«طلقني» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

الكاتبة فاطمة مندي
الكاتبة فاطمة مندي

تتلقى التهاني من المدعوين، باسمة الثغر، يعلو وجهها فرحة عارمة؛ لقد تزوج آخر أبنائها، سبقه فى الزواج أخته الوحيدة وشقيقان.

 أحست اليوم أنها قد أكملت رسالتها؛ التى انتظرتها طويلاً بقبس من صبر وكثيرِ من ضغوط مارستها بتعنت على شعورها كأنثى.

 الأن فقط أتمت ما أملت فيه، الآن فقط، تستطيع كل شيء أرادته، استقبلت المدعوين بدموع فرحة، وأسارير منفرجة.

 وقفت بجانب العريس طوال الوقت، حدثها زوجها معنفاً: لماذا تقفين طوال الوقت بجانب العريس؟ علقت ضاحكة: اليوم سعادتي قد اكتملت لسببين: أولهما هو إتمام زواج آخر أبنائي، ثم ابتسمت وأشاحت بوجهها بعيدا ناحية المدعوين .

 بعد مرور شهرٍ على الزواج، دلف الزوج إلى المنزل، فلم يجد الزوجة، بحث عنها عند أبنائه الأربعة فلم يعثر عليها، بحث عنها عند إخوتها الذكور والإناث؛ فوجدها عند أحدهم، هاتفها، نهرها بشدة طلب منها سرعة العودة للمنزل.

 قالت له فى حدة: لن تطأ قدمي منزلك مرة أخرى.

قال لها في صرامة: افعلي ما تشائين.

ومرت الأيام والشهور بل والسنين واحتار الزوج في أمر زوجته، محدثاً نفسه: ماذا أصابها؟ ولِمَ كل هذا العِنَاد فى رفضها العودة ؟ لمْ أتعود منها سوىَ الطاعة طوال ثلاثين عام، ماذا ألم بها ؟!

  عرج جميع من أرسلتهم إليها بدونها !

هاتفها وسألها هل جننت؟! لماذا ترفضين العودة؟! أما أرسلت لك كي تعودي إلى منزلك؟! لماذا ترفضين؟! لقد تخطيت سن الدلال! أما تعلمين كم عمرك الأن ؟!

ذهب إليها سألها: أريد تفسيراً لبقائك هنا؟ نظرت إليه معاتبة: أما علمت إلى الأن لماذا تركتُ لك كلَّ شيء؟!

لقد كسرت قلبي، لقد وضعت فيك ثقتي وتوحشت في قسوتك، تعلم كما يعلم الجميع أنني لا دخل لي، ولا مأوى عندي، ومع هذا تركت لك كل شيء هرباً من سطوتك، وسلاطة ألفاظك.

 قاطعها: الأن تتذكرين سطوتي بعد مرور ثلاثين عام على زواجنا ؟!

 أردفت: هل تعلم أن بتر القلب؛ هو بتر للوجع، ما كان للصمت أن تحيك لقلبي سوى المزيد من الوجع،  نعم  بعد كل هذا الوقت أفارقك، أعلم كما تعلم أنني حاربت كل من عارضني كي أرتبط بك؛ لأنني أحببتك أكثر من نفسي، التى ذبحتها بسيف لسانك الحاد أمام جميع زوارنا، وكرامتي التى تفننت فى بعثرتها أمام ذويك، مما جعلهم يذبحون كرامتى فى كل وقت نجتمع فيه، وعندما أستنكرُ أفعالهم يتعللون بأنها مزحة .

 أردف الزوج : لقد جننت !.

 قالت: لقد صبرت طويلا وتجرعت كؤوس المرارة من أفعالك التى تعبت من إيجاد مبررا لها.

قال فى حدة: وما هى؟.

 أردفت : لقد كان سيف لسانك الحاد يمزق كبريائي فى كل وقت، كل وقت تنعتني، وتسفه أفكاري، وتتعمد إهانتي ولا تعبأ بالمكان ولا بالحضور، كنت دائما تسفهني، تنهرني لأتفه الأسباب، كل يوم كنت تستأصل جزءاً من قلبي، إلى أن صرتُ بلا قلب، وكثيراً كنت تترك لي بضعة جنيهات وأعلم أنك ترتاد أفخم المطاعم، لِمَاذا؟ ولمْ أشكِ أو أبال أو أعترض، فقط من أجل أبنائي.

 أردف: والحب؟ والعشرة؟.

 قالت: تتكلم عن ماذا؟ ذلك الذي قديماً ألفتُ الاعتكاف بذكراه كل مساء.. ليعتصر الشوق صبراً، أمّلِاً أن يدفع عن قلبي فتورك، بقبس من الماضي.. ذلك الذي رفض الموت قهراً حين اعتصرت أنامل (قلبك) زناد القهر، قد أبت عليها أنوثتي أن تخذلني فيه، وتمنعني في جناته زهداً، فما كان لعقلي الكبير الصغير إلاَّ أن يرضي بقبح مثيلته العاطفية قدراً له، وفقر الشعور لديك لشوقي الكفيف؛ خليلاً!

 قال الزوج فى حدة وصرامة: والحل؟!

 أردفت: أما وقد ملئت جعبتي بفيض من قسوة، إهانة، سخرية أمام جميع أقراننا، وختمت هذا بإهانتك لى أمام زوجة ابنك، ولطمت وجهي حتى سال الدم من فمي دون اكتراث لمشاعري، الأن فقط أنطقها بملء فمي وأنا لا دخل لي، ولا مأوى عندى وفي هذه السن الحرجة سأترك لك كل شيء وأنا الفائزة

طلقنى.