بدون روتوش.. فيصل مصطفى يكتب: هشاشة «الناتو»

فيصل مصطفى
فيصل مصطفى

23 فبراير الحالي 2024 يكون قد مر عامين بالتمام والكمال على اشتعال الحرب الروسية الأوكرانية.
عامان كاملان، والحرب تدور رحاها بين روسيا وحلفائها من جهة وبين أوكرانيا وحلفائها الغربيين من جهة أخرى.
حرب ضروس غيرت كثيرا من المفاهيم والأوضاع ، وأدت إلى تسريع عجلة المتغيرات في عالم السياسة والتحالفات الدولية .
عامان كاملان ، لم تستطع أوكرانيا فيهما ، أن تحقق أي إنجاز .. 
بل نستطيع القول بكل ثقة أنه بعد عامين من الحرب ، فإن روسيا الاتحادية ، نجحت في تحقيق كافة أهدافها التي سعت إليها ، سواء من خلال ضمها  جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك  المستقلتين عن أوكرانيا  ، واللتين تنتميان في الأصل إليها ، ثقافيا وحضاريا ولغويا وتاريخياً ، وتعتبرهما  بالنسبة لها مناطق محررة.
أو من خلال كسر شوكة أوكرانيا، وتحويل عدد كبير من شعبها إلى لاجئين في مختلف قارات الدنيا ،  
وفي نفس الوقت نجحت روسيا في التجربة العملية للعديد من الأسلحة الحديثة ، والتي كانت تحتاج حربا لكي تُجربها على الطبيعة ، وتُقيَّم مدى فاعليتها.
كما كشفت هذه الحرب عن أمور كثيرة منها هشاشة الغرب ، وحلف شمال الأطلنطي  "الناتو" ، والذي لم يستطع أن يحقق انتصارا واحدا يذكر لأوكرانيا .
 وكشفت أيضا عن أن أوكرانيا والناتو وأوروبا "القارة العجوز"  ، يعتمدون بنسبة كبيرة جدا على الولايات المتحدة الأمريكية ، وإنهم بدونها تقريبا ، يكاد يكونون لا شيء ، أى أنهم أكدوا صدق نظرية الرئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب ، والمرشح الرئاسي الحالي ، بأن أوروبا عبء على بلاده ، وأنها إذا أرادت الدعم والحماية من أمريكا ،  فعليها أن تدفع الثمن  .
 بالإضافة إلى أن هذه الحرب ، كشفت عن تواضع مستوى القدرات العسكرية لدول أوروبا ، ويكفي أن مخازنها الاستراتيجية قد خلت تماما ، بعد أن تم إفراغها من كل ما لديها من أسلحة وذخائر ، وإرسالها إلى أوكرانيا دون جدوى ، ودون نصر  يمكن الإشارة إليه  في حربها مع روسيا، بل تحول الأمر إلى حرب استنزاف، بكل ما تحمله الكلمة من معان ، سواء لأوروبا أو لأمريكا  ، 
و أيضا فشلت فشلا ذريعا فى مسألة العقوبات الجماعية التى حاول الغرب وأمريكا فرضها على روسيا ، فلم تحقق العقوبات شيئا يذكر ، بل على العكس استطاعت موسكو أن تحقق طفرة اقتصادية رغم ظروف حربها مع كييف ، وعلى العكس من جميع التوقعات.
كما كشفت هذه الحرب عن كثير من ألاعيب السياسة الدولية، ومنها على سبيل المثال ، أن تركيا، الدولة العضو في الناتو ، أي حلف شمال الأطلنطي، والتى تُعتبر ولو معنويا وأدبيا مشاركة مع نظرائها في الحلف، في حربهم ضد روسيا، 
رغم كل ذلك، إلا أن هذا لم يمنعها من أن تبيع عدد ضخم من الطائرات المسيرة إلى روسيا،
وهذا يعنى أن البزنس والمصلحة المالية تحكم برغم عضويتها في الناتو ، وهو سبب آخر يجعلنا نتمسك أكثر بنظرية هشاشة الناتو ، وأنه يكاد يكون شكلا بلا مضمون . 
الدروس المستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية كثيرة، ومنها على سبيل المثال أن بوتن قد استطاع أن يجمع حوله المجتمع الروسي بالكامل لدرجة أنه يكاد يكون الآن لا توجد معارضة في روسيا، وهو درس هام يبين عن أن الحرب بالضرورة، ليست دمارا في بعض الأحيان، وليست عاملا سلبيا في بعض الأحوال، بل ربما يكون العكس صحيح، ربما تكون سببا رئيسيا في تنمية المجتمعات أو تخليصها من بعض الأمراض أو المشاكل المزمنة، وتطفو عليها طابعا مؤثرا قويا من الحيوية والعطاء والنشاط، وهو ما يحتاجه أي مجتمع إنساني أو بشري، كل فترة زمنية حتى يبقى في فورمة عالية، ويبقى في حالة توهج وقوة.
الدروس متعددة وكثيرة، وأيضا من بينها أن هذه الحرب قد أكدت عمق وصلابة التحالفات الروسية الصينية والإيرانية و الكورية ، وأن هناك نظاما عالميا جديدا بالفعل، قد تكون وأصبح يعلن عن نفسه بوضوح على مستوى ثلاثة أقطاب، وهم أمريكا، وروسيا الاتحادية، والصين الشعبية.
ويمكن القول أن الحرب بعد عامين ما زالت مستمرة  ، وربما قد لا  تنتهي قريبا، رغم المناورة الروسية البارعة، والتي تمثلت مؤخرا في  دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى دول أوروبا، بأن يجلسوا معه، ويتم حوارا بين بلاده ودول الغرب الأوروبي ، بغرض الوصول لحل لمشكلة أوكرانيا، والتي أصبحت تشكل جرحا غائرا، ونزيفا دائما في الجسد الأوروبي العليل، 
وهي دعوة ماكرة ، وذكية من بوتن ، يستهدف منها اجتذاب أوروبا إليه، وإيقاف الحرب، وهو في قمة تألقه، ومجده وانتصاره، وأيضا خلق مسافة بين أوروبا وأمريكا تؤدي إلى تصدع في حلف "الناتو"، وتعميق الخلاف الأوروبي الأمريكي. 
عامان مرت على هذه الحرب، ومازلنا نرى وننتظر ، قد تنتهي الحرب خلال الأسابيع المقبلة لو استجابت أوروبا لدعوة الرئيس بوتن، وقد تستمر سنوات، لكن في نهاية الأمر فإن كل الأمور تشير إلى أن أوكرانيا الدولة الصناعية الكبرى في عهد الاتحاد السوفيتي ، دولة المفاعلات النووية والصناعات الثقيله في طريقها لكي تصبح دولة من دول الدرجة الثالثة للأسف الشديد ، وهي قصة أخرى قد لا يكون هذا المقال مكانا مناسبا له.
[email protected]