قضية ورأى

الثروة الصامتة

د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى

أصبح التقدم والحداثة هاجسًا يشغل أطراف الدنيا. وكلما نهضت الأمة أكثر ازدادت معايير الحداثة صعوبة فتجتهد للحاق بقطارها السريع ويظل الاستمساك بها فرض عين على المجتمع. يقع الاقتصاد فى القلب من مقومات التقدم والحداثة بجوار القوة العسكرية والسياسة والثقافة. والثروة هى عصب الاقتصاد الذى يتعطل إن باتت «ناضبة». وقد وهب الله خير الأرض لأهل الأرض بما يكفيهم ويبقى على حياتهم هم وأجيالهم المتعاقبة حتى قيام الساعة شريطة عدالة التوزيع وحسن الاستخدام استهلاكًا وإنتاجًا. إنه خير ممتد طولًا وعرضًا وعمقًا ماء وهواء وسماء. ويتجلى دور الإنسان فى السعى لإيجاد الطرق والوسائل التى من شأنها استدامة هذا «الخير» وجعله «ثروة لا تنضب».


وفى ظل محدودية الموارد الظاهرة، يطرح السؤال نفسه حول الاستفادة القصوى من»الإنفاق»(أى إنفاق) والاستغلال الأمثل للتمويل(أي تمويل)دون هدر أو إسراف. وبالتالى، فالاهتمام يجب أن ينصب على تدوير وإعادة تدوير»المخلفات (الرسكلة) «للمخلفات» و»النفايات» التى هى الحلقة النهائية لعمليات الإنتاج المختلفة زراعية وصناعيا وتكنولوجيا. لا يأتى أى شىء من العدم ولا يذهب أى شىء إلى العدم. حيث إن كل ما على سطح الأرض أو فى باطنها «يصلح» للاستخدام حتى لو بقاياه للوهلة الأولى «بلافائدة»، ولكن المنطق العلمى يرى أن هناك «فائدة ما» لم تكتشف بعد، إما لقصور فى فكر التعامل أو لقلة حيلة الوسائل التكنولوجية غير القادرة حاليًا على تحديد إيجابيات «النفايات». وربما تتطور مستقبلًا لسد فجوة «الرسكلة» وتدخل بقيمتها المضافة فى المنظومة الاقتصادية للمجتمع وتنميته.
إن إعادة التدوير(الرسكلة) تصنع ما يمكن أن نطلق عليه «الثروة الصامتة» التى يحول دونها معوقات شتى على رأسها»المخلفات غير القابلة للتدوير» التى تتحدى سلامة الطبيعة ونقاء البيئة. كما أنها تلوث المياه وتطلق انبعاثات سامة وغازات دفيئة عند حرقها أو دفنها، وتحقيق أخطارًا جمة بالحياة البرية والبحرية. ويتطلب التغلب على تلك السلبيات الكثير من البحث المضني لاستحداث أساليب وتقنيات مبتكرة تركز على الاستدامة وحماية البيئة.


تشكل المخلفات غير القابلة للتدوير (لا تتحول حاليًا إلى منتجات) ٣٠ - ٤٠٪ من إجمالى النفايات الصلبة، وتتنوع ما بين البلاستيك ذى الاستخدام الواحد (أكياس-أواني-زجاج ملون-ورق ملون-ورق صور)، وبعض المعادن(رقائق الألومنيوم)، والمنتجات الإلكترونية (تحتوى على مواد سامة)، ومنسوجات ومواد خشبية معالجة. وترمى الجهود إلى الحد من إنتاجها والتقليل من استهلاكها من خلال الاعتماد على الاقتصاد الدائرى والتصميم البيئى للمنتجات. علاوة على ما يمكن أن يتحلل بيولوجًيا مع نشر الوعى بأهمية «الرسكلة» والحد من النفايات.. يحارب العلم النظرة ويفتح الابتكار طريق التقدم، لذا يدفعنا  «علم الإتاحة» لضرورة إنشاء «وادى الأبحاث الرائدة» يحشد له العقول والخبراء وشباب العلماء على اختلاف تخصصاتهم حول مائدة البحث المستفيض لإيجاد الوسائل المبتكرة خلال فترة زمنية محددة وبتمويلات سخية لمواجهة النفايات غير القابلة للتدوير(ورسكلتها) حتى تخرج تلك «الثروة» عن «صمتها»وتدخل عصبًا قويًا فى اقتصاد الوطن.