عاجل

فى الصميم

قرار أمريكا.. وحسابات نتنياهو

جلال عارف
جلال عارف

الخطوط العريضة لمقترح اتفاق التهدئة فى غزة أصبحت واضحة بعد اجتماع باريس بين قادة أجهزة المخابرات فى مصر وقطر وإسرائيل وأمريكا والمشاورات التى تلته، وبعيدا عن بعض التفاصيل التى قد تكون مازالت محل تفاوض فإن الرهان الأساسى هو أنه سيكون من الصعب بعد ستة أسابيع على الأقل من توقف القتال أن تعود إسرائيل لاستئناف حرب الإبادة. ومن الصعب - إذا فعلت- أن تجد الدعم الحالى من أمريكا وبعض دول الغرب. ومن الصعب أيضا أن يصطف الداخل الإسرائيلى وراء استئناف الحرب التى لم تحرر أسيرا واحدا لدى حماس بينما التفاوض أعاد العشرات منهم إلى عائلاتهم.

هذه بعض حسابات العقل.. لكن حسابات نتنياهو تختلف، وخوفه من اليوم التالى لوقف الحرب لا يتبدد، وإدراكه بأن تاريخه السياسى انتهى بالفشل العظيم فى ٧ أكتوبر تزداد وطأته بالفشل الآخر فى إدارة حرب لم تحقق أيا من أهدافها بل أخذته هو وحكومته والكيان الصهيونى كله للمحاكمة الدولية فى أبشع جريمة ضد الإنسانية وهى الإبادة الجماعية.. ولهذا سيقاتل نتنياهو - حتى النفس الأخير- من أجل إفشال أى اتفاق للتهدئة وأى احتمال لإنهاء الحرب.

ورغم أن الحلقات تضيق على نتنياهو فإنه لا يريد التخلى عن منهجه فى الهروب إلى الأمام، والكذب على الجميع، وإغراق الجميع بمعارك فرعية تبعدهم عن الهدف الأساسي. يطلق نتنياهو حلفاءه من زعماء عصابات الإرهاب الصهيونى أمثال بن غفير لمعارضة مشروع الاتفاق قبل مناقشته رسميا، والتهديد بالانسحاب عن الحكومة واسقاطها. لكن زعيم المعارضة «لابيد» يعلن أنه مستعد لتأمين حكومة نتنياهو إذا تركها زعماء التطرف اليمينى من أجل إطلاق سراح الرهائن الذى أصبح أولوية لدى غابية الإسرائيليين.. وهو أمر تشجع عليه واشنطون التى وصفت حكومة نتنياهو- من قبل الحرب- بأنها الأكثر تطرفا فى تاريخ إسرائيل، لكن نتنياهو يرى أنهم حلفاؤه الطبيعيون ولا يطمئن لان تكون المعارضة هى من يؤمن حكومته ومن يسقطها بعد ذلك!!

استبق نتنياهو زيارة بلينكن للمنطقة «وهى السادسة منذ الحرب»، بالتأكيد على أنه لن ينهى الحرب، ولن يسحب قوات جيشه من غزة، ولن يطلق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين «يسميهم المخربين»! وهو ما يعنى التلويح بإفشال الصفقة أو السعى لتحسين الشروط فى التفاصيل التى مازالت محل تفاوض وستتضح الصورة تماما بعد زيارة بلينكن وإن كان المؤكد أنه سيجد من نتنياهو رفضا للإنهاء الكامل للقتال وبصورة نهائية.. وهو ما تريد فصائل المقاومة الفلسطينية ضمانات مؤكدة بشأنه قبل أن تتخلى عن ورقة الرهائن! وقد يناور نتنياهو لتمرير المرحلة الأولى من الاتفاق ثم تعطيل المراحل التالية بعد الإفراج عن بعض الرهائن وتخفيف الضغط عليه!!

فى كل الأحوال سيبقى الدعم الأمريكى الكامل لإسرائيل كما هو، ولكن الحسابات قد تختلف مع حكومة نتنياهو الذى لا يهمه. إلا البقاء فى الحكم ويربط ذلك باستمرار الحرب وتوسيعها.. بينما تخشى أمريكا من حرب إقليمية تشعل المنطقة وتدمر المصالح الأمريكية وترى خطرا فى ترك القرار الأمريكى رهينة لدى نتنياهو وعصابات التطرف الصهيوني.. ومن هنا تأتى الرسائل المتضاربة من واشطنون، من ناحية تواصل الدعم للعدوان الإسرائيلى وتمضى مع كل أكاذيبه. «وآخرها ما يتعلق بالأونروا» ومن ناحية تتحدث عن حل الدولتين وتصدر عقوبات «ولو رمزية» ضد المستوطنين ثم - فى نفس الوقت- يصدر مجلس النواب الأمريكى قراره بمنع كل أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية من دخول أمريكا بدلا من منع مجرمى الحرب الإسرائيليين الذين تطاردهم العدالة الدولية!
الحسابات مختلفة.. ومضطربة!