقًا، وأن يوجه الأدب والنقد في الاتجاه الأصيل الخصب الحي الذي من شأنه أن يدفع الإنتاج العربي في صدر الركب العالمي، وأن يرفعه إلى المستوى الإنساني، ولهذا أصبح الموقظ الأكبر للعقل العربي".

أعماله المجمعية: لقد أسهم الدكتور طه حسين مساهمة فعالة في النهوض بالمجمع، فاشترك في كثير من لجانه مثل: لجنة المعجم الكبير، وقد اختير مشرفًا عليها عدة سنوات عند إنشائها، لجنة اللهجات، لجنة الأدب، لجنة الأصول، لجنة الجغرافيا والتاريخ، لجنة الألفاظ والأساليب، لجنة نشر التراث القديم.

ولم يقتصر عمله على اللجان العلمية، بل شارك في النواحي الإدارية، فكان عضوًا في اللجنة الإدارية، ولجنة الخزانة، ولجنة تنظيم أعمال المؤتمر.

كما ألقى بالمجمع عدة بحوث وكلمات منها: 1- كلمة في استقبال الدكتور عبد الحميد بدوي. (د12جلسة 2 للمجلس – مجلة المجمع ج 6). 2- فن من الشعر يتطور بأعين من الناس. (د 13 جلسة 1 للمؤتمر – مجلة المجلة ج 7). 3- كتاب الرد على النحاة لابن مضاء. (د 13 جلسة 22 للمجلس – مجلة المجمع ج 7). 4- كلمة في استقبال الأستاذ محمود تيمور. (د 26 – مجلة المجمع ج 8). 5- كلمة في استقبال الأستاذ محمد توفيق دياب. (د 20جلسة 18 للمجلس – مجلة المجمع ج 10). 6- كلمة في استقبال الأستاذ توفيق الحكيم. (د 20 – مجلة المجمع ج 10). 7- مشكلة الإعراب. (د 21 جلسة 7 للمؤتمر – مجلة المجمع ج 11). 8- كلمة في استقبال الشيخ أحمد حسن الباقوري. (د 23 جلسة 3 للمجلس – مجلة المجمع ج 13). 9- كلمة في تأبين المرحوم الأستاذ محمد حسين هيكل. (د 23 للمجلس – مجلة المجمع ج 13). 10- كلمة في تأبين الأستاذ إنّو ليتمان. (د 25 للمجلس - مجلة المجمع ج 14). 11- كلمة في تأبين المرحوم الدكتور عبد الوهاب عزام. (د 25 جلسة 21 للمجلس – مجلة المجمع ج 14). 

ومن مقترحاته التي تقدم بها: 1- عرض مقترحات تيسير الكتابة على الجمهور، وإنشاء جائزة لمن يقدم أحسن مشروع في تيسير الكتابة. (د10 جلسة 16 للمؤتمر - تيسير الكتابة العربية). 2- أن يكون انتخاب الرئيس من أعمال المؤتمر. (د 11 جلسة 3 للمجلس). 3- عمل معجم لألفاظ الطب التي استعملها علماء العرب قديمًا، كابن سينا والرازي. (د 13 ج 4 للمؤتمر). 4- إنشاء مطبعة خاصة بالمجمع. (د 15 ج 6 للمؤتمر). 5- أن يدعو المجمع إلى مؤتمر عالمي كبير لدراسة مشاكل اللغة، ويرى أن ينتهز المجمع فرصة انعقاد مؤتمر المستشرقين في إستانبول، ويدعوه إلى عقد مؤتمر له في القاهرة. (د 15 جلسة 14 للمؤتمر). 6- ضم مطبعة دار الكتب المصرية والقسم الأدبي بها وقسم إحياء التراث القديم بالإدارة العامة للثقافة بوزارة التربية والتعليم إلى مجمع اللغة العربية. (د22 جلسة 17 للمجلس). هذا وقد اختير الدكتور طه حسين لتمثيل المجمع في عدة مؤتمرات، مثل مؤتمر اللغويين السادس بباريس، وكذلك مؤتمر المستشرقين الحادي والعشرون الذي عقد بباريس (د 14 جلسة 2، 3 للمؤتمر).

قال عنه الدكتور إبراهيم مدكور يوم تأبينه: "اعتدّ تجربة الرأي وتحكيم العقل، استنكر التسليم المطلق، ودعا إلى البحث والتحري، بل إلى الشك والمعارضة، وأدخل المنهج النقدي في ميادين لم يكن مسلَّمًا من قبل أن يطبق فيها. أدخل في الكتابة والتعبير لونًا عذبًا من الأداء الفني حاكاه فيه كثير من الكُتَّاب وأضحى عميدَ الأدب العربي غير منازع في العالم العربي جميعه. (مجلة المجمع ج 33). 

وكشف الدكتور مدكور عن ناحية هامة في تكوين طه حسين، يقل أن يتنبه إليها كثير من الناس، تلك هي نشأة صلته بالصحافة: "وكافح طه حسين أيضًا في ميدان الصحافة، وصلته بها قديمة العهد ترجع إلى أوائل هذا القرن. نشأ فيها على أيدي رائدين عظيمين هما: عبد العزيز جاويش ولطفي السيد، فجمع بين التطرف والاعتدال، ولعله كان إلى التطرف أميل. وقد كتب أول ما كتب في مجلة "الهداية" بتوجيه من عبد العزيز جاويش الذي وكل إليه أمرها، وشجعه على ما تتوق إليه نفسه من نقد جريء وجدل عنيف. واضطر رائده هذا إلى أن يهجر مصر على غير انتظار، فلجأ إلى رائده الثاني، وأفاد منه كثيرًا. والحق أن "الجريدة" على قصر عمرها كانت مدرسة كبرى تخرج فيها طائفة من أعلام الفكر والقلم، وكان لها أثر عظيم في حياتنا السياسية والاجتماعية، والأدبية، والثقافية، ونعتقد أنه لم يكشف بعد تمامًا عن أثرها في اللغة وأسلوب الكتابة المعاصر. فقد أتمت ما بدأه رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده من التخلص من السجع والجناس والمحسنات اللفظية. وتخرج فيها طه، وهيكل، وعزمي، ومنصور فهمي، والزيات، الذين كانوا قدوة في الأداء الفني السائغ السهل. وقد أخذ على طه حسين شيء من التكرار، وبالغ في ذلك خصومه ومنافسوه، ولو كان في وسعه أن يكتب لتفادى منه الكثير، على أن هذه هنة هينة إلى جانب سلاسة أسلوبه وعذوبته، ولعله تأثر في هذه السلاسة بشيء من الأدب الفرنسي، ولكن أسلوبه أصفى الأساليب العربية المعاصرة، ولا يحمل أي طابع أجنبي، وهو أقرب ما يكون إلى أسلوب كبار كُتّاب الصدر الأول أمثال: عبد الحميد، وابن المقفع، والجاحظ. (مع الخالدين ص 159).