«الضالة» تحمينا من مخاطر الحيوانات البرية

يقاوم الأمراض وأكثر وفاءً وذكاءً| «الكلب البلدي» يتفوق على الأجنبي!

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

هناك أشخاص جمعتهم مع كلب الشارع قصص الحب والرحمة، وحاولوا الارتقاء به، إيمانا منهم بأن لديه من الصفات ما يجعله من السلالات النقية، وأن لديه سمات مميزة فى الشكل وسرعة التعلم تمكنه من التفوق على الكلب الأجنبي فى حال أنه حظى بالعناية والرعاية، ولأنهم عشقوه عرفوا أنه ليس «مسعورا»، ولو كان كذلك لاعتزل التجمعات ومات سريعًا، فرفض هؤلاء الأشخاص ما يتعرض له هذا الكائن من إيذاء نفسى وجسدى من البعض واجتمعوا على حبه والاهتمام به وكونوا حملات ومبادرات لإنقاذه ورعايته. فى هذا التحقيق، ترصد «آخرساعة» قصص حبهم لهذا الحيوان الأليف، وأسباب تميزه عن السلالات الأجنبية، ومعرفة حقيقة خطورة عضة الكلب.

محمود عبدالمقصود، طبيب بيطري، يستيقظ دائما في أوقات متأخرة من الليل لإنقاذ كلب ينبح من الألم في الشارع أو لحماية قطة تستغيث، فمن واقع تخصصه كطبيب بيطرى وجد أن «الكلاب البلدي» بحاجة دائمة للإنقاذ من هول ما تتعرض له في الشارع من معاملة سيئة وحوادث، وقرر ألا يدخر جهدًا فى الرفق بها لتجسيد معانى الإنسانية على أرض الواقع.

وبعد شهور من اختمار الفكرة في رأسه، كوَّن فريقًا مع مجموعة من أصدقائه لإنقاذ الحيوانات وعلاجها فى «شلتر» أقامه خصيصا لاستقبالها فور سماع استغاثتها فى أى مكان وفى أى ساعة. وعلى مدار أربع سنوات قام برعاية وعلاج وإنقاذ آلاف الحالات، ولديهم الآن 270 كلبًا ضالا تحصل على رعاية كاملة، بجانب الحالات التى يتابعونها يوميا، ولأن مساحة الشلتر محدودة، يضطر أحيانا لتبنى حالات في منزله، واستضافة الحالات الخطرة داخل غرف عزل متخصصة فى الشلتر لتلقى العلاج وحتى التماثل للشفاء، وما يتمناه الآن هو امتلاك مكان أكبر لاستيعاب حالات أكثر.

◄ تصدير الكلاب الضالة
وبسبب وجود سلوكيات خاطئة تمارس ضد كلاب الشوارع خشية أن تكون مصابة بـ»السُعار»، فقد انتشرت مؤخرًا ظاهرة تصدير الكلاب الضالة لبعض الدول آكلة لحوم الكلاب، ودول أخرى تستوردها للحراسة بسبب وفاء الكلب البلدى وصلابته ومقاومته للأمراض.

ويوضح: لأن السعار يعد بالفعل من أخطر الأمراض التي قد تُصاب بها الحيوانات ذات الدم الحار، حرصتُ على طمأنة المواطنين من خلال المبادرة التى أطلقتها، ليعرفوا أن الكلب المصاب بالسعار تظهر عليه أعراض واضحة تمامًا، مثل البُعد عن التجمعات والامتناع عن الطعام والشراب، كما أنه يموت فى غضون أيام، فالسعار مرض لا علاج له ويؤدى للموت، كما يمكن الوقاية منه عن طريق التطعيمات، مؤكدًا أنه لا داعى للخوف، فسلالة الكلب البلدى بعيدة تماما عن هذا، بل إنه يتمتع بقدرة عالية على مقاومة الأمراض، وأيضا يحقق توازنا بالبيئة.

يضيف: أعراض مرض السعار تتشابه أحيانا مع أمراض عصبية أخرى، ولأنه لا توجد وسيلة طبية تثبت إصابة الكلب بالسعار سوى تحليل عينة من الحبل الشوكى بعد وفاته، لابد أن يحصل كل إنسان تعرض لعضة كلب على المصل الخاص بالسعار فى شكل خمس جرعات خلال شهر، حتى إن كان الكلب غير مصاب بالسعار، وذلك من أجل الوقاية، فهى جرعات تمثل حماية للإنسان لمدة ثلاث سنوات.

◄ اقرأ أيضًا | الجديد في المستشفيات.. عضة القط والفأر!

◄ رابطة «محبي الكلاب»
ثانى قصة حب كانت لنجلاء البنهاوي، حيث رأت جروًا صغيرًا فى منطقتها النائية، وقررت إنقاذه من الشارع وتبنته بمنزلها وكان سببًا فى تعلقها بالكلاب وإطلاقها مبادرة «اتبنى كلب بلدي» فى الإسكندرية، ثم أسست «رابطة محبى الكلاب البلدي»، مستنكرة أن هواة اقتناء الكلاب دائماً يبحثون عن السلالات الأجنبية فى حين أن الكلب البلدى لديه سمات مميزة، وأكدت أن صاحب الكلب إذا قام برعايته واهتم بنظافته وتطعيمه ضد الأمراض، سيجد أمامه ما يبحث عنه فى الأنواع الأخرى سواء فى الشكل أو سرعة التعلم والذكاء، بل إن هذا الكلب البلدى يتفوق على نظيره الأجنبي، لافتة إلى أن بعض الأجانب تبنوا كلابًا من شوارعنا وقدموا لها الرعاية وأخذوها معهم إلى الخارج. وتساءلت: «ما المانع من اقتناء كلب الشارع بعد تحصينه بالتطعيمات اللازمة؟».

◄ إنقاذ سريع
وما إن قامت نجلاء بنشر مبادرتها لتبنى الكلاب البلدى فى الإسكندرية، حتى لحقها عمرو محمد، وبدأ يعمل على تكاتف محبى الكلاب لإطعامها ورعايتها فى مناطق مختلفة بالقاهرة، من خلال تنظيم حملات لعلاج وإطعام الكلاب البلدي، وتقديم التوعية بكيفية التعامل معها ورعايتها. ويقول عمرو: «ذات مرة وأثناء تجولى فى الشوارع، رأيت جروًا يتضور جوعًا، وحين أطعمته أخذ الجرو يلهو ويلعب معى كالأطفال، ثم ذهب فى نوم عميق على يدي، وهو موقف لا يمكن أن أنساه، ومن هنا أصبح لديّ دافع قوى لتكوين حملة لإنقاذ الكلاب البلدى من الإيذاء النفسى والجسدى الذى تتعرض له فى الشوارع».

ويوضح عمرو: «بدأت الحملات منذ 10 سنوات بجهود ذاتية لرعاية الكلاب البلدى بجميع مناطق القاهرة والطرق الصحراوية، لمساعدة الحالات التى تحتاج لعلاج أو طعام، مع إتاحة حلقة وصل عن طريق السوشيال ميديا للوصول لحالات لديها مشكلات صحية بسبب تعرضها للحوادث، واستطعنا إنقاذ حالات كثيرة فى حدود إمكاناتنا المتاحة، والبعض تم إلحاقه بالشلاتر والجمعيات».

◄ مناطق خطرة
فى المقابل، شهدت بعض المناطق تعرض مواطنين للعَقر من الكلاب فى الفترة الأخيرة، وهو ما تحدث عنه عبدالفتاح الصباحى من سكان منطقة المقطم، ووصف لنا تزايد حالات عقر المواطنين فى المنطقة، وشكاوى سكانها من انتشار الكلاب الضالة وتسببها فى خوف النساء والأطفال، ولنا أن نتخيل ذعر الأطفال الأكثر ضعفا أمام الهجوم المتكرر للكلاب، وأصواتها التى تسبب إزعاجا مستمرًا. بينما تروى خلود مصطفى، من سكان نفس المنطقة، واقعة هجوم أخرى لأحد الكلاب على طفل لولا تدخل الأهالى فى الوقت المناسب، كما جددت حادثة الطبيبة التى توفيت بسبب أزمة قلبية أصابتها نتيجة لهجوم الكلاب الضالة عليها بنفس المنطقة المشكلة من جديد، وضرورة البحث لها عن حلول.

وما بين محبين للكلاب ومتخوفين ومذعورين منها، تحدثنا دينا ذوالفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان، عن أزمة الكلاب الضالة وعن وضع عدة حلول لها  ضمن استراتيجية 2030 المستدامة المقرة لجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، ومنها مصر، حيث أُقِر بها أن الحلول تقوم على تطعيم الكلاب للوقاية من الأمراض والحفاظ على صحة الإنسان، أما التعقيم فيتم فقط فى الأماكن التى بها زيادة فى أعداد الكلاب، واضعين فى الاعتبار أن تواجد الكلاب حول المناطق السكانية يعتبر ضرورة لأنها تقوم بحراسة المنطقة وحماية السكان من الحيوانات البرية التى قد تظهر وتتكاثر فى حالة غياب الكلاب.

◄ اختلاط السلالات
أما الأمر الثالث والأكثر أهمية فهو توعية المواطنين بكيفية التعامل مع الكلاب الضالة، والرفق بالحيوان، لافتة إلى أن السلوكيات الخاطئة للمواطنين فى طرق التخلص من الكلاب لابد من تغييرها وأنها غير متوافقة مع حجم المشكلة، بالإضافة لما تتضمنه من عنف.

وتؤكد أنه لا توجد إحصائيات محددة لأعداد الكلاب فى مصر، وأن الإحصائيات التى قدرت أعداد الكلاب بالشوارع بـ15 مليونًا غير دقيقة، مشيرة إلى أن سلالة الكلب البلدى من أفضل السلالات، ولذلك لابد من اتجاه المسئولين للحد من تداول السلالات الأجنبية بمحلات بيع الحيوانات، والانتباه لتسرب البعض منها بالشوارع بعد الفشل فى بيعه ما يؤدى لاختلاط السلالات، موضحة أننا بحاجة للتوعية والتشجيع على اقتناء الكلاب البلدى عن طريق رفع رسوم تراخيص اقتناء الكلاب من السلالات الأجنبية فى مقابل اقتناء الكلاب البلدى بأسعار رمزية، لافتة إلى أن متوسط عمر الكلب فى الشارع من عام ونصف إلى عامين، أما الكلب الذى يتم تربيته فى المنزل متوسط عمره من 14 إلى 15 سنة.

فيما تؤكد مى بكري، أخصائى طب وجراحة الحيوان، أن الكلاب لها فترات للتزاوج بفصلى الربيع، والخريف حيث يمكن أن يولد حوالى 10 كلاب فى المرة الواحدة، وقد لا يعيش جميعها، إلا أن ذلك يتسبب فى زيادة أعداد الكلاب بالمناطق السكانية، لذلك فإن التعقيم يمكن اتباعه بالمناطق التى تكثر بها أعداد الكلاب، ولكن الأصل هو التطعيم لمجابهة المشكلة وليس التعقيم كما يُشاع لتفادى حالات العقر، مؤكدة أنه يمكن وضع خطة لمواجهة الظاهرة من خلال تعقيم الكلاب بالمناطق السكانية التى تشهد أعدادا كبيرة من الكلاب عن طريق الأطباء البيطريين حديثى التخرج، موضحة أن إجراء جراحة التعقيم لا تتجاوز 10 دقائق للكلب الذكر، وقد تصل إلى نصف ساعة للأنثى.