إنها مصر

صفات افتقدناها

كرم جبر
كرم جبر

بالنظر إلى فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماع وبعض ما يحدث فى الواقع، علينا أن نعترف أن سمات الشخصية المصرية تغيرت السنوات الأخيرة، وهبت عليها رياح حجبت صفاتها المشهورة بالمروءة والرجولة والشهامة، وأصبحنا نرى أصنافاً غريبة من البشر.

ارتفعت سلوكيات الحقد والشماتة والإيذاء ونهش السير والأعراض، وتراجع الناس الطيبين لصالح الأشرار، وصرنا نترحم على ناس زمان وأخلاق تاهت فى الزحام، وأشكال وألوان من المروءة التى افتقدناها.

كنا نحترم الاختلاف ولا نحتكم للخلاف، ونعتبر الآخر جزءا من حيوية المجتمع وتفاعله، وعاش على أرض مصر بشر من كل الأجناس والديانات، دون تفرقة فى المعاملة.، ولكن تظهر على السطح الآن بعض مظاهر التعصب وعدم قبول الاختلاف.

حدث بعض التغيير وهبت على الشخصية المصرية رياح أثرت فى معالمها، وحجبت محاسنها وأبرزت بعض مساوئها، وتراجعت بعض السمات الإيجابية، فقد كان شيوخ مساجدنا مثلًا رموزًا للطيبة والسماحة، وعلى وجوههم يشع نور خفى يعكس حلاوة الإيمان، والآن بعضهم يتسلح بالتشدد ويبتعد عن سماحة الإسلام.

لم يكن ولاد البلد و«أولاد الحتة» بالسوء الذى نراه ويترصدون جيرانهم بل كانوا فى منتهى الشهامة، يعرفون العيب، ولا يتلصصون ولا يتحرشون.

أشياء تغيرت وأحوال تبدلت، ولكن يبقى دائما المصرى الأصيل بصفاته المميزة التى تظهر فى أوقات الشدة والاحتياج، فمصر أمة عظيمة وكريمة بين الأمم، قد تضعف ولكن يتحول ضعفها إلى قوة وعزيمة، ولا تسقط أبدا لأن الله يرعاها ويحميها ويكتب لها دائمًا السلامة.

وانصهرت الرقائق المتتالية للحضارات والديانات المتعاقبة فى الهوية المصرية، فأفرزت شخصية منفردة لها ميزات أصيلة، وجعلت السمات الأساسية مزيجًا من التسامح والتعاطف والسكينة وقبول الآخر، واحتواء الجميع تحت مظلتها الوارفة.

الشخصية المصرية تعكس دائمًا مكونات الإبداع الفنى والثقافى والحضارى، وجعلتها منهجاً للرقى والوعى، وسطعت أنوارها فى سماء المنطقة كلها، واحتلت مكان القلب فى الثقافة العربية بكل فروعها.

دستور مصر هو «التعايش السلمى الآمن» بين أبناء كل الديانات، وكل من يعيش على أرضها، المسلم يذهب إلى المسجد، والمسيحى إلى الكنيسة، ولا فرق فى الشكل والملامح والزى واللكنة واللسان بنكهة مصرية، وحفظها الله من الصراعات الدينية والطائفية التى تمزق الأمم وتشرد الشعوب، واتخذت الأديان هاديًا للحياة الآمنة لكل ابنائها.

لم تكن الأزمات والتحديات التى مرت بها سقوطا أو دافعاً لاختراق سلوكيات المصريين والتنقيب عن مساوئهم وإنما حافز على العمل والارتقاء والكسب الحلال والغنى المشروع.

الأم المصرية كنموذج هى المكون المؤثر فى المجتمع ويقولون عنها بحق بمائة رجل، وتخرج على أيديها أعظم الرجال، وكانت ثقافتهن الحياتية أعظم من كل الشهادات، وأهم بنودها الأصول والاحترام.

لم يكن المصريون يعرفون الكذب، الا فى فترات التدهور وظهور الذين يزيفون الحقائق مثل الجماعة الإرهابية، التى أذاقت البلاد كل أنواع الأكاذيب والخداع، وتساقطت اكاذيبها مثل أوراق الخريف.

لم نكن نرى أو نسمع عن جرائم شاذة، ولكنها رغم ذلك لا تعبر عن الحالة المجتمعية، بقدر كونها تنفيسا عن تراكمات منذ سنوات سابقة.