تدمير 300 ألف شقة ومساحات زراعية شاسعة وتخريب المستشفيات

قوات الاحتلال تستهداف الأسواق والمنطقة الصناعية ومراكب الصيد

قوات الاحتلال تشعل الحرائق بمراكب الصيد والمباني على ساحل غزة
قوات الاحتلال تشعل الحرائق بمراكب الصيد والمباني على ساحل غزة

عمد الاحتلال الإسرائيلى إلى تدمير المدينة الصناعية التى تعد عصب الصناعة فى مدينة غزة، خاصة أنها تلعب دوراً استراتيجياً فى الإنتاج والتشغيل، واستهدفت عمليات توغل الدبابات الإسرائيلية داخل شمال غزة الأسواق والمحلات والمولات التجارية ومراكب الصيد، وكذلك المحلات التى تبيع الوجبات والمواد الغذائية، ولم يعد هناك أسماك أو دواجن أو لحوم يمكن الاعتماد عليها لتجهيز وجبات للأطفال.

وقد خلق ذلك الواقع المأساوى فجوة واسعة بين الأسعار المرتفعة وغير المسبوقة للسلع والبضائع القليلة، وبين القدرة الشرائية المحدودة للفلسطينيين فى قطاع غزة، الذين يُعانون ظروفًا اقتصادية سيئة ، وذلك بفعل تأثيرات الحرب التى ألقت بظلالها السلبية على مختلف نواحى الحياة.

ووسط ركام المبانى انتشر الباعة الجائلون بعد تدمير المحلات ونفاد كل ما فيها من بضائع، حيث يتم بيع الدقيق والأرز لكثرة الطلب عليها، بينما اختفت باقى السلع لنفادها وعدم تواجدها فى الأسواق.

وقال «أبو حامد» من خان يونس: «إن مقومات الحياة لم تعد موجودة ، حيث نبحث كثيراً طوال ساعات اليوم للحصول على الدقيق أو الأرز لسد حاجة الأطفال للطعام، والسلع الضرورية الموجودة فى الأسواق أسعارها مرتفعة جدًا، ولم يعد لدى القدرة على الشراء لنفاد النقود.

وأوضح «أبو مسعود»، أن الحرب غيرت معالم الحياة واستهدفت فئات بعينها وكل همه أن يقتات طعام يومه، وقد نزح مع أسرته من مناطق الشمال دون أن يحمل معه أى متاع وخرج بشق الأنفس لعدم وجود مواصلات واستمرار عمليات القصف.

وتابع: «تعبنا من البحث عن لقمة العيش ، كما لم نتمكن من شراء البلاستيك لحماية الأطفال من البرد، ولذا أخشى على أطفالى من الموت».

وأضاف: «نحن غير قادرين على التصرف فى المناطق التى نزحنا إليها برفح، خاصة بعد أن نفدت الأموال التى كانت بحوزتنا فكل شىء ارتفعت أسعاره عدة أضعاف، وأملنا العودة إلى منازلنا فنحن نمتلك القدرة على تدبير أحوالنا وأمورنا» .

وأكد «أبو ركبة» من النصيرات، أن أسرته تعرضت لمعاناة شديدة، إذ لم يحصل أفرادها على رواتبهم، فى الوقت الذى ترتفع فيه أسعار السلع بشكل مُبالغ فيه، مُقارنة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة للنازحين.

وأصبح أبو ركبة، فى حيرة كبيرة وهو يتجول فى السوق الشعبى الخاص بمخيم النصيرات، من دون أن يجد ما يمكن شراؤه لسد رمق أسرته، فى ظل ندرة وجود السلع والمواد الغذائية من جهة، وارتفاع أسعار البضائع من جهة أخرى.

وأشار « أبو تيسير» من رفح، إلى أنه لم يعد يحكم الأسواق قاعدة العرض والطلب، حيث تشهد الأسواق فى قطاع غزة حالة غريبة وهى تقسيم بعض السلع التى طالها الغلاء، وعلى سبيل المثال يلجأ التجار إلى تفريغ أكياس الطحين الكبيرة، التى كان يُباع الكيس 25 كيلوجراماً بما يعادل 500 جنيه، إلى أكياس صغيرة لا تتجاوز كيلوجرام، بما يعادل 300 جنيه.

ولأن مئات الفلسطينيين، فقدوا مهنتهم فقد وقف الشاب فتحى، أمام مقلاة زيت لإعداد الطعمية لتوفير لقمة العيش لأسرته وأطفاله الذين لا تتوقف طلباتهم يومياً، خاصة بعد أن كان يعمل «نجار»، بسبب تدمير ورشته ضمن سلسلة منازل طالها التدمير.

وأضاف: «أملنا أن نعود إلى ديارنا لنقيم فى خيمة أمام الركام كى نستمد القوة والعزيمة على استمرار الحياة ورفع الانقاض وإعادة البناء من جديد، فقد نزحنا من منطقة المغازى إلى خان يونس ومنها إلى رفح».

أما الشاب شادى، الذى فقد مهنته فى محال البناء ، فقد اضطر إلى أن يبيع الشاى وسط الشارع برفح رغم البرد القارس، لتدبير دخل يعينه على شراء احتياجات الأسرة، حيث يقوم بعمل الشاى على نار الحطب، بعد أن كان يعمل باليومية فى طائفة البناء لكن توقف كل شيء فى الوقت الذى تتطلب أسرته احتياجات أساسية من الطعام.

وفى نفس السياق، طالت عمليات التدمير نسبة كبيرة من مراكب الصيد وكذلك اللنشات الكبيرة، والتى تحولت بعضها إلى حطام وأخرى تحولت إلى رماد بسبب اشتعال النار فى المراكب، حيث يبكى الفلسطينيون على أطلال مراكبهم التى كانت مصدر رزق لهم، لأن قطاعًا كبيرًا من الفلسطينيين يعتمد على مهنة الصيد كمصدر دخل لهم، كما لاحقت إسرائيل الصيادين فى أرزاقهم ، ومنعهم من النزول إلى البحر لممارسة نشاط الصيد.

ويخاطر بعض الصيادين بحياتهم رغم القصف الإسرائيلى العنيف، وينزلون إلى البحر لصيد الأسماك، لعلّهم يجدون ما يسدون به رمق أطفالهم، فى ظل الحصار الخانق المفروض والذى حرمهم كل مقومات الحياة الأساسية.

من ناحيته، طالب نزار عياش، نقيب الصيادين الفلسطينيين، بالعمل الفورى على وقف الحرب ورفع الحصار وترميم مراكبهم، لأن الصيادين لا يقدرون على إصلاح مراكبهم، حيث يمنع الجيش الإسرائيلى منذ سنوات إدخال المواد والأجهزة الأساسية الضرورية لعمل قطاع الصيد الذى يضم 1500 قارب للصيد مختلفة الحجم.

وقال زكريا بكر، مسئول قطاع الصيد فى اتحاد العمل بغزة، إن إسرائيل سعت إلى تدمير قطاع الصيد وإفقاد غزة مصدر أمن غذائى مهم جدًا بالنسبة لأكثر من مليونى نسمة، وذلك بتدمير القوارب.

واتهم بكر الاحتلال بالسعى إلى إفقاد الفلسطينيين السيادة على مصدر الأمن الغذائى المتمثل بالثروة السمكية.

وتشير البيانات المنشورة إلى أنه يبلغ عدد القوارب المخصصة للصيد فى جميع محافظات قطاع غزة 2500 مركب صيد، وينتفع من العمل عليها أكثر من 10 آلاف صياد، بينهم 4 آلاف مسجلون لدى نقابة الصيادين.

ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية إلى جانب بيانات نقابة الصيادين فى قطاع غزة، فإنّ أكثر من 300 قارب معطلة كلياً ومتوقفة عن الإبحار، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من مراكب الصيادين تواجه أعطالًا تمثل خطورة على حياة الصيادين.

وفي نفس السياق، عمد الاحتلال الإسرائيلى إلى تدمير المدينة الصناعية التى تعد عصب الصناعة فى مدينة غزة، حيث يتم التدمير فى إطار المنهجية، التى أطلقتها آلة الحرب الإسرائيلية لاستهداف كل مظاهر ومقومات الحياة فى قطاع غزة الذى يتعرض إلى حرب إبادة جماعية. وأكدت هيئة تشجيع الاستثمار والمدن الصناعية فى فلسطين، أن الاحتلال قام بتدمير أكثر من 300 ألف وحدة سكنية كلياً أو جزئيًا ومساحات زراعية شاسعة، إضافة إلى تخريب البنية التحتية والمستشفيات.