يوميات الأخبار

بانتظار «الحفيدة».. الانتفاضة الثالثة فى رمضان؟

علاء عبد الوهاب
علاء عبد الوهاب

 إن توقع نهوض «الكل الفلسطينى» بانتفاضة فى رمضان، يتجاوز مجرد الأمل، أو الأمنية، أو حتى التنبؤ ليتحول إلى لحظة مخاض جديد، بل انفجار بركان لن يهدأ..

ليست أمنية ولا أملاً..

ثم أنها تتجاوز أطر التنبؤ أو التوقع..

فقط مجرد قراءة للمفردات والمعطيات، سوف تؤكد أننا بصدد تفاعل سريع لخمائر انتفاضة قادمة فى رمضان، هى بمثابة «الحفيدة» بعد انتفاضة ١٩٨٧ إذ هى الأم، تلتها الابنة فى ٢٠٠٢، والآن فإن متابعة المشهد، وشريط الأخبار فى الإعلام المرئى والمسطور، تقود لاستنتاج جازم بتجمع نذر مخاض انتفاضة مرتقبة فى مناخ بات مهيأ لاندلاعها، فى مدى زمنى لا يتجاوز الأسابيع.

من يشاركنى هذه الرؤية، لا يمكن اتهامه بأنه أسير تفاؤل فى غير موضعه، أو مراهن على فعل يائس تحت ضغط قوة غاشمة متوحشة بربرية، بل العكس تماماً، فما سال من دماء طاهرة يكفى لصنع نهر من الأمل، يجرف فى جريانه كل دواعى اليأس والمرارات التى ملأت الأفواه والقلوب.

حتى لو جربنا اللجوء للحاسب الآلى، وغذيناه بالمعطيات التى أفرزها المشهد، منذ ٧ أكتوبر، وحتى اليوم، ثم أضفنا إليه ما صدر هنا وهناك من توقعات، وتحذيرات، فأغلب الظن أنها سوف تتفق مع ما نذهب إليه، ويمكن تصنيفه ـ مجازياً ـ بأنه نوع من التنبؤ الحدسى، أى الوصول إلى نتيجة ما دون تعليل، إنه ينتمى إلى استيعاب فورى لحقيقة فى غيبة تحليل منطقى كامل،مع اعوجاج المنطق وربما اضمحلاله ، لعلها لحظة يمتزج فيها نفاذ البصيرة بالمشاعر، فما بال أننا نمتلك إلى ذلك ما يغذى توقعنا بمفردات قائمة فعلياً؟

إنذار مبكر

فى أواخر يناير الماضى أطلق مرصد الأزهر الشريف توقعه بأنه حال تواصل الممارسات الصهيونية المتطرفة، بالأراضى المحتلة، فإنها سوف تُفضى لاندلاع مواجهاتٍ فى القدس والضفة الغربية، تصل إلى حد انتفاضة كاملة فى رمضان .

المثير أن الأوروبى بوريل  يحذر من الغليان فى الضفة، إذا لم يُسمح بالذهاب للمساجد.

على الجانب الآخر، حذر ساسة ومسئولون أمنيون، ومحللون إسرائيليون من مغبة التصعيد غير المحسوب فى الضفة والقدس، مما يؤدى لانفلات الأوضاع فى رمضان، إلى حد وقوع كارثة حقيقية، مع ترك الزمام لأعضاء الحكومة من أقصى اليمين العنصرى المتطرف، وصولاً إلى اشتعال حرائق تتجاوز القدس الشريف والضفة الغربية، وفى مقدمة المحذرين يائير لابيد زعيم المعارضة فى الكيان الصهيونى.. المثير للسخرية، ولابد أن يستوقفك هو وصفهم لانتفاضة متوقعة بالكارثة!!.

ولعل من مزايا محاولة بعض محطات التلفزة الغربية الناطقة بالعربية، ادعاء الموضوعية والحياد فى تغطيتها للأحداث فى فلسطين المحتلة، نقل مشاهد تفضح الممارسات القمعية والدموية البشعة فى المدينة المقدسة، وفى مدن الضفة وبلداتها وقراها، ومخيمات اللاجئين، ثم بث مشاهداتٍ لأهلها تترجم معاناة فوق احتمال البشر.

حرب شاملة

ما رأيته على الشاشات، وطالعته فى الصحف، يشى بأن ثمة حرباً شاملة يتعرض لها الشعب الفلسطينى، البطل، المقاوم، الصامد، فثمة شهداء بالمئات، واعتقالات بالآلاف، وإصابات تستعصى على الحصر! يحدث ذلك فى توءم غزة، فى الضفة، وفى القلب منها القدس.

عمليات اقتحام يومية بالعشرات، ليلاً ونهاراً على مدار الساعة، والذريعة أن هذه القوات تعمل على «تصفية أوكار الإرهاب»، بالذمة مَنْ الإرهابى؟

هدم للبيوت، فى المدن والقرى والمخيمات على السواء، أحياناً دون إنذار مسبق! مصادرة للأموال، هى فى حقيقتها عمليات سرقة ونهب بمنتهى البجاحة! تدمير للبنى التحتية من خطوط مياه وصرف وكهرباء واتصالات حتى تستحيل الحياة. فرض للحصار على الأحياء والشوارع حتى الحارات والأزقة لم تسلم من تعسف جيش الاحتلال، واستفزازاته المتوالية. غارات جوية بالطائرات القاذفة والمقاتلة، والمسيرات، وكأن الضفة تحولت إلى ساحات حرب حقيقية، لا مناطق مأهولة بالمدنيين! ...و...و... وتلك مجرد نماذج، قليل من كثير.. كثير بشع!

حلف الشياطين

وكأن تعسف الجيش ووحشيته لا تكفى، فالمستعمرون الذين يطلق عليهم تزييفاً للحقيقة وصف «المستوطنين» يتحركون وهم مدججون بالسلاح الذى زودهم به «ابن الغفير»، ليكون لهم نصيب وافر فى عمليات القتل والنهب، والاستيلاء على أراضى الفلسطينيين، ليزاوجوا بين «الضم الزاحف»، و»الضم الصامت»، لفرض أمر واقع مع زحفهم لتقويض أى فرصة لـ «حل الدولتين»، ناشرين مئات البؤر الاستعمارية، لتمزيق أوصال الضفة الغربية تماماً!

لقد أصبحت القرى والمدن الفلسطينية أسيرة حصار استعمارى، أو استيطانى، كما يدللون قبحهم الزاحف، بل والأدهى أن يخرج صهيونى متطرف ضمن حكومة الاحتلال يُدعى سموتريتيش، بأن الرد على العقوبات الرمزية التى فرضها بايدن على أربعة من المستوطنين، بإطلاق المزيد من البؤر تحت مسمى «الاستيطمان الشاب» المدعو حكومياً!!

وحتى يتم اليوم إجبار الفلسطينيين على إفساح المجال للصهاينة، يتم تفجير المنازل والمنشآت بعد تفخيخها، إن لم يرضخوا لإخلائها تحت تهديد السلاح، والتخريب والتدمير والتكسير لمحتوياتها! 

إنها حقا دولة حضارية ديمقراطية!!

ثم لا يدخر جيش الاحتلال والمستعمرين/ المستوطنين جهداً فى عمليات التضييق المعيشى بكل السبل والوسائل، والهدف واضح: أن تصبح الحياة والتمسك بالأرض مستحيلا، ليترك أصحاب الأراضى حقهم، ويذهبوا إلى شتات جديد، ولتُصنع نكبة جديدة، فذلك هو «الحل النهائى للصراع» كما يسعى القائمون على المشروع الصهيونى فى آخر نسخة معدلة، وإن كانت فى الحقيقة تكشف زيف ما كان يدعيه من خدعوا العالم، وادعوا أنهم حمائم فى مقابل الصقور، ليكتشف العالم بعد ٧ أكتوبر أن جميعهم من الجوارح، إنها تكتيكات لتوزيع الأدوار، ودرجات فى الكراهية. إنه حلف الشياطين!

انتهاك بشع

لكن كل ما مضى كوم، والحيلولة دون أداء الصلاة، خاصة صلاة الجمعة فى الأقصى الشريف، «كوم آخر» أخطر وأفدح، لأنه يمكن أن يكون المفجر بالفعل لشرارة انتفاضة عارمة فى رمضان.

جمعة وراء جمعة، والمشهد الصعب المؤلم يتكرر، والتصعيد الممنهج متواصل، إصرار على منع آلاف المصلين من الدخول إلى الأقصى، باستثناء أعداد قليلة من المسنين والنساء!

حتى فلسطينيو ٤٨ الذين يعتبرون مواطنين إسرائيليين حُرموا من أداء صلاة الجمعة بالأقصى، ثم تقييد نتنياهو لدخول فلسطينيى الداخل للأقصى، هل ثمة تعسف ووقاحه أكثر من ذلك؟!

من أدى الصلاة فى شوارع القدس والأحياء القريبة من الأقصى تعرض للملاحقة والقمع، ولم يسلم من قنابل الغاز المسيلة للدموع!

من جمعة لأخرى يتم تشديد الإجراءات التعسفية، فثمة حواجز لمنع المصلين من المرور باتجاه الأقصى، والمدججون بالسلاح من الجنود، أياديهم على الزناد أمام البوابات الخارجية للمسجد، وضحايا قنابل الغاز بالمئات بعد إصاباتهم بالاختناق!

وتصل المأساة لذروتها حين تطالع الوجوه القبيحة من المستوطنين، يقتحمون باحات الأقصى بحماية الجيش والشرطة التابعين للكيان الصهيونى، يؤدون طقوساً تلمودية!

الوقاحة والسفالة بلغت منسوباً غير مسبوق، حين استدعت سلطات الاحتلال مركبة مياه صرف صحى، لقمع المصلين الذين أدوا صلاتهم فى المقبرة اليوسفية، بعد منعهم من دخول البلدة القديمة، والاقتراب من المسجد الأقصى!

شكراً لمنجزات ثورة الاتصالات، وثمار عصر السموات المفتوحة التى فضحت زيف الكيان الصهيونى، ومن يضخون فى شرايينه، ما يغذى جيشه بأسلحة فتاكة تحصد الأرواح البريئة بدم بارد!

سقوط الأساطير

ثمة سؤال يلح: مع تراكم هذه الممارسات المستفزة حتى للحجر، ألا يستدعى الفلسطينى الطفل، الشاب، الرجل، المرأة، الشيخ، ألا يستدعى كل هؤلاء تراث الانتفاضة الأم، انتفاضة الحجارة، ليكون ميلاد «الانتفاضة الحفيدة» فى رمضان؟

٧ أكتوبر أسقط أوهام وأساطير أحاطت بالمشروع الصهيونى، كادت مع آلة الدعاية الجهنمية أن تتحول إلى حقائق، لكن الصمود الأسطورى للإنسان الفلسطينى عارى الذراعين فى الغالب، أو من لا تُقاس أدواته فى المواجهة بما يملك من جيش مدجج حتى الأسنان، هذا الإنسان هو عماد المقاومة لكل المحاولات الهادفة لمحو هويته وتاريخه، واستلاب حاضره، وسرقة مستقبله.

سقوط الأساطير المؤسسة للكيان الصهيونى، وفى ظل أزمات عاصفة باقتصاده وتصدعات فى بنيته وعلاقاته، لا تستثنى أياً من جوانبه السياسية، والأمنية، والاجتماعية، والعسكرية، والأيديولوچية والعرقية، باتت تنخر فى أسسه، تمثل لحظة تاريخية لا يجب إهدارها.

الرعب الذى يملأ قلوب الصهاينة من نتائج التمادى، فى استثمار لم يثبت جدواه فى إخماد المقاومة، أو استنفاد مخزون نضالى كامن فى نفس كل فلسطينى، يبلغ هذا الرعب ذروته بقدوم شهر رمضان فى ظل قرارات مجنونة من قبل «ابن الغفير» ومن على شاكلته، بمنع دخول المصلين للصلاة فى الأقصى، خلال شهر رمضان، وهم الحريصون على صلاة الجمعة، فضلاً عن صلاة التراويح تحت سقفه، من ثم ينفجر الموقف، ويخرج تماماً عن السيطرة.

لحظة الانفجار

الجمعة فى رمضان غيرها فيما سواه.

ثم أن صلاة التراويح لها مكانة خاصة فى النفوس.

ثم هناك العاشر من رمضان، وذكراه التى توافق السادس من أكتوبر ٧٣.

ثم هناك يوم الأرض الذى يختم الأسبوع الثالث من الشهر المبارك.

توقيتات كل منها يحتمل أن يكون لحظة انفجار للانتفاضة الحفيدة.

إذا أضفنا أن المقاومة فى الضفة واجب يومى مستمر، رغم سياسة القبضة الحديدية، وأن ثمة تحولاً كيفياً فى المواجهات، مع تصاعد الضغط على العديد من الأصعدة، فى صور لا حصر لها من عنف الجيش والمستعمرين/المستوطنين، فإن العنف حينذاك يبلغ درجة الصفر فى تأثيره، بل يصبح وقوداً للمقاومة الشاملة، ومن ثم يحدث تناسب طردى بين شدته، وإمكانية اندلاع انتفاضة متحررة من كل خوف، بعد انكسار كل حواجز للأبد.

إن توقع نهوض «الكل الفلسطينى» بانتفاضة فى رمضان، يتجاوز بمجرد الأمل أو الأمنية أو حتى التنبؤ، ليتحول إلى لحظة مخاض جديد، بل انفجار بركان لن يهدأ قبل أن ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة.

الانتفاضة الحفيدة سوف تفتح ثغراتٍ فى جدران الظلم والصمت الذى طال مداه، استثماراً لرقم ٧ أكتوبر، وما أعقبه من تضحياتٍ هائلة، من ثم فإن الطرق على الحديد الساخن يبقى الخيار الذى لا بديل له أو عنه.
...................
يبدو أن الحجر الضخم الثقيل الذى اخترق قلب إسرائيل، وأصاب المشروع الصهيونى فى أعماقه، وإن أصاب فى الظاهر غلاف غزة، لن يكون فى القريب يتيماً، ولكن ثمة أحجاراً سوف يتوالى سقوطها فى الضفة والقدس ووراء الخط الأخضر، فى حدود ٤٨، و٦٧ فالضفة توءم غزة، والوشائج بينهما وبين فلسطين التاريخية لم ولن تنقطع.

وبانتظار «الحفيدة».. الانتفاضة الثالثة فى رمضان.