عاجل

«طيف» قصة قصيرة للكاتب محمد كمال سالم

صورة موضوعية
صورة موضوعية

رجِعتُ الليلة إلى البيت مبكرًا، ما كنت أعود أبدًا مبكرًا، لست أدري ما الذي حدث لي في أيامي الأخيرة.

المهم:

وجدت أبنائي كلهم موجودين، فرحت بجمعتهم، لكن يبدو أنهم لم يفرحوا لوجودي بنفس القدر !! فقط أصغر أحفادي، كان أكثرهم احتفاءً بي ومداعبة لي، وكنت سعيدًا به.

حتي زوجتي أصبحت أكثر صمتًا، وتشرد دائما.

ربما هناك ما يشغلهم، ولا يريدون أن يطلعوني عليه!! ربما.

 

تفلتوا واحدًا تلو الآخر إلى غرفهم، وتركوني وحدي، والغريب أنهم أطفؤوا النور!! وكأنني غير موجود.

شعرت غصة، وحزن عميق تملكني،  أهكذا بعد كل هذا العمر!!!؟

كدت أن أبكي، لكن حتى هذه لم أستطع فعلها، ولكني شعرت بطعم دموعي المالح في حلقي.

الضوء القادم من النافذة وقع علي الصورة المعلقة علي الجدار، مازال عليها شريط حدادها الأسود، تعلقت عيني بها، وتذكرت كيف كانت علاقتي بأبي، الآن تسلل إلى نفسي بعض الانشراح.

كيف كنت أسهر معه الليل في محله، حيث يكد في عمله حتى يكِل، وكيف كنت أسبقه وأفتح هذا المحل أيام الإجازات، خاصة يومي الخميس والسبت، لأن بائع الجرائد كان يترك لي عدديّ دار الهلال "ميكي وسمير" تحت عقب باب المحل، حتي يصحو ويلحق بي.

علَمنا أبي القراءة والكتابة، أنا وباقي أخوتي في هذا المحل، قبل حتى أن نذهب للمدرسة، لدرجة أنه كان في هذا الوقت يُنشر مقال للصحفي الشهير في جريدة البلد الأولى، ويذاع على موجات الإذاعة يوم الجمعة، فكان يجلسنا أمام الجريدة، ونقرأ المقال مع المذيع.

اضطر أبي أن يُعلق هذا الراديو الخشبي الكبير على الحائط، بعيدا عن أيدينا العابثة بمؤشره الأحمر المبهج.

كنت وأخوتي نثقل كاهله، مما يجعله عصبيّ المزاج معظم أوقاته، لكنه كان من الطيبة بحيث يوفر لنا كل شئ.

كنت أسعد عندما أراه سعيدًا يبتسم، لا أذكر أني رأيت أبي يقهقه بالضحك، مثلما أفعل أنا، وإذا همت أمي باغتياب أحد الجيران، أو الأهل، كان يردها سريعًا حاسمًا.

لم يمهلني ترتيبي بين أخوتي، أن ألحق به حين كان يملك صوتًا عذبًا، أدركت هذا الآن، عندما استنكرت يومًا صوته الأجش، وهو يدندن "مريت على بيت الحبايب"

كان يزهو بكثير من أصدقائه الفنانين، وقد رأيت بعضهم لديه.

أوشكت أن ألتقيك أبي ليتك راض عني.

 طالت جلستي وحدي، وفقدت الأمل أن يمر أحد منهم ليسألني عن حالي، حتى الرفقاء في العمل والنادي نسوني بدون سبب بعد أن كنت جليسهم الأول ورفيقهم.

تملكني الغضب، قمت لأنزع تلك الشارة السوداء من زاوية صورتي،،حتى يصدقوا أني مازلت بينهم !

ولكني فشلت في هذه أيضًا.

فخرجت من الحائط، ومضيت إلي حال سبيلي.