يقول المؤلف فى مقدمة كتابه فى عام 1996 ذهبتُ لإجراء حوار مع القيادى الإخوانى الدكتور فريد عبدالخالق لجريدة الرأى العام الكويتية، والذى شغل منصب السكرتير الخاص لحسن البنا ورئاسة قسم الطلبة بالجماعة فى الأربعينيات من القرن الماضى بعد أن عرفت من محاضر التحقيقات فى قضية تنظيم 1965 أن فريد عبدالخالق كان أول من حذر سيد قطب فى السجن من إحياء التنظيم السرى للإخوان أو الاتصال بمجموعة الخمسة التى شكلت النواة الأولى لتنظيم 65، وتعرض لهجوم من شباب الجماعة بعد أن ووصفهم بـ«المهووسين»، وكان آخر من تكلم مع سيد قطب قبل نقله بعيدا عن السجناء تمهيدًا لإعدامه، وكان يهمنى أن أعرف ماذا قال سيد له قبل أن ينقل لغرفة انفرادية قبل إعدامه، وكان مفاجأة لى اعتراف سيد قطب له بأنه تعرض للخديعة!!.
بعد مرور ستة أعوام على نشر الحوار وتحديدا فى عام 2002 جاءه رد من 12 ورقة كلها سب وقذف فى حقى من قبل الدكتور عصام تليمة حامل أختام الشيخ القرضاوى ومدير مكتبه بالدوحة حيث يقيم الشيخ القرضاوى؛ وذلك ردا على نشرى سلسلة حلقات فى جريدة الراية القطرية تحت عنوان «ما لم يذكره الشيخ عن علاقة عبدالناصر والإخوان» ردا على حلقات القرضاوى التى كان ينشرها فى جريدة الوطن القطرية عن علاقة عبدالناصر والإخوان.
<<<
وفى رده قال: تابعت الحلقات التى كتبها الأخ الصحفى حمادة إمام ويبدو أنها مشروع رواية أو قصة أو مسلسل أو مسرحية ينوى كتابة فصولها، ويبدو أنه متأثر فى كتابته باللواء فؤاد علام على بُعد ما بينهما فى السن والتناول، ولعله تقمّص شخصية محمد حسنين هيكل على بُعد ما بينهما كذلك فى السن، فراح يتكلم ويحلل معتمدًا على أم رأسه دون مرجعٍ أو مصدرٍ وكأنه عاش الأحداث بعينه وهو ابن اليوم، ولا أدرى كيف لمن ولد بعد سنوات أن يتكلم ويروى شهادة منه على عصر لم يعش أحداثه، ولم أجد ما يشجعنى على الكتابة والرد إلا أننى رأيت الأخ الصحفى يُزوِّر ويُدلِّس أحداث التاريخ، بل ويلوى أعناق الأحداث ليفسرها على هواه، كما شجعنى أيضا المساحة التى أفردتها له جريدة الراية رغم خلو المادة من الموضوعية والمصداقية البحثية، وهو أمر يدعو للتعجب.
<<<
لم أهتم باتهامات تليمة حيث تكفّل الزمن بتعريته، ونال جزاءه عن تطاوله على شخصى من داخل الجماعة ذاتها هو وشيخه القرضاوى، وتعرضا سويا لسب وقذف واتهامات شملت كل صنوف البذاءات والاتهامات أقلها «فجور وخيانة للأمانة ونفسنة من القرضاوي»، وذلك عام يناير 2023 عندما حاول الاقتراب من كتاب ظلال القرآن وعمل مراجعة له وإعادة طبعه لحساب دار الأصول العلمية للنشر، وقتها قامت قيامة الجماعة وتحول تليمة إلى ميدان رماية لضربات ومدفعية الجماعة، تليمة لم يكن أول من حاول الاقتراب من ظلال سيد قطب واحترق فقد سبقه القرضاوى الذى حاول الاقتراب من ظلال سيد، فكانت النتيجة أن فتحت عليه كل الأسلحة الثقيلة والحملات المنظمة، فعندما انتقد القرضاوى سيد قطب فى فكرة تكفير المجتمع، قيل عنه إنه: «مش فاهم كلام سيد قطب، وأنها نفسنة من القرضاوى على سيد، ولن تمر على القرضاوى بخير، هجومه على الشهيد».
<<<
فى 16 فبراير 1985 نشرت جريدة «المسلمون» الأوراق التى كتبها سيد قطب فى أيامه الأخيرة بالسجن فى مقدمة النشر أكد الناشر «حافظ هشام ومحمد على حافظ» أن.. الوثيقة التى كتبها شهيد الإسلام (سيد قطب) ناقصة وغير كاملة مع التأكيد أن هذه الوثيقة هى وبلا شك بخط الشهيد سيد قطب.
<<<
بمجرد نشر الوثيقة فى جريدة «المسلمون» طال الاتهام وراء تسريب الأوراق المرحوم الأستاذ هيكل البعض اتهمه مباشرة ببيعها لجريدة الشرق الأوسط والبعض قال إنه أعطاها لبعض تلاميذه وتحديدا فهمى هويدى!!.
<<<
محمد حافظ دياب فى كتابه «سيد قطب الخطاب والأيديولوجية» يقول: إن الكاتب الصحفى المرحوم صلاح قبضايا قال:
محمّد حسنين هيكل أعطى بعض تلاميذه بعض وثائق العهد الناصرى لدراستها وتحليلها، وكان ممّا أعطاهُ للكاتب فهمى هُويدى هذهِ الوثيقة الذى عرض نشرها فى جريدة «المسلمون» بمقابل كبير وبالفعل نُشرت.
<<<
المفاجأة التى يفجرها المؤلف أن فهمى هويدى لم يستخدم المبدأ الذهبى فى مثل هذه الحالات «اسمع كثيرا واتكلم قليلا» وإنما سألنى ماذا قال صلاح قبضايا فقلت: أنك حصلت على الوثيقة من هيكل وبعتها للمسلمين فقال: نعم أنا حصلت على الأوراق من الأستاذ هيكل، ولكن للأمانة هذه الأوراق كانت ناقصة، وليست كل ما كتبه سيد قطب لأن الأستاذ هيكل قام بحذف الكثير منها، وظنى فى ذلك أنه كان لحماية وحفظ صورة النظام الناصرى؛ حيث غلبه انتماؤه السياسى، وأن هذا الأمر أفقد الأوراق قيمتها وبعد ذلك عرضتها فى لندن جريدة «المسلمون» والذين احتفوا بها دورى انتهى عند هذه المرحلة ولم أشارك فى نشرها، ولم يكتب اسمى على الحلقات.
يقول شمس بدران فى شهادته والتى نشرها الزميل حمدى الحسينى
ص 48: فى يوليو عام 1965 تلقت التحريات العسكرية فى الإسكندرية بلاغًا من سائق شاحنة يُدعى الشيشينى، كان أحد المشاركين فى عملية اغتيال أمين عثمان مع الرئيس السادات والقيادى الإخوانى حسين توفيق، الشيشينى قال فى بلاغه: إن توفيق قابله قبل أيام وحضه على المشاركة فى اغتيال عبدالناصر؛ لأن نهجه السياسى هو الوحدة العربية كيف ما كان وبأى شكل، ولقد بدأ بالوحدة مع سوريا، ولكن الوحدة الحقيقية بالنسبة إلى مصر لا تتحقق إلا مع السودان وليبيا، وطلب توفيق من الشيشينى شراء قنابل يدوية وبعض الأسلحة استعدادًا لتنفيذ العملية.
<<<
بعد عرض البلاغ على عبدالناصر، استدعانى على الفور، ثم كلفنى بالتحقيق فيه والتعامل مع المخطط، وتعاملت مع الأمر بمنتهى الجدية، وبدأت فى تتبع البلاغ الذى تبين صدقه، ووضعنا أيدينا فى هدوء على صناديق القنابل والسلاح، والذى تبين أن مصدره مخازن القوات المصرية فى اليمن، ونجح بعض المجندين فى إعادته إلى مصر وإيصاله إلى أفراد محسوبين على جماعة الإخوان.
<<<
اتفقتُ مع عبدالناصر على أن يكون السجن الحربى المكان المناسب لحجز المتهمين فى هذه القضية، باعتباره الأكثر تحصينًا وتأمينًا، طالما أن من يحقق هو طرف عسكرى وليس مدنيا.
كنت على اتصال دائم ومباشر بالرئيس عبدالناصر، أطلعه أولًا بأول على التحقيقات واعترافات المتهمين، لأنه كان منشغلًا بفكرة استهدافه، ومحاولة اغتياله.
<<<
شهادة شمس بدران تطرح السؤال هل اعترف سيد قطب كتابة وبكامل إرادته بالجرم وإذا كان اعترفا فما هى الأسباب وراء اعترافه بسهولة؟
سيّد قُطب كان يأمل أن يُطلَق سراحهُ خصوصا أنّ الحكومة العراقيّة بدأت تتحرّك بهذا الاتّجاه..
وقد سبق وأن نجح الشيعة العراقيون فى إطلاق سراحه والإفراج عنه سنة 1964 بوساطةٍ من الرئيس العراقى آنذاك عبدالسلام عارف بعد الحكم علية بالسجن 15 عاما عام 1954 فى قضية محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية والتى قضى منها عشر سنوات،
وعن الكيفية التى خرج بها يكشف الدكتور سيد بن حسين العفانى فى كتابه «زهر البساتين من مواقف العلماء والربانيين»، أول تدخل شيعى لإنقاذ سيد قطب والإفراج عنه بعد الحكم عليه عام 1954 فى حادث المنشية حيث يقول:
<<<
على لسان اللواء محمود شيت المفكر الإسلامى المعروف ووزير الأشغال والشئون البلدية العراقية أنه كان بصحبة عبدالسلام عارف فى القاهرة، وطلب من عارف أن يتوسط لدى صديقه لإخراج قطب من السجن، وبالفعل تحدث عارف مع ناصر ووافق، ويذكر شيت أنه طلب من عبدالناصر أن يسمح له بزيارة سيد فى سجنه ليبشره بالقرار فسمح الرئيس بذلك، وجاءت سيارة من القصر حملت شيت إلى السجن، وهناك قال له، أبشرك بالإفراج عنك قريبا جدا، وقص عليه وساطة عبدالسلام عارف.
<<<
لماذا أعترف؟
بلغ عدد صفحات الذى كتبها سيد قطب 62 صفحة قسمها إلى ثلاثة أجزاء الجزء الأول تضمن تمهيدًا أما الجزء الثالث فقد كان خاتمة لكلامه شملت مخلصًا لما كتب وتبريرًا له وما بين المقدمة والخاتمة كان الجزء الثانى وهو الأخطر ليس لأنه تضمن أدق التفاصيل ولكن لأنه طلب فيه من المحقق أن يرجع لسؤال قادة التنظيم فى أمور مثل أسماء من حضروا أو شاركوا.
«محاولة تذكر الأسماء تسبب لى إجهادًا شديدًا، وتستغرق وقتًا طويلا يمنعنى عن المضى فى التقرير للوصول إلى الوقائع الأخيرة»، حتى يتفرغ هو لكتابة الحقيقة من وجهة نظرة وبعد نقاش طويل اعترف بكل شىء من دون أى ضغط، وكان متعاونا وفقا لكلام المحقق أكثر مما متوقع ملتمسًا العفو من رئيس الجمهورية.
فى 22 أكتوبر 1965 كانت الصفحات قد سلمت لوزير الحربية فى ذلك الوقت شمس بدران وصورة منها إلى مكتب الرئيس جمال عبدالناصر الذى كان حريصًا على متابعة التحقيق أولا بأول، وكان صاحب فكرة أن يعيد سيد كتابة اعترافه مرة أخرى بعد أن كتب اعترافا إجماليا فى 30 ورقة إلا أن معرفة عبدالناصر الشخصية به وتركيبته النفسية وآليات فى التفكير كانت تؤكد أن هناك الكثير الذى يخفيه، وما بين رفض عبدالناصر للاعتراف الإجمالى وثقة سيد بأن الوسطاء سوف يتدخلون للإفراج عنه أعاد كتابة الاعتراف بشكل تفصيلى ليصل إلى 62 ورقة،
<<<
فى 22 أكتوبر سنة 1965 كان سيد قطب قد انتهى من كتابة اعترافه كاملا وسلمه لوزير الحربية فى ذلك الوقت شمس بدران ودون أن يسأل فى محضر جمع استدلال شأنه شأن باقى المتهمين فى القضية فلم يجلس أمام ضابط التحريات العسكرية ولم يسأل كيف ولماذا وأين ومتى وإنما طلب أقلاما وأوراق، وكتب بخط يده كل شىء من البدايات حتى يوم القبض عليه!!.
لكن لماذا لم يسأل سيد قطب فى محضر رسمى وفقا للشكل القانونى لمحاضر جمع الاستدلالات التى يتبعها إحالة ملف إلى النيابة لتبدأ تحقيقها للوصول إلى الحقيقة؟
<<<
شمس بدران وزير الحربية يجيب على هذا التساؤل فى شهادته بعد نقاش طويل مع سيد قطب اعترف بكل شىء من دون أى ضغط، لا منى ولا من أى ضابط آخر، بل كان الرجل متعاونًا معنا بدرجة أكثر مما كنا نتوقع، وطلب أن يكتب بنفسه القصة الكاملة للقضية من وجهة نظره، ملتمسًا العفو من رئيس الجمهورية.
على مدار أيام عدة ظل يكتب كل ما يتذكره من أحداث وأشخاص، فى مصر انتهت شهادة شمس بدران عن اعتراف سيد قطب؟ ولكنها شهادة تطرح تساؤلات أكثر ما تقدم إجابات فلأول مرة يترك للسجين الحرية فى اختيار شكل التحقيق معه، ويسمح له باستخدام الورقة والقلم وأن يكتب ما يشاء دون أن يسأل تساؤلات كثيرة قال عنها سيد فى افتتاحية كتابه الاستجواب:
<<<
لقد كتبت بيانا مجملا قبل هذا تنقصه تفصيلات كثيرة، كما تنقصه وقائع وبيانات كثيرة. ولقد أسيء فهم موقفى وتقدير دوافعى فى كتابه ذلك البيان على ذلك النحو. وأرجو أن يكون فى هذا التقرير الجديد المفصل ما يفى بالمطلوب وما يجعل موقفى مفهوما على حقيقته.
والله يعلم أننى لم أكن حريصا على نفسى ولا قصدت تخليص شخصى بذلك الإجمال. ولكننى ويجب أن أعترف بذلك كنت أحاول أولا وقبل كل شىء حماية مجموعة من الشباب الذى عمل معى فى هذه الحركة ولكنى الآن وقد بينت أن هذا الشباب قد قرر كل تفاصيل أدواره الخاصة والعامة، وإننى أنا لا أدل عليهم بشىء، فقد ارتفع الحرج عن صدرى فى ذكر كل التفاصيل، مع محاولة ترتيبها ترتيبا زمنيا بقدر الإمكان. فإذا غاب بعضها عن ذاكرتى فيمكن السؤال عنها وتذكيرى بها عن طريق أفوال مجموعة الشباب الخمسة أو غيرهم ممن ورد فى أقوالهم شىء عنها. والترتيب الزمنى التاريخى هو خير وسيلة تساعدنى على التذكر.