إنها مصر

الساعة السكانية للشهداء!

كرم جبر
كرم جبر

لم تنم أمريكا الليل حتى انتقمت لثلاثة جنود قتلوا في الأردن، وأغارت على شمال سوريا والعراق، ونفس الشيء فعلته إسرائيل وهي تنتقم لعملية الأقصى بأكثر من 27 ألف شهيد، فهل الدم العربي رخيص لهذه الدرجة؟


رغم أن مكونات الدماء التي تجري في عروق البشر واحدة أياً كانت جنسياتهم وألوانهم ودياناتهم، إلا أن المعايير ليست واحدة، والدماء ليست بنفس الثمن.
فأمريكا والغرب المتحضر يتحدثان اللغة وعكسها، ويقدمان المبررات وما يخالفها، ففي الوقت الذي يدعون فيه إلى إدخال المساعدات ووقف المذابح الهمجية للمدنيين في غزة، يرفضون بشدة وقف إطلاق النار، فهل يمكن وقف إراقة القتل دون وقف إطلاق النار؟


وفي الوقت الذي يصرح فيه المسئولون الأمريكيون بعدم الرغبة في توسيع نطاق الحرب في المنطقة، وعدم الدخول في حرب مع إيران، يتسع نطاق الحروب المحدودة منذرة بحرب شاملة، لأن من يطلق الرصاصة الأولى لا يعرف متى تكون الرصاصة الأخيرة.
فدائرة النيران امتدت من غزة إلى البحر الأحمر، وتقترب من شمال سوريا والعراق والخليج العربي، ولا أحد يستطيع السيطرة على اتجاه النيران.
والطامة الكبرى إذا اعتدت أمريكا على إيران، أو دخلت إيران الحرب، فسينفجر بركان يهدد المنطقة كلها، وإيران ليست خصماً سهلاً، بل دولة كبرى في المنطقة، وتمتلك إمكانيات بشرية وعسكرية واقتصادية كبيرة، ولها خبرات هائلة في الحرب مع العراق التي استمرت لسنوات طويلة.
وإسرائيل لن تستطيع أن تحارب في كل الجبهات، وتدخل حربا انتحارية تهدد مصيرها وتجلب على المنطقة ويلات وخسائر لا يمكن تقدير حجمها.
لن تتوقف الساعة السكانية لشهداء غزة، إلا إذا توقفت الحرب وسكتت المدافع والطائرات والصواريخ، وارتفع صوت السلام أعلى من الانفجارات، وإذا حدث ذلك فإسرائيل هي المستفيد الأول، فلن تستطيع الصمود طويلاً وهي تعيش في منطقة تناصبها العداء.


ولا أدري لماذا أتذكر الرئيس السادات، كلما شاهدت نشرات الأخبار، وتابعت الغارات والانكسارات العربية على كافة الجبهات، وأطرح على نفسي سؤالاً إجابته مستحيلة: ماذا لو صدقوا السادات ولم يتهموه بالخيانة؟
مضى قطار السلام بسرعة، ومن رفضوا ركوبه لم ولن يلحقوا به إلا إذا تحققت شروط على أرض الواقع، صعبة وقاسية:
أولها: أن تقتنع إسرائيل بحل الدولتين، وأن أمنها واستقرارها في المنطقة مرهون بحصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة.
وثانياً: أن تجلس كل الفصائل الفلسطينية على مائدة واحدة وتوحد صفوفها، حتى يتوقف الصراع المعجون بدماء وأشلاء الضحايا الشهداء.
الوقت الآن في صالح القضية الفلسطينية، لأن الثمن الذي يدفعه أبناء غزة لا يجب أن يضيع هباءً.