حمادة إمام يكتب: في الذكرى ال71 لثورة يوليو 

حمادة إمام
حمادة إمام

شهر عسل قصير بين الجماعة والضباط الأحرار 
في يونيو عام 1952 صدر تقرير عن الخارجية البريطانية تحت عنوان «مشكلة القومية» رصد مخاطر المد القومي على المصالح البريطانية، بالإضافة الى ذلك كان تقرير السفارة البريطانية فى مصر قد  انتهى الى الاطمئنان   لعدم جدية الإخوان في شن هجوم على التواجد البريطاني بمصر، وأن بعض العمليات التي قام بها الإخوان ضد الإنجليز هى نتاج عدم انضباط داخل الجماعة ووجود تضارب بين سياسات القادة.
بعد شهر من صدور هذا التقرير قامت  ثورة يوليو ولم يصدر أي بيان رسمي بالتأييد عن جماعة الإخوان للثورة  خلال الأيام من 23 إلى 26 يوليو وهو يوم طرد الملك من البلاد وتصادف ان مرشد الجماعة كان متواجد فى الاسكندرية فى ذلك الوقت والتزم الصمت .

حمادة إمـام يكتب
صدر اول تأييد رسمي من الإخوان المسلمين للثورة والضباط الأحرار بعد عودة المستشار حسن الهضيبي المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين من الإسكندرية، وذلك في بيان رسمي نشرته مجلة الدعوة في 29 يوليو 1952م

وقد جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((وبعد.. في الوقت الذي تستقبل البلاد فيه مرحلة حاسمة من تاريخها بفضل هذه الحركة المباركة التي قام بها جيش مصر العظيم، أهيب بالإخوان المسلمين في أنحاء الوادي أن يستشعروا ما يلقي عليهم الوطن من تبعات في إقرار الأمن، وإشاعة الطمأنينة، وأخذ السبيل على الناكثين ودعاة الفتنة، ووقاية هذه النهضة الصادقة من أن تمس روعتها وجلالها بأقل أذى أو تشويه، وذلك بأن يستهدفوا على الدوام مثلهم العليا، وأن يكونوا على تمام الأهبة لمواجهة كل احتمال.

والإخوان المسلمون بطبيعة دعوتهم خير سند لهذه الحركة يظاهرونها، ويشدون أزرها حتى تبلغ مداها من الإصلاح، وتحقق للبلاد ما تصبو إليه من عزة وإسعاد.وإن حالة الأمن لتتطلب منكم بوجه خاص أعينًا ساهرة ويقظة دائمة؛ فلقد أعدتكم دعوتكم الكريمة رجالاً يُعرفون عند الشدة، ويلبون عند أول دعوة، فكونوا عند العهد بكم، والله معكم.
وستجتمع الهيئة التأسيسية في نهاية هذا الأسبوع بإذن الله لتقرر رأي الإخوان فيما يجب أن تقترن به هذه النهضة المباركة من خطوات الإصلاح الشامل ليدرك بها الوطن آماله، ويستكمل بها مجده ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج:40)، والله أكبر ولله الحمد.))

توقيع 
المرشد العام حسن الهضيبي
اختلفت الثورة فى بدايتها مع على ماهر رئيس الوزراءفى ذلك الوقت ، وقرر مجلس القيادة أن تتولى الثورة نفسها تشكيل الوزارة برئاسة محمد نجيب على أن يكون للإخوان المسلمين فيها وزيران، واتصل عبد الحكيم عامر ظهر يوم 7 سبتمبر 1952 بالمرشد العام

والذى رشح   الشيخ أحمد حسن الباقورى عضو مكتب الإرشاد وأحمد حسنى وكيل وزارة العدل. 

بعد ساعات حضر إلى مبنى القيادة بكوبرى القبة حسن العشماوى ومنير الدلة، وقابلا جمال عبد الناصر، وقالا إنهما قادمان ليدخلا الوزارة، فهما موفدان من المرشد العام ليبلغاه أن مكتب الإرشاد قد اختارهما لتمثيل الإخوان فى الوزارة، أما الترشيح الأول فكان ترشيحًا شخصيًّا للمرشد العام.
 

اتصل عبد الناصر بالمرشد العام ليستوضح منه الموقف على ضوء ما وقع فعلا من إبلاغ الشيخ حسن الباقورى بما حدث، ورد المرشد العام أنه سيدعو مكتب الإرشاد للاجتماع فى الساعة السادسة، وسوف يرد على عبد الناصر، ولم يتصل المرشد العام بعبد الناصر. 

عاد عبد الناصر واتصل به ليستفسر منه عن الموقف، فقال له إن مكتب الإرشاد قد قرر عدم الاشتراك فى الوزارة، الا ان عبد الناصر نبه الى الى مجلس قيادة الثورة قد اتصل 
بالباقورى، وسيحضر لحلف اليمين 

الهضيبى رد عليه قائلا: نحن نرشح بعض أصدقاء الإخوان، ولا نوافق على اشتراك الإخوان فى الوزارة وعندما كانت الصحف تنشر فى اليوم التالى نبأ تشكيل الوزارة الجديدة التى ضمت الشيخ أحمد حسن الباقورى وزيرا للأوقاف كان مكتب الإرشاد يجتمع ويقرر فصل الباقورى من الإخوان.

أستدعى جمال عبد الناصر    نهاية  عام 1953    القيادى الإخوانى حسن العشماوى لمبنى قياده الثورة ووضع أمامه كافة التقارير التى رصدتها الأجهزة الأمنية المصرية عن نشاط الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة وكذلك لقاءات واتصالات المرشد العام المستشار حسن الهضيبى وكبار مساعديه مع مسئولى السفارة الأمريكية بالقاهرة.
رسائل السفارة الأمريكية بالقاهرة فى ذلك القوت تقدم وجبه دسمه من المعلومات عن طبيعة الاتصالات وأهداف كلا من الأمريكان والإخوان.
ففى 27 مايو سنة 1953 رفع المستر «بوردبت» سكرتير السفارة الأمريكية بالقاهرة، تقرير عن لقاء تم بينه وبين المستر «جيرنجان» ...

...الجماعة وعرض عليهم وجهة نظر الإخوان ورغبتهم بأن تكون الاتصالات مع الأمريكان أكثر قربًا وعمقًا.
وفى هذا الاجتماع وافق «محمود مخلوف» على لقاء المستر هارت باعتباره المتخصص فى الشئون الدينية والعربية فى واشنطن.
وفى 4 يونيو سنة 1954 تم لقاء آخر ضم محمود مخلوف والمستر جيرنجن وبورديت.
وكان هذا الاجتماع مخصص هذه المرة لمناقشة الترتيبات الدفاعية التى ينوى الغرب تنفيذها فى المنطقة. وفى هذا الاجتماع أكد ممثل الإخوان أن العرب يعترضون على أية ترتيبات دفاعية مع الغرب وشعور العرب له ما يبرره إذ إن عدوهم الأول هو إنجلترا، ومن ثم فهم لا يريدون التورط فى حرب خارج أراضيهم من أجل بريطانيا.

وتبلغ الاتصالات واللقاءات بين الإخوان والأمريكان ذروتها فى 21 يونيو 1953 بلقاء بين المرشد العام للإخوان المسلمين فى ذلك الوقت >حسن الهضيبي» والمسئول المكلف من السفارة الأمريكية.

وفى هذا اللقاء قرر الهضيبى بأن الحكومة العسكرية القائمة لا يمكنها حل جماعة الإخوان المسلمين حتى لو أصدرت قانونًا بذلك لا يمكن تنفيذه وإن اجتماعات الإخوان ونشاطهم سوف يستمر.
وأن مجلس قيادة الثورة يتكلمون فقط ويكثرون من التصريحات ولكنهم لا يفعلون شيئًا ولا يجولوا أقوالهم إلى أفعال.. وعندما سئل عن رأيه فى موقف الفلاحين المصريين فى حالة ما إذا تولى الوفد تشكيل الحكومة رد بأن الصورة سوف تكون أسوأ مما هى عليه.
وفى 27 يوليو سنة 1953 عقد اجتماع بين الهضيبى والسكرتير السياسى بالسفارة الأمريكية بالقاهرة «النتنج».
وفى هذا الاجتماع سئل الهضيبى عن موقف الإخوان من مجلس قيادة الثورة حيث أجاب مؤكدًا أن نظامًا جمهوريّا أصلح من الناحية الإسلامية وأنهم يرغبون فى إزاحة بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة من مناصبهم. وأنهم يفكرون فى اعتزال العسكريين الحكومة وإحلال مجموعة مختارة من الأحزاب محلهم وأن على المعارضة أن تنسق جهودها للتعامل بالقوى مع الظروف إذا ما سقط النظام.
وقال إن حكومة الثورة سوف تسقط فى وقت قريب بسبب سياستهم ولأنهم بثوا أحلام كبيرة لا يمكن تحقيقها ومن بينها إخراج الإنجليز من قناة السويس وإصلاح الأوضاع الاقتصادية للبلاد.
وعن رأيه فى الدستور قال أنهم يريدون أن تصبح مصر دولة إسلامية وأن هذا يتعارض على لجنة وضع الدستور وأضاف أن الإخوان لن يدخلوا فى العمل السياسى إلا إذا تحققوا من النصر وأنه ليست هناك احتمالات للهزيمة كما حدث من قبل.
كانت الاتصالات مع الغرب بالإضافة إلى ما جرى فى يناير 1953 من حل الأحزاب السياسية مع استثناء جماعة الإخوان المسلمين هو بداية الصدام المباشر وإعلان الإخوان حربهم ضد عبد الناصر وثورته، حيث دخل الطرفان فى صراع من نوع صراع النهاية المرة لا البقاء المشترك.
ففى 12 يناير 1954 أثناء الاحتفال بذكرى الحسن وشاهين أراد الإخوان فى هذه الاحتفالية الإعلان أمام الثورة عن مدى قوتهم والظهور بمظهر الاستقلال عن الثورة ومنذ صباح يوم الاحتفال بدأ الإخوان فى تنظيم صفوفهم وسيطروا على الميكروفون.
وعندما وصل وفد منظمات الشباب من المدارس والجامعات حاملين الميكروفونات بدأ الإخوان فى التحرش بهم وطالبوهم بإخراج الميكروفونات فى الوقت الذى حمل الإخوان أعلامهم والإيرانى نواب صفوى قائد جماعة فدائيات الإسلام وأخذوا فى ...

... مرشد الإخوان ومن حوله وقد وجهوا نشاط هذه الهيئة توجيهًا يضر بكيان الوطن ويعتدى على حرمة الدين ولن تسمح الثورة أن تكرر فى مصر مأساة رجعية باسم الدين ولن تسمح لأحد أن يتلاعب بمصائر هذا البلد بشهوات خاصة مهما كانت دعواها ولا أن يستغل الدين فى خدمة الأغراض والشهوات وستكون إجراءات الثورة حاسمة وفى ضوء النهار وأمام المصريين جميعًا، وعقب هذا البيان اعتقلت الثورة المرشد العام وزعماء الإخوان وتم اعتقال (450) منهم وتدخل الملك سعود للوساطة للإفراج عنهم وكانت الوساطة مشروطة بألا يعملوا بالسياسة ولكن الإخوان لم يلتزموا بهذه الشروط فأصدروا منشورات من بينها الذى يقول: إنه ومنذ أن وقعت الاتفاقية الأخيرة والسيد جمال عبدالناصر ورجاله يقومون بدور الوسطاء عند الدول العربية لحساب الاستعمار وهم يتعاملون مع عملاء الاستعمار المعروفين أمثال نورى السعيد الذى عاش طول عمره يخدم الاستعمار الإنجليزى والجنرال زاهدى فى إيران الذى خان بلاده وأرجع البترول إلى دول الاستعمار ولكن الشرق الذى ابتلى طويلا بأمثال زاهدى ونورى السعيد وجمال عبد الناصر سيعف كيف يتخلص من عملاء الاستعمار، وبدأ الصراع بين ثورة يوليو والإخوان المسلمين بأخذ شكل التصاعد التدريجى ليصل فى النهاية إلى نقطة اللاعودة والتى يعرف عندها الطرفان أن بقاء أحدهما مرتبط بالقضاء على الآخر، وأخذ الإخوان زمام مبادرة التعجيل بالقضاء على عبد الناصر وذلك فى مارس 1954 أثناء خطاب المنشية عندما كلف أحد أعضاء التنظيم السرى للإخوان الإخوانى محمود عبد اللطيف باغتيال عبد الناصر أثناء خطابه بالمنشية إلا أن محاولة الاغتيال فشلت وتم القبض على عبد اللطيف وبدأت التحقيقات معه والتى كشفت المخطط الإخوانى للوصول إلى السلطة فى ذلك الوقت بالتحديد وهو الوقت الذى توافرت فيه من وجهة نظرهم – كافة العوامل لنجاحه.

فعلى مستوى التأييد الخارجى لأى تحرك إخوانى ناحية السلطة هناك تأييد أمريكى أوروبى وفى الداخل وصل التنظيم الخاص للإخوان إلى قمة نضوجه وأن اغتيال عبدالناصر سوف يحدث حالة من الفوضى وعدم الاتزان يمكن للإخوان وقتها الخروج إلى الشارع والسيطرة على الحكم.

إلا أن فشل محاولة الاغتيال وإلقاء القبض على 867 من العناصر الإخوانية قدموا للمحاكمة، كشفت التحقيقات والمواجهات بين المتهمين العديد من الأسرار والمعلومات.
وفى جلسة 15 نوفمبر سنة 1954 جرت مواجهة بين اثنين من المتهمين وهما المتهم الثانى فى قضية هنداوى دوير المحامى وإبراهيم الطيب المتهم الأول حيث تبارى الاثنان فى فضح المخطط الإخوانى وقدمت القضية رقم (1) لسنة 1954 (محكمة الشعب) المتهم فيها محمود عبد اللطيف محمد: (حضر المتهم)
الرئيس:
 فتحت الجلسة.. المدعي..
وكيل النائب العام: وآخر مقابلة كانت معاك له.. كانت إمتى قبل الحادث؟
الشاهد:
 لعلها قبل الحادث بيومين.
وكيل النائب العام: إديته الحزام إمتى؟

الشاهد:
 قبل الحادث بيومين.
وكيل النائب العام: كنت معاه يوم الحادث؟
الشاهد:
 لا يا فندم.
وكيل النائب العام:
 متأكد إنك مارحتلوش فى إمبابة يوم الحاث؟
الشاهد:
 لا
وكيل النائب العام: ما حصلشى بينك وبينه كلام بشأن خطة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر؟
الشاهد:
 اللى حصل هو الكلام فى الخطة اليت عرضتها وتتلخص فى أن الاغتيال لا يمكن أن يبدأ فيها إلا إذا حصل اعتداء على الحركة الشعبية.
وكيل النائب العام: سؤال محدد.. هل تحدثت مع هنداوى بشأن الاعتداء على الرئيس جمال؟
الشاهد:
 لا.. لم أتحدث معه فى هذه الجلسة.
الشاهد:
 أولا فيما يتعلق ببدء الحركة، فقد كان المفهوم أن القوات اليت ستشترك فيها قوات ذات أغلبية عددية وقد سبق أو هناك سابقة فى حوادث 25 مارس وما سبقها بأن سيادة الرئيس جمال كان له اتجاه معين كان يسلم به، فكان برضه مفهوم لدى الناس اللى بينفذوا أو الذين يعدون هذا الإعداد.. جائز أننا نحصل على المطالب التى تقوم بها الحركة بدون أى إراقة دماء أو معارضة من المعارضات.
وكيل النائب العام: إذا كان اغتيال جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة.. مين اللى يسكت الناس بتوع جمال ورجال جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة.. مين اللى يسكت الناس؟
الشاهد:
 ذكرت أن السيد جمال عبد الناصر، كان يعلم أنه له سابقة فى هذا.. لو حصل شيء يكون طبيعيًا سيادة رئيس الجمهورية موجود، وجايز جدًا أن يحصل تفاهم بين الرئيس نجيب والرئيس جمال.
وكيل النائب العام: إزاى الرئيس نجيب يتفاهم مع الرئيس جمال المغتال؟
الشاهد:
 أنا باتكلم قبل حصول أى اعتداء، ومن المحتمل أن يتم تفاهم..
وكيل النائب العام: وإذا لم يوافق؟
الشاهد:
 باعتبار أن هناك أغلبية عددية ومجموعات كبيرة مع الرئيس نجيب، كان المفهوم أن المسألة لا شك فيها أن الحكم يكون فيها للأغلبية..