القوات المسلحة تفرج عن وثائق لحرب أكتوبر تنشر لأول مرة

تحركات سياسية وعسكرية بعد مبادرة «روجرز»

القوات المسلحة تفرج عن وثائق لحرب أكتوبر
القوات المسلحة تفرج عن وثائق لحرب أكتوبر

سجلات هيئة العمليات تكشف رصد قواتنا لكافة تحركات العدو بدقة

أفرجت القوات المسلحة عن عدد من الوثائق السرية لانتصار أكتوبر المجيد بالتزامن مع الذكرى الخمسين «اليوبيل الذهبى» احتفالاً بالنصر، وقد نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع العديد من الوثائق الرسمية الهامة الموقعة بـ «خط اليد»، والتي تضمنت التخطيط الاستراتيجي العسكري لحرب أكتوبر، وكذلك إدارة الحرب بمراحلها حتى وقف إطلاق النيران، منها تفاصيل خطة الخداع الاستراتيجى وتحطيم الساتر الترابي وبطولات القوات الجوية، وكواليس ما جرى فى غرفة عمليات القوات المسلحة والتعاون بين أجهزة الدولة المختلفة لتحقيق النصر ..
«الأخبار» تنشر سلسلة حلقات عن أهم الوثائق المفرج عنها حيث تتناول حقائق وتفاصيل تنشر لأول مرة ..
وتفاصيل الحلقة الثانية فى السطور التالية.

نستعرض فى الحلقة الثانية من الوثائق، الحراك السياسى ما بعد مبادرة «روجرز» لوقف إطلاق النار من 8 أغسطس 1970، وحتى صباح 6 أكتوبر 1973.


وكان وليام روجرز وزير الخارجية الأمريكى فى  ذلك الوقت قد صرح فى أحد المؤتمرات يوم 9 ديسمبر عام 1969 بأن سياسة الولايات المتحدة تهدف إلى تشجيع العرب على قبول سلام دائم، وفى الوقت نفسه تشجيع إسرائيل على الانسحاب من الأراضى المحتلة بشرط توفير ضمانات الأمن اللازمة، ثم أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر قبول مبادرة «روجرز» يوم 23 يوليو فى الذكرى الثامنة عشرة للثورة، وأثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة حول العالم، وقد شجع قبول المبادرة الإسرائيليين على البدء بمرحلة جديدة نحو السلام، لكنه أدى أيضًا إلى تحطم الائتلاف الحكومى الإسرائيلى بانسحاب ستة وزراء من حزب «جاحال»، وقد تم وضع المبادرة موضع التنفيذ فى 8 أغسطس 1970 لمدة 90 يوما ولم يمتد العمر بعبد الناصر لنهاية المدة المحددة لوقف إطلاق النار، وبعد وفاته عقد الرئيس الراحل «السادات» النية على دخول الحرب وأعلن ذلك فى عدة مناسبات.


جرانيت 2
وأبرزت الوثائق التى أفرجت عنها القوات المسلحة الأيام الماضية، بعضًا مما تم خلال تلك الفترة منها ما يتعلق بالعملية «جرانيت 2» المعدلة بمنطقة البحر الأحمر، وقد جاءت إحدى الوثائق المؤرخة فى 13 أغسطس 1973، الصادرة من فرع عمليات قيادة البحر الأحمر البحرية، وهى عبارة عن أمر مهمة تهدف إلى إعادة التمركز بميناء عدن، وأوضحت الوثيقة أن العدو له بعض الوحدات بالبحر الأحمر يتمركز بعضها فى شرم الشيخ، كما يستخدم ناقلات تجارية لنقل البترول والبضائع بالبحر الأحمر، ويقوم العدو بنشاط سطح جو من آن لآخر بمنطقة سفاجا «الغردقة» برنيس، وجاء التوجيه باشتراك الوحدتين «الفاتح» و«الظافر» فى تنفيذ المهمة.


واشتملت الوثيقة على عدد من التعليمات لأمن القتال، كما نصت على التزام المجموعة بتعليمات الإشارة، بالإضافة إلى تعليمات القيادة والسيطرة، فيما جاءت وثيقة أخرى تحمل أمر مهمة جديدة مؤرخة فى 1 أكتوبر 1973، تهدف المهمة إلى التعرض لخطوط مواصلات العدو البحرية جنوب خط العرض «16 س»، حتى باب المندب باستخدام عدد 2 مدمرة، بما يمكن من تمييز جنسية السفن، وأوضحت تلك الوثيقة أن تنفيذ المهمة من خلال مغادرة المدمرتين الفاتح والظافر، ميناء عدن، بشرط عدم التأخر عن الساعة 12 يوم 6 أكتوبر، ويبدأ تنفيذ المهمة الساعة 4 عصر نفس اليوم، ويتم تنفيذ المهمة من خلال تدمير السفن التى تسحب العلم الإٍسرائيلى الحربى والتجارى بالبحر الأحمر، ولا يتم التعرض للسفن التجارية المحايدة المتجهة جنوبًا «خارجة من البحر الأحمر» .


سجلات المحادثات
واستعرضت القوات المسلحة فى عدد من الوثائق التى خرجت للنور بعد خمسين عامًا من الحرب، بعضًا من السجل الذى يدون فيه المحادثات التليفونية والحوادث الخاص بفرع العمليات فى هيئة عمليات القوات المسلحة، خلال الفترة من 1 أكتوبر إلى 6 أكتوبر 1973، حيث سجلت عددا من طلعات الاستطلاع «السطع الإلكترونى» والتحركات والاتصالات للعدو بالتفاصيل، بدقة متناهية، ويسجل فى خانة بالسجل الإجراءات التى تم اتخاذها، والجهات التى يتم إبلاغها بكل نشاط يتم تدوينه فى هذا السجل، حيث ذكرت وثيقة قيام العدو الجوى باستطلاع «سطع إلكترونى» من شمال البردويل وحتى شمال شرق بلطيم فى 1 أكتوبر، وأخرى فى 3 أكتوبر تتحدث عن «سطع إلكترونى» للعدو من شمال بورسعيد وحتى شمال مطروح، بالإضافة إلى «سطع إلكترونى» آخر للمنطقة من شمال البردويل وحتى شمال شرم الشيخ ذهابًا وعودة فى دوريتين ونصف، كما تم تسجيل ملخص النشاط البرى العادى والتحركات والدوريات، والنشاط الجوى الزائد، والبحرى المتقدم، بالإضافة إلى إبلاغ مراقبى الأمم المتحدة بأنه سيتم تفجير ألغام بجنيفة على الضفة الشرقية وتحديد التوقيت، كما ذكرت السجلات أيضًا قيام العدو بعملية «سطع إلكترونى» من شرق بورسعيد وحتى شرق أبو رديس، وطلعات استطلاع بجهة قناة السويس لليوم الثانى على التوالى.


سطع العدو
ووثقت أيضًا سجلات هيئة العمليات فى نفس اليوم 3 أكتوبر، زيادة نشاط «سطع» العدو لمراقبة نشاط قواتنا ومتابعة آخر أوضاع الدفاع الجوى لقواتنا، وعملية «سطع إلكترونى» للعدو فى المنطقة من شرم الشيخ حتى شرق بورسعيد، وعملية «سطع جوى» للعدو لتصوير منطقة كبريت فى الإسماعيلية بطائرتى فانتوم، وذكرت السجلات أيضًا أنه تلاحظ زيادة نشاط «سطع» العدو خلال هذا اليوم مقارنة بالأيام السابقة، حيث رصدت كثرة تحرك ضباط الاستطلاع لمواقع متفرقة على القناة، وإبلاغ بعض التقارير عن نتائج الاستطلاع بالكود، وظهور دوريات جديدة للعدو، واستطلاع بطائرة «هيل»، بالإضافة إلى رصد هبوط وإقلاع عدد من المقاتلات، وإرسال طائرة لنقل بعض الأفراد، وتجربة استخدام أحد المطارات التى لا يستخدمها العدو تمهيدًا لاستخدامها، بالإضافة إلى رصد نشاط لاسلكى فى شمال سيناء يكشف وجود بعض الضباط بالقرب من المياه، ورصد اتصال بين مركز إشارة العريش وضابط عمليات اللواء، ورصد ضعف النشاط اللاسلكى على شبكات القطاع، واحتمالية تعزيز الجبهة بلواء جديد يتمركز على المحور الشمالى غرب العريش.


وفى 4 أكتوبر ذكرت سجلات المحادثات، قيام العدو الجوى باستطلاع لتصوير المنطقة من السخنة حتى الفردان من 2 طائرة فانتوم، ورصد رفع درجة الاستعداد بالقطاع الأوسط، وتصوير جوى آخر من كبريت إلى الفردان، ووثقت السجلات أيضًا تنبيهًا من اللواء الجمسى بأن العدو قد يستغل انشغال قواتنا فى مشروع تحرير 41، ويقوم بأعمال عدائية ضد قواتنا خلال إفطارهم بعد قيامه بعمليتى استطلاع «سطع جوى»، وأشارت نفس الوثيقة إلى قيام العدو الجوى «بسطع إلكترونى» من الإسكندرية إلى بورسعيد ذهابًا وعودة عدة مرات، وتقرير مبدئى عن نتائج طلعة «سطع جوى» من بور فؤاد حتى الدفرسوار ولم يرصد أى أهداف جديدة سوى تأكيد موقع مدفعية بعيدة المدى شرق سرابيوم، كما وثقت السجلات نشاط تدريب جوى زائد للعدو فى نفس اليوم لعدد 206 أهداف، والتدريب على اعتراض القتال الجوى واختراق الضاحية والملاحة الجوية، وزيادة نشاط «السطع الجوى» لاكتشاف أى تغيير فى أوضاع ونشاط قواتنا مع التركيز على أوضاعها ووسائل الدفاع الجوى، مع ذكر احتمالية تدعيم العدو لقواته على المحور الشمالى .


وفى 5 أكتوبر سجلت وثائق المحادثات، تراجع النشاط البرى للعدو وتقييد التحركات مما يشير إلى احتمالية قيام العدو برفع درجة استعداد قواته، كما تم رصد عدم وجود نشاط لاسلكى للعدو على ترددات القوات الجوية الإسرائيلية، وعدم رصد نشاط جوى راداريًا، وهو ما يشير إلى احتمالية أن يكون العدو يجرى استعداداته على الأرض لتنفيذ مهام السيطرة، وتأكد من عمليات السطع عدم وجود نشاط زائد فى القطاع الأوسط، كما تم تسجيل رصد نشاط لاسلكى بين قيادة القطاع الجنوبى وقائد اللواء الذى تم رصده يوم 3 أكتوبر مع ترجيح وصول هذا اللواء إلى القطاع الجنوبى، كما سجلت الوثائق رصد عملية بحث وتفتيش بالقطاع الشمالى شرق البلاح، وتم دفع دوريتين لتمشيط المنطقة تحت إشراف أحد ضباط القطاع الشمالي، وتم رصد نشاط زائد لدوريات «سطع برادار» القطاع الأوسط وإرسالها برقيات دورية يرجح أنها عن الموقف فى الضفة الغربية.


4 أكتوبر
وذكرت السجلات تحليل نتائج طلعات «سطع» يوم 4 أكتوبر، ورصد المواقع الجديدة، ورادارات الإنذار ومحطاته الجديدة، ومحطات الإنذار والسطع الساحلي، وكشفت الوثائق عن رصد الوحدات البحرية الإسرائيلية التى بدأت فى الإبحار من قاعدتى حيفا وأشدود، منها 12 وحدة من حيفا، و3 وحدات من أشدود، مما يشير إلى استمرار التدريب على تأمين سواحل العدو، والانتشار، والتدريب على توجيه الطائرات للقيام بضربة جوية، وفى تقرير عن نفس اليوم ذكرت السجلات أن العدو نفذ 99 طلعة جوية منها 25 على البحر الأبيض، والباقى فوق سيناء، ونشاط تدريبى عادي، والاستطلاع بالتصوير أو الإلكتروني، واستعرضت السجلات أيضًا فى نفس اليوم 5 أكتوبر، توثيقًا لعودة ظهور شبكات القوات الجوية ولكن بنشاط أقل من المعتاد، مع رصد لـ 3 أهداف فوق مطار العريش، يحتمل أن تكون لاستئناف التدريب بصورة محدودة أو إعادة تمركز فى مطار العريش تحت ستار التدريب، وأشارت السجلات إلى رصد نشاط محدود لـ 15 هدفا ذا سرعات بطيئة ومتوسطة تميل لأغراض النقل والمواصلات فوق البردويل والمليز .


وفى يوم 6 أكتوبر، كشفت سجلات هيئة العمليات عن توثيق لقيام العدو فى الصباح بعدة عمليات استطلاع «سطع جوى وإلكترونى» قبل الثانية ظهرًا، منها عملية سطع بالتصوير بطائرتى فانتوم فى السويس، وأخرى سطع جوى إلكترونى من شمال بورسعيد حتى شمال بلطيم، وعملية سطع إلكترونى لطائرة يحتمل أن تكون أمريكية فى المنطقة من شمال مطروح حتى شمال بورسعيد، وبملاحظة ما سجلته تلك الوثائق يتضح أن قواتنا الباسلة كانت ترصد تحركات العدو بدقة وتعد عليه أنفاسه، وعلى الرغم من عمليات الاستطلاع والرصد والتصوير التى كان ينفذها العدو عشرات المرات يوميًا إلا أن خطة الخداع الاستراتيجى نجحت فى خداعه، ومفاجأته بالضربة الجوية التى فتحت طريق النصر وعبور قواتنا وتكبيد العدو خسائر فادحة وتحطيم أسطورة الجيش الذى لا يقهر.