فى الصميم

جرائم إسرائيل.. أمام العدالة الدولية

جلال عارف
جلال عارف

تهربت إسرائيل من حضور جلسات المرافعة العلنية أمام محكمة العدل الدولية لأنها لن تجد ما تقوله.. وحضرت الولايات المتحدة، وليتها لم تحضر ولم تقدم هذا الحديث المتهافت والمعادى لكل القيم القانونية والإنسانية. بينما احتشدت عشرات الدول من كل أنحاء العالم لتقدم مرافعاتها انتصارًا للحق والحرية وفلسطين.

وكانت مرافعة مصر نموذجًا فى مخاطبة العدالة الدولية بمنطق القانون وبفهم عميق لكل أبعاد القضية، لتقدم فى نصف ساعة فقط مرافعة للتاريخ تضع فيها أمام المحكمة وأمام العالم كله السجل الحافل بالجرائم للاحتلال الإسرائيلى على مدى ٧٥ سنة من اغتصاب الأرض وارتكاب المذابح وفرض العقوبات الجماعية على شعب فلسطين الواقع تحت الاحتلال، وممارسة أبشع صور التمييز العنصرى وتغيير الهوية.. وصوًلا إلى حرب الإبادة التى يشنها الاحتلال منذ أكتوبر الماضى والتى سقط فيها - حتى الآن- مائة ألف شهيد ومصاب أغلبهم من النساء والأطفال.

وبينما تهربت إسرائيل واكتفت بإرسال مذكرة مكتوبة لم تقل فيها شيئا له قيمة، جاء ممثل أمريكا ليطلب من المحكمة ألا تصدر قرارا بانسحاب إسرائيل الفورى من الضفة الغربية والقدس الشرقية لأن ذلك يعطل جهود السلام كما يزعم«!!» ولكى يقول للمحكمة الأعلى فى العالم: اتركوا القانون جانبا، ودعونا نصنع السلام فى مجلس الأمن«!!» ناسيا أو متناسيا أنه فى اليوم السابق مباشرة كانت بلاده ترتكب فعلا سياسيا فاضحا وهى تستخدم «الفيتو»، لتشل الإرادة الدولية ولتمنع مجلس الأمن من إصدار قرار بوقف فورى للمذبحة التى تقوم بها إسرائيل فى الأرض المحتلة بدعم أمريكا الكامل!!

مشاركة أكثر من ٥٠ دولة فى تقديم المرافعات أمام محكمة العدل الدولية على مدى أسبوع كامل يكشف مدى اهتمام العالم بأن تأخذ العدالة الدولية مجراها، وأن يتخلص العالم من وصمة الاحتلال الصهيونى وجرائمه النازية.

ورغم أن قرار المحكمة سيكون «استشاريا»، لكنه مهم للغاية. يكفى هنا أن نذكر أن رأى المحكمة السابق فى قضية الجدار العازل «وكان أيضا استشاريًا»، رسخ مبدأ قانونيا مهما لم يعد ممكنا تجاهله، وهو أن «حق الدفاع عن النفس» لا ينطبق على إسرائيل كقوة احتلال فى مواجهة شعب فلسطين وحقه المشروع فى مقاومة الاحتلال، ولهذا طلبت أمريكا فى مرافعتها الأخيرة ألا تصدر المحكمة قرارا بانسحاب فورى للاحتلال من الضفة والقدس الشرقية لأنها تدرك أن ذلك يضع أمريكا نفسها موضع اتهام بشأن قرارها الباطل بالاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني!!

القيمة الأساسية هنا أن محكمة العدل تعيد القضية إلى أساسها.. وهو الاحتلال الاستيطانى وجرائمه النازية، وأن الأمم المتحدة حين طلبت الرأى القانونى فى تبعات الاحتلال من المحكمة كانت تعيد القضية إلى جوهرها وتفتح الباب لحكم القانون بدًلا من مناورات «الفيتو»!

وهنا يتكشف كل الزيف الإسرائيلى والتواطؤ الغربي، ويتأكد أنه لا شرعية لكل ما تتخذه إسرائيل من اجراءات للاستيلاء على الأرض أو تغيير الهوية، ولا مفر من المحاسبة على كل جرائم الاحتلال التى تصل الآن إلى «الإبادة» الجماعية للشعب الفلسطينى الصامر على أرضه.

لا تهرب إسرائيل، ولا انحياز أمريكا له قيمة أمام العدالة حين تنتصر للحق وتؤكد: هذا احتلال خارج الشرعية والقانون ولابد أن ينتهي، وأن تعود لشعب فلسطين حقوقه، وأرضه وحريته وقدسه الأسيرة.