«بساريا» قصة قصيرة للكاتبة آمنة علوي

الكاتبة آمنة علوي
الكاتبة آمنة علوي

بعد يوم دراسى طويل دخل الفتى بيته عائداً من مدرسته مرهقاً وجائعاً ،، ذهب إلى المطبخ مباشرة فوجد والدته كعادتها يومياً فى هذا الوقت تعد الغداء لأسرتها الصغيره ،، فاجئها بصوته المطالب بالطعام لكنها كعادتها لم تتفاجأ وطوعته لمعاونتها بإرادته

: أمى لقد عدت أنا جائع للغاية

 : اذهب واغتسل وبدل ثيابك وانتظر قليلاً عودة والدك واخوتك

: لكنى جائع حقاً ياأمى

: حسناً ياولدى اغتسل وتعالى

تمر ربع ساعة ويدخل الفتى للمطبخ

: هل أساعدك فى شئ يا أمى

: تفضل ساندوتش " تصبيره " حتى انتهى من إعداد الغداء

: أشكرك يا أمى لكن ،، ذهب الجوع لست أدري كيف،، فقط أريد مساعدتك، أؤمرينى

: ولدى الطيب ،، إذاً هلا ساعدتنى بتقطيع السلاطة

: حسناً ،، ما هذا "الفتى يبتسم ابتسامه عريضة متسائلاً" بساريا ،، لا أصدق يا أمى،، لقد أحضرتيها لأجلى

: نعم يا ولدى رأيتها أمامى فقلت كم سيسعد ابنى حينما يراها

: قال"مقبلاً يدىّ والدته "كم أحبك يا أمى الحنون

: أنا أيضاً أحبك يا ولدى أحبكم جميعاً وأنت البكرى لك محبة خاصة

: كيف لى بمحبة خاصة وأنتِ يا أمى تحبيننا جميعاً دون تفرقة

: كيف أفرق بينكم وكلكم أولادى فلذات كبدي ونور عيني وكل منكم له حب خاص ضمن حبى الكبير لكم

: يحتضن أمه قائلا أمى أحبك بشكل يعجز لسانى عن قوله وتفسير مشاعرى

: أعرف يا ولدى أعرف شعورك فإن لى أم حنون أحبها فوق الحب

: نعم جدتى الطيبه ،، اشتقت إليها والى حكاياتها، أتذكر أنها حكت لى حكاية عن هذه السمكة،، كانت لطيفة لكنى لا أتذكرها هلا حكيتيها لى

: حسناً يا ولدى سأحكى كما أتذكر ولا تسخر من أسلوبى فلست حكاءة جيدة كجدتك

: حاشا لله أن اسخر منكِ يا أمى

: حسناً ،، يقول البحار العجوز أنه فى داخل البحر الكبير سرب ضخم من الأسماك الصغيره مجتمعين لا يفرق بينهم شئ ،، يسبحون معاً بطول البحر الكبير وعرضه،، من آن لآخر يهاجمهم المهاجمون لكنهم يتفرقون ويجتمعون لتشتيت المهاجمين ولتقليل خسارتهم

: هل تقصدين بالمهاجمين الطيور الغطاسة ،، لقد رأيت هذا فى التلفاز

: نعم وغيرها وغيرها فأعداء السمكة الصغيرة كثيرون

: مثل من غير الطيور

: الأسماك الأكبر والقروش والحيتان والبشر أيضاً فهى غذاء هام للجميع

:  قال الولد بأسى ،، نعم يا أمى نحن أيضاً

: لا تحزن يا ولدى فهذه سنة الحياة وكرامة من الله للبشر أن ينفعهم بأطايب البحر والبر والجو،، هذا فضل ومنة من الرازق الكريم نحمده عليها

: كم أحب الله يرعانا ويرزقنا ويسامحنا الحمد لله

: نعم يا ولدى الحمد لله دائماً بلا انقطاع

:  ماذا يحدث للأسماك الصغيرة وكل المخلوقات تهاجمها وتفترسها وتفترسها كيف تنجح فى النجاة

: كما هو مقدر لها ،، تجتمع في سربها وتكافح لتصل لوجهتها

: أى وجهة

: أماكن وضعها للبيض ليفقس أسماك جديدة تمارس دورها فى الحياة ،، وإطعام الخلق ،، أترى يا ولدى هذا نجاح بحد ذاته

: نجاح ؟ هكذا ببساطة يا أمى ألا يثأرون لأنفسهم

: كلا هم فقط يتجمعون معاً مهما تعرضوا للصيد والأكل لتستمر الحياة

: لكن هذه قسوة حقاً

: كل شيء في ظاهرة القسوة نرى بباطنه الرحمة

: لست أفهم المعنى يا أمى

: يا ولدى ،، أنت تنظر لزاوية الافتراس فقط

: نعم

: أنظر لوضع الأسماك بيضها بكثرة فى بيئة آمنة حاضنة وأعدادها مهولة ألوف مؤلفة بل ملايين الملايين

: نعم

: فلنقل أن هذه الأفواه انطلقت مجتمعة لتأكل دون مقاوم لها ماذا سيحدث

:  أعتقد سيحدث أمر مشابه لما يفعله الجراد في المزروعات

 : تماماً أصبت يا ولدى

: سبحان الله

: لهذا خلق الله المفترسات حتى لا يختل التوازن البيئى وتستمر الحياة بهدوء وتكامل

 : فهمت ،، إذا لم توجد المفترسات ستأكل هذه الأسماك الصغيرة كل طعامها وتصل لمرحلة اللاطعام فتعانى وتنقرض سريعاً وتؤثر على مفترسيها

: نعم

: ماذا حدث للسمكة الصغيرة

:  بين كل خطر قادم تحذر الأسماك بعضها ،، البعض منها يقول ابتعدوا فالخطر قادم

البعض الآخر يقول أين نذهب نحن محاصرون، فلنسبح فى سرب مجتمع لنخيف المهاجم، لا سياكلنا بالجملة تفرقوا إهربوا

كلا اتحدوا ففى الإتحاد قوة

: هل يتجادلون مثل البشر

:  لا أعرف يا ولدى فلم أسمعهم من قبل ،، أنا أقصها عليك على قدر ما تسعفنى ذاكرتى ،، لكنى بصدق سأقول نعم يتكلمون ويتجادلون ويفرحون ويحزنون

:  كيف تعرفين؟

: قال لنا ربنا في كتابه العزيز بسم الله الرحمن الرحيم : ( أمم أمثالكم )

: صدق الله العظيم،، أعتذر عن المقاطعة

: لا بأس من السؤال فقد غنمنا ذكر الله في الجواب

: نعم ،، ماذا عن الأسماك؟

: ظلوا على هذه الحال كثيراً بين اهربوا تفرقوا بل اجتمعوا ،، وفى أثناء الجدال ينتهز المفترسون الأمر ويهجمون بضراوة يأكلون البعض ويصيبون البعض الآخر ثم يأكلوه وهكذا حتى يشبعون ويهرب من يهرب

: حسناً أين البشر إذا كانت مخلوقات البحر فقط تفترسهم الآن

: البشر ينشرون شباكهم فمن هرب من المفترسات سيدخل الشباك والمحظوظون ومن قدرت لهم النجاة فقط سينجحون بالفرار لاستكمال المسيرة

: أمى

: نعم يا ولدى

: هذا ما نراه بين البشر أليس كذلك

: نعم يا ولدى للأسف ،، لكن يختلف الأمر هنا عن سكان البحر

: أعرف فمن المفترض أن يرحم البشر بعضهم البعض لكونهم عاقلين

:  نعم وبين العاقلين عقول مسمومة مسكونة بالشرور

:  سيعاقبهم الله اليس كذلك

: نعم يا ولدى إن لم يكفوا عن شرورهم سيعاقبون عقاباً قاسياً

 : لا أريد أن أعاقب يا أمى

: إذاً كن ولدا طيبا ولا تتصرف بشر ،، ولا تؤذى من هم أضعف منك وعاون من يحتاج بعونك

: حسناً يا أمى سأفعل بإذن الله ،، لكن ماذا عن سمكتى؟

: مرت بدائرة حياتها وهربت من كل مفترساتها بنجاح ووصلت إلينا وها هى تنضج لتأكلها أيها المفترس الصغير

: لن أغضب ولن أحزن فقد عرفت دورى فى دائرة الحياة

: ك مفترس

: بل كأحد الموازنات

: ما هذا لقد أصبحت محللاً للأحداث

: نعم فأنا أتعلم من معلمتى الصبورة

: بوركت يا ولدى

:  أمى

: نعم

: لقد جُعت الآن،، وبشدة!

: إليك الساندوتش الصغير ولا تزيد فبعد قليل سنجتمع جميعناً للغداء

: حسناً وها أنا انتهيت من تجهيز السلطة

: أحسنت يا ولدى ،، فقد حان وقت عودة والدك وأخواتك.