بعد اشتعال حربي غزة وأوكرانيا| نظام عالمي جديد على أشلاء الفلسطينيين

جرائم إبادة جماعية ترتكبها تل أبيب في غزة
جرائم إبادة جماعية ترتكبها تل أبيب في غزة

■ كتبت: دينا توفيق

معاناة إنسانية مع استمرار نزيف دماء الفلسطينيين.. أثمان باهظة دفعت وأرواح زهقت والأوضاع تزداد سوءًا لمن ظلوا على قيد الحياة.. حرب طويلة يشنها الكيان الصهيوني بدعم أمريكي لأطماعهم السياسية ومكاسبهم على جثث البشر.. مجازر وجرائم الإبادة، نهب واغتصاب للأرض.. تناولت وسائل الإعلام الغربية على استحياء المذبحة والقتل الجماعي التي وقعت فى 12 فبراير 2024، والقصف الوحشي والمتعمد من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية لنحو 1.5 مليون فلسطيني في مدينة رفح، جنوب غزة. 

◄ مخطط إسرائيلي بتواطؤ أمريكي للاستحواذ على المنطقة

◄ الجرائم الإسرائيلية ليس لها نهاية

يراقب العالم في رعب الهجوم العسكري الإسرائيلي على شعب غزة، والحقيقة أن ما يتم نشره لأول مرة على أنه صدمة من قبل الإعلام الغربى، يتم حظره على عجل ـ حتى أن أغلب العالم لم يتمكن من التعرف على الضربة المحرقة الأخيرة ضد الفلسطينيين في غزة.

وأصبح من الواضح الآن أن الأمر لم يعد مسألة دفاع، بل أصبح تدميراً مستهدفاً للآلاف من الضحايا الأبرياء من الفلسطينيين، بما فى ذلك عدد لا يحصى من الأطفال. ويحاول الجميع فهم ما يجرى فى الشرق الأوسط وفلسطين وفى جميع أنحاء العالم؛ كيف يأتي الصراع الدموي الإسرائيلي ضد فلسطين ضمن الحرب الكبرى للغرب.

■ الفلسطينيون في حالة نزوح وجوع وخوف

◄ التطهير العرقي
ويصف المحلل الجيوسياسي والخبير الاقتصادي السابق في البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية «بيتر كونيج» القصف الذى يتعرض له سكان القطاع والإبادة الجماعية الذى تعرض له جنوب غزة فى 12 فبراير بنكبة 1948، والتى تشير -حسب وصفه - إلى التهجير العنيف للفلسطينيين وسلب ممتلكاتهم، إلى جانب تدمير مجتمعهم وثقافتهم وهويتهم وحقوقهم السياسية.

ووفقًا لكونيج فيما يبدو وكأنه عمل أخير من أعمال التطهير العرقى، الذى أعلنت عنه حكومة رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، والقضاء التام على الشعب الفلسطينى فى غزة، مازال مستمراً حتى الآن. وتمهيداً لهذه «الخطوة الأخيرة» من التطهير العرقى، ووفقاً لمراسل الميادين فى رفح بغزة، استخدم الاحتلال الصهيونى الصواريخ الحارقة الممولة أمريكيًا والمحرمة دوليًا فى غاراته على مدينة رفح، والتى أسفرت عن مجزرة راح ضحيتها أكثر من 200 فلسطينى، معظمهم من النساء والأطفال.

ويمضى المحلل الأمريكى قائلًا إنه فى أعقاب الكذبة الصارخة من قبل إسرائيل، وهى اكتشاف أن 12 أو 13 من العاملين فى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا) يقاتلون لصالح حماس، توقفت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي تقريبًا عن تمويل الوكالة، رغم عدم وجد أى دليل على أى تعاون بين الأونروا وحماس. ومع ذلك، فإن كلمات نتنياهو المليئة بالأكاذيب كانت مسموعة لدى الغرب لتحقيق غرض شيطانى.

وكانت الأونروا هى الوكالة الوحيدة التى زودت غزة ببعض الطعام والماء - وكان ذلك قليلاً، عندما كانت إسرائيل تسمح بعبور  شاحنات الأونروا حدود رفح من مصر إلى غزة، ولكن أفضل من لا شىء. والآن، ذهب ذلك أيضًا. ويوضح كونيج أن رؤساء الدول المطيعين الذين زرعهم المنتدى الاقتصادي العالمي في معظم دول الاتحاد الأوروبى يتبعون أوامر إسرائيل والولايات المتحدة بوقف تمويل الأونروا. 

وما يحدث بحسب وصف كونيج هى حرب طويلة نحو «إسرائيل الكبرى»؛ هناك مخطط من قبل إسرائيل بتواطؤ أمريكي على توسع وتوحش الكيان الصهيونى فى المنطقة، وهو الاستحواذ على ما يصل إلى 50% إلى 70% من الشرق الأوسط، وهذا ما قاله نتنياهو «ستكون هذه حربًا طويلة». 

◄ خريطة للمنطقة
فيما يرى أستاذ الدراسات الاستراتيجية فى مركز بحوث السياسات في نيودلهي «براهما تشيلاني»، أن ما يحدث فى الحرب المندلعة فى غزة هو جزء من الحروب التى تشكل النظام العالمى الجديد؛ ربما تشير الاتجاهات والتطورات الأخيرة- من الحربين فى غزة وأوكرانيا إلى المنافسة بين الولايات المتحدة والصين بحساب جيوسياسى عالمي، لذا فإن شبح الصدام المستمر بين الغرب ومنافسيه- وخاصة الصين وروسيا والعالم الإسلامي يلوح فى الأفق بقوة. ويقول إن الحروب في غزة وأوكرانيا تسببت فى تفاقم الانقسامات العالمية، حتى أصبحت عملية إعادة تشكيل جيوسياسية أكثر عمقا وربما تجرى الآن. وتزيد هاتان الحربان من خطر اندلاع حرب ثالثة حول تايوان.

ويضيف تشيلانى فى مقاله بصحيفة «اليابان تايمز»، إلى أنه بعيدًا عن عملية إعادة الترتيب العالمية التى يبدو أن التنافس الصينى الأمريكي يتسبب فيها، فمن الممكن حدوث تحولات إقليمية مهمة. إن الصراع المطول فى غزة من الممكن أن يؤدى إلى عملية إعادة تنظيم جيوسياسية فى الشرق الأوسط.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية للمحلل «إيشان ثارور» المتخصص فى الشئون الدولية، فإن الخريطة التى ظهر بها نتنياهو أثناء خطابه بالأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى وشملت إسرائيل من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، دون أى ترسيم يوضح الأراضى الفلسطينية المحتلة. حينها أخرج نتنياهو قلمه الأحمر ورسم خطاً قطرياً على طول الخليج العربى، مروراً بإسرائيل وباتجاه موانئ جنوب أوروبا. وأشاد بقدوم «ممر» الرخاء المفترض الذى يربط بين هذه الدول العربية والكيان الصهيونى فى قلب محور جديد للتجارة العالمية يربط آسيا بأوروبا، ما يعنى أن هناك صراعا بين الولايات المتحدة والصين من أجل القضاء على مشروع الأخيرة وهو طريق الحرير.

ويرى الكاتب الكندى «ميشيل شوسودوفسكي»، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوتاوا، أن الجغرافيا السياسية للنفط وخطوط أنابيب النفط تعتبر أمرًا بالغ الأهمية فى إدارة هذه العمليات العسكرية. وتضم منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الأوسع أكثر من 60% من احتياطيات النفط فى العالم. هناك في الوقت الحاضر خمسة مسارح حرب فى منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى؛ أفغانستان وباكستان والعراق وفلسطين وليبيا وسوريا.

◄ المشروع الأمريكي
وتمت صياغة مشروع القرن الأمريكى الجديد (PNAC) من قبل المحافظين الجدد فى سبتمبر 2000. إن هذه الأجندة العسكرية التى تم تنفيذها تحت شعار «المسئولية عن الحماية» سادت إلى حد كبير فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى الأسبق «باراك أوباما».

كما أن «الحرب الطويلة» التى تخوضها الولايات المتحدة هى مشروع إمبريالى يدعم الهياكل المالية والأسس المؤسسية للنظام العالمى الرأسمالى. وراء هذه الأجندة العسكرية تكمن مصالح الشركات القوية بما فى ذلك أجهزة الدعاية كبرى. وحتى مع النظر إلى أجندة المحافظين الجدد فى ظل إدارة الرئيس «جورج بوش» باعتبارها تتويجًا لإطار السياسة الخارجية، والذى يوفر الأساس للتخطيط للحروب والفظائع المعاصرة بما فى ذلك إنشاء غرف التعذيب، واعتقال المدنيين، والمخيمات والاستخدام المكثف للأسلحة المحظورة الموجهة ضد المدنيين، مثل ما يحدث فى غزة الآن؛ حيث تستخدم قوات الاحتلال ذخائر الفوسفور الأبيض والذخائر العنقودية فى القطاع.

وفى عهد أوباما أصبحت هذه الأجندة متماسكة على نحو متزايد مع إضفاء الشرعية على عمليات القتل بموجب تشريعات مكافحة الإرهاب، والاستخدام المكثف لهجمات الطائرات بدون طيار ضد المدنيين، والمذابح التى أمر بها التحالف بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي «الناتو» وإسرائيل ضد المدنيين السوريين والفلسطينيين.

ومؤخرًا أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن وزير الخارجية الأمريكي «أنتوني بلينكن» أقر صفقة  أسلحة تشمل بنادق «M177» لإسرائيل بقيمة 147.5 مليون دولار، وأن الصفقة لن تعرض على الكونجرس، من الواضح أن الإدارة الأمريكية لا تزال تريد استمرار المجازر فى غزة.

ووفقًا لمجلة «covertaction» الأمريكية، وتحظى إسرائيل بمكانة لدى واشنطن بسبب إتقانها لأساليب السيطرة على السكان ضد الفلسطينيين، والتى يرغب العديد من القادة فى محاكاتها ضد الجماعات المنشقة أو الأقليات داخل حدودهم.

ويزداد ثراء المليارديرات من الحرب وصناعة الحرب الإسرائيلية، كما أن خلق تهديد إرهابى يضفى الشرعية على العمليات العسكرية الموسعة المصممة للقضاء على الفلسطينيين وتعزيز هدف إقامة «إسرائيل الكبرى».