مسرحية« جريمة بيضاء » بالفصحى فى غياب الكوميديا

مسرحية جريمة بيضاء
مسرحية جريمة بيضاء

محمد‭ ‬بركات

اعتاد الجمهور دائما مشاهدة مسرحيات على مسارح القطاع الخاص باللغة العامية السلسة، حيث تحمل عروضه الطابع الكوميدى، وتحتوى إفيهات كوميدية هزلية شديدة الضحك، لتكون مادة جاذبة للجمهور ومناسبة لكل الأعمار، فالهدف من هذه العروض هى المكسب المادي، لكن الكاتبة والمنتجة أروى قدورة والمخرج سامح بسيوني والكاتب يسرى حسان، قرروا أن يكسرون هذه الفكرة السائدة عن مسرح القطاع الخاص وقدموا مؤخرًأ مسرحية “جريمة بيضاء” باللغة العربية الفصحة، مع إضافة بعض المواقف الكوميدية بلغة سهلة وبسيطة حتى لا يشعر الجمهور بأي ملل، خاصة أن كثير من الجمهور لا يقبل على العروض التي تقدم بالفصحى.

تبدأ أحداث العرض بتعطل سيارة “ألفريدو ترابس” تاجر أقمشة في إحدى المدن الصغيرة النائية بسويسرا والذى يجسد دوره الفنان ناصر سيف، ويبدو أن إصلاحها سيستغرق وقتاً طويلآ مما كان يعتقد، فيذهب لقضاء ليلته في أحد الفنادق فلا يجد غرفة شاغرة، لكن مدير الفندق ينصحه بالتوجه إلى بيت القاضي المتقاعد “فيرجين” الذى يجسد دوره الفنان أيمن الشيوي، الذي بات معروفاً في المنطقة بترحيبه بالغرباء حتى أنه لا يتواني عن استضافتهم ببيته، ويجد “ترابس” عدد من أصدقاء القاضي المتقاعدين، منهم وكيل نيابة متقاعد الذى يجسد  دوره الفنان علاء قوقة، محامي ويجسد دوره خالد محمود، الذين اعتادوا ممارسة لعبة غريبة كل ليلة بأن يعقدوا “محاكمة” يتحررون فيها من قبضة القوانين البالية، يتورط الضيف في اللعبة بسبب إصرار الآخرين على دخوله فيها وإجراء محاكمة له، تتفجر المفاجآت المذهلة تباعًا لتكشف اللعبة أن “ترابس” ارتكب جريمة قتل بشعة، ولو بشكل غير مباشر، لكنه أفلت من العقاب لعدم وجود نص قانوني يدين هذه النوعية من الجرائم، استغل ثقة مديره بالعمل فيه وعرف أسرار بيته وتقرب من زوجة المدير التي تحب زوجها لكنها تعاني من الفراغ والإهمال وأغواها بالخيانة، ولا يكتفي بذلك، بل يسرق عملاء المدير ويضعه على حافة الإفلاس، ومن ثم يسرب له عن طريق آخرين معلومة خيانة زوجته له فيلقى المدير حتفه نتيجة أزمة قلبية، تصدر المحكمة حكمها بإعدام “ترابس”، لكن ليس شنقًا، بل بالإعدام حيا، أي أن يظل حيا ميتا، إلا إذا سعى إلى إصلاح ذاته، وبحث له عن طريق مستقيم، أو بمعنى أدق، وكما يقول نص العرض، أن يكون إنسانا وكفى.

مسرحية “جريمة بيضاء” تعرض على مسرح الهوسابير بوسط القاهرة، كتابة يسري حسان، عن قصة “العطل” للكاتب السويسري فريدرش دورينمات، ترجمة سمير جريس و من إنتاج أروى قدورة، بطولة عدد كبير من الممثلين، منهم ناصر سيف، خالد محمود،علاء قوقة، أيمن الشيوي، رضا إدريس، منة بكر، نور القاضي، أحمد أبو زيد، وليد الإدفاوي، رامي شبل، جنا عطوة، نور مجدي، العرض ديكور حازم شبل، ملابس سماح نبيل، إضاءة إبراهيم الفرن، موسيقى محمد علام، دراما حركية بوسي الهواري، ماكياج محمد شاكر، مخرج منفذ شروق طارق وإخراج سامح بسيوني.

في البداية يقول سامح بسيوني مخرج العرض : تحمست جدًا لإخراج النص بعد أن قرأت قصة العطل، واكتشفت أنها واحدة من القصص العالمية المهمة التي تطرح أفكارا عميقة حول الإنسان، في كل زمان ومكان، وكيف أن هناك من يرتكبون جرائم يمكننا أن نسميها بيضاء، دون أن تتمكن العدالة من إدانتهم، فضلا عن أفكار أخرى مثل الأنانية والنرجسية وغيرها من القضايا التي يحتويها هذا النص القصير.

أضاف بسيوني: طلبت من الكاتب يسري حسان كتابة نص عن هذه القصة، وأضاف النص الذى كتبه الكثير إلى النص الأصلى، من شخصيات وأحداث، دون مساس بالرؤية الكلية لنص دورينمات.

وعن ترشيح أبطال العرض، يقول بسيوني: كنت حريصا على الاستعانة بمجموعة من الممثلين أصحاب المواهب الكبرى نظرا لثراءالشخصيات التي يتطلب تجسيدها خبرة كبيرة وفهمًا عميقا لطبيعتها، مثل الدكتور أيمن الشيوي والدكتور علاء قوقة والفنان ناصر سيف والفنان خالد محمود والفنان رضا إدريس، فضلا عن مجموعة من الشباب الموهوبين الذين كانوا مفاجأة كبيرة في هذا العرض، وسيكون لهم شأن كبير خلال الفترة المقبلة.

وحول إصراره على أن يكون العرض بالفصحى، يوضح: رأيت أن الفصحى ستكون قادرة أكثر على التعبير عن طبيعة الشخصيات وثقلها وعمقها، فضلا عن رغبتى في أن يقدم من خلال الإنتاج الخاص، وربما لأول مرة، عرضا جادا ورصينا، بعيدا عن الفكرة السائدة عن القطاع الخاص بأنه لايقدم سوى الأعمال الكوميدية الخفيفة الساذجة، ولذلك كان تحمسى للدخول في هذه المغامرة، التي لا يمكن أن يدخلها القطاع الخاص، لكنى دخلتها إيمانا منى بأن القيمة هي التي تبقى، وأن هذا القطاع يجب أن يساهم في النهوض بالمسرح، لا جره إلى الوراء.

بينما يقول معد العرض الكاتب يسرى حسان: مسرحية “جريمة بيضاء” عن قصة للكاتب السويسري فريدرش دورينمات، تم إضافة العديد من الشخصيات للنص الأصلي، مع إعادة صياغته، ليكون مختلفًا إلى حد كبير عن نص دورينمات، مع الاحتفاظ بالرؤية الكلية للنص، فتدور أحداث العرض عن “ألفريدو ترابس” أحد التجار الذين وصولوا إلى درجة عالية من الثراء من خلال الغش والتآمر والصراعات التي خاضها ضد رئيسه في العمل حتى تمكن من أن يحتل مكانه في العمل، تتعطل سيارة “ألفريدو” في إحدى المدن الصغيرة النائية بسويسرا ويذهب لقضاء ليلته في إحدى الفنادق فلا يجد غرفة شاغرة، وينصحه مدير الفندق بالتوجه إلى بيت القاضي المتقاعد “فيرجين”، الذي بات معروفاً في المنطقة بترحيبه بالغرباء ويجد “ترابس” عدد من أصدقاء القاضي المتقاعدين، منهم وكيل نيابة ومحامي وجلاد متقاعدين، اعتادوا ممارسة لعبة محاكمة كل ليلة، يتحررون فيها من قبضة القوانين، يتورط الضيف في اللعبة بسبب إصرار الآخرين على دخوله فيها وإجراء محاكمة له، تصدر المحكمة حكمها بإعدام “ترابس”.

ويضيف حسان: هذه هى المرة الأولى التي ينتج فيها القطاع الخاص مسرحية باللغة العربية الفصحى، فدائما وأبدا كان القطاع الخاص باحثا عن الجماهير والمكاسب المادية، وهذا حقه، يلجأ بشكل مستمر إلى العروض الكوميدية الخفيفة، هذه المرة الأولى منذ سنوات طويلة يبادر فيها القطاع الخاص بإنتاج مثل هذه المسرحيات التي تقدم بالفصحى وتقدم موضوعًا إنسانيًا جادًا، هو ليس عرض كئيب بالتأكيد، فهناك بعض اللمحات الكوميدية، لكنه عرض يناقش قضية بعمق شديد، من خلال رؤية إخراجية متميزة ومختلفة، أتمنى أن تسهم المسرحية في تعديل مسار المسرح المصرى، لن نقول تغيير المسار، لأن هذا أكبر من إمكانات فريق مسرحي أو عرض مسرحي، لكن نحاول من خلاله تعديل ولو جزء بسيط من مسار المسرح الخاص لأننا في إحتياج شديد إلى مثل هذه العروض الجادة، مع الأخذ في الاعتبار أنني لست ضد الكوميديا، هي فن راقي ومهم ومطلوب وصعب، لكن هناك فرق بين الكوميديا والاستظراف وهو النمط الشائع في المسرح المصرى.

الفنان ناصر سيف أحد أبطال العرض أكد أنه سعيد جدا بعودته للمسرح بعد غياب فترة طويلة، من خلال عرض جاد ذا قيمة فنية ويقدم رسالة اجتماعية يضاف لمشواره الفني وللمسرح المصرى، وأشار سيف: قرأت النص الأصلي لدورينمات وعندما قرأت النص الذى أعده يسرى حسان أعجبت جدا به، فهو يكشف الأنانية والنرجسية، ويظهر كيف يمكن لبعض الأفراد ارتكاب جرائم معنوية “بيضاء” دون أن تطالهم يد العدالة، محافظًا على الرؤية الكلية للقصة ومعالجتها بحس معاصر يلمس قضايا الإنسان في كل زمان ومكان، المسرحية بمثابة تأمل عميق في الجرائم المعنوية التي يرتكبها الإنسان دون عقاب، وتسليط للضوء على الجوانب الخفية للنفس البشرية، فرسالة الرواية أن تكون إنسانا وكفى وهذا هو الهدف، دون أن تتسلق على أكتاف الآخرين لدرجة القتل كي تصل لأهدافك.

وعن كواليس العمل، يقول سيف: الكواليس كانت ممتعة جدا، فريق العمل متفاهم ومتعاون مع بعضه البعض، الجميع يعمل بكل حب حتى تخرج التجربة في أفضل صورة، لا ننظر للمكسب المادي ولا توجد غيرة أو حقد بيننا.

بينما يقول الفنان خالد محمود أحد أبطال العرض: تدور أحداث العرض حول قوة الكلمة وتأثيرها على الناس، وتركز على فكرة أن الكلمة يمكن أن تكون ضارة وتسبب ضررًا جسيمًا يصل إلى حد الموت في بعض الأحيان، كما تستعرض أيضًا فكرة أن الكلمة يمكن أن تدفع بعض الأشخاص إلى ارتكاب جرائم عديدة، حيث تترك أثرًا سلبيًا في النفوس وتؤثر على سلوك الأفراد، وخلال أحداث العرض أجسد شخصية محامي يدافع عن المتهمين، ويحاول إثبات برائتهم، ويقابل العديد من المشكلات في طريق كشف الحقائق، وتوضيح أن الكلمة قد تكون خادعة وتؤدي إلى انطباعات خاطئة.

اقرأ  أيضا : صور.. بروفات مكثفة لـ أميرصلاح الدين من أجل «مونولوج فكري»


 

 

 

;