«الضبعة النووية» أفضل انطلاقة إلى «الجمهـــورية الجـديدة»

الرئيسان السيسى وبوتين يشــهدان بدء تنفيذ الصبــة الخــرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة
الرئيسان السيسى وبوتين يشــهدان بدء تنفيذ الصبــة الخــرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة

كتبت :يـاسـمـين عبد الحميد

جاءت مُشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، عبر تقنية الـ«فيديو كونفرانس»، فى احتفالية بدء تنفيذ الصبة الخرسانية الأولى للوحدة النووية الرابعة بمحطة الضبعة، التى تُنفذها مصر بالتعاون مع روسيا، بمثابة تتويج للعديد من سنوات العمل الشاق والجهود المصرية الجبارة للدخول إلى عصر الطاقة النووية، مُنذ تولى الرئيس السيسى مسئولية البلاد، حيث كانت توجيهاته المُستمرة بالإسراع فى تنفيذ المشروع «الحلم»، الذى يستهدف بناء 4 وحدات من الجيل الثالث بقدرة 1200 ميجا وات لكل وحدة، بإجمالى 4800 ميجا وات للمحطة، حيث تُشيِّد شركة «روس آتوم» المحطة بأفضل التقنيات، وأعلى معايير الأمان والسلامة عالميًا، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويؤكد الخُبراء والمُتخصصون أن انطلاق مرحلة صب البلاطة الخرسانية للمُفاعل الرابع والأخير بالمحطة، يُعد بمثابة إشارة لقرب انتهاء مرحلة التحضيرات، واقترابنا من مرحلة التنفيذ الفعلى لأول محطة نووية، كأفضل انطلاقة نحو الجمهورية الجديدة.

وأعرب الرئيس السيسى، عن فخره واعتزازه بالمشاركة فى هذه اللحظة التاريخية التى ستظل شاهدة على إرادة هذه الأمة بتحقيق حلم طالما راود جموع المصريين بامتلاك محطات نووية سلمية، بينما أكد الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، أن بناء محطة الضبعة النووية يُعد أهم المشروعات بين البلدين، مُشيرًا إلى أن إنجازها سيُساهم فى تعزيز قوة الاقتصاد المصرى، وتوفير الطاقة، وتطوير الصناعة، مُشددًا على أن مصر شريك استراتيجى لروسيا، وأن العلاقات بينهما تقوم على التعاون والاحترام المُتبادل.

اقرأ أيضاً| بعد سنوات من التأجيل.. خطوات جادة من الدولة في ملف المحليات

الحلم يتحقق
ومر مشروع الضبعة النووية بالعديد من المراحل، مُنذ أن وقعت مصر مع روسيا الاتحادية اتفاقًا فى 19 نوفمبر 2015، لإنشاء محطة الضبعة النووية للطاقة الكهروذرية باستثمارات قيمتها 28.5 مليار دولار، قدمتها روسيا فى صورة قرض حكومى مُيسر لمصر، ثم فى ديسمبر 2017 حيث وقع الرئيسان عبد الفتاح السيسى، وفلاديمير بوتين، الاتفاق النهائى لإنشاء بناء محطة الضبعة النووية، خلال زيارة الرئيس الروسى للقاهرة.

أهمية قصوى وفوائد عديدة يُقدمها مشروع الضبعة النووى للبلاد، أبرزها بالتأكيد الاعتماد كُليًا على الطاقة النظيفة، واستخدام الحلول المُستدامة، للتخلى تدريجيًا عن استخدامات الوقود الأحفورى حفاظًا على البيئة، هذا ما يؤكده الدكتور على عبد النبى، نائب رئيس هيئة المحطات النووية السابق، مُشيرًا إلى أن إنشاء محطة نووية مصرية كان حلمًا يراود المصريين منذ الخمسينيات بهدف توليد الكهرباء، واستخدامها فى تطبيقات سلمية أُخرى، حتى تحقق الحلم بفضل الإرادة السياسية القوية فى 2015، حتى جاء بالأمر المُباشر تنفيذ المشروع فى ديسمبر 2017 مع روسيا من خلال 3 مراحل رئيسية، شملت المرحلة التحضيرية، التى بدأت منذ ديسمبر 2017، وشملت تجهيز وتهيئة الموقع لإنشاء المحطة النووية، ثم مرحلة الحصول على إذن الإنشاء، التى شملت كافة الأعمال المُتعلقة بالبناء والتشييد وتدريب العاملين، والاستعداد للبدء فى اختبارات ما قبل التشغيل، وأخيرًا الحصول على إذن إجراء اختبارات ما قبل التشغيل، وبدء التشغيل الفعلى، وهى المرحلة التى تستمر حتى إعلان التسليم المبدئى للوحدة النووية، وإصدار تراخيص التشغيل، مُضيفًا أنه تم توفير 4 وحدات «مُفاعلات» نووية بالضبعة لبداية المشروع، الذى لن يقل عن 20 لـ30 محطة نووية، لافتًا إلى أن تلك الوحدات هى بداية المشروع، وأن محطة الضبعة تتحمل من 8 لـ12 وحدة، فضلًا عن إقامة وحدات أخرى فى منطقة غرب الضبعة.



موعد الافتتاح
وأشار عبد النبى، إلى أنه من المتوقع أن يتم افتتاح أول مفاعل نووى بمحطة الضبعة النووية فى 2028، مؤكدًا أن مصر تسير بخطى سريعة للغاية فى أعمال بناء المحطة، كما أشار إلى أن تشغيل المحطة بشكل كامل على الربط التجارى بوحداته الأربعة سيكون فى 2030، وعن الفوائد العديدة للمشروع، قال إن المشروع يُسهم فى توطين التكنولوجيا النووية بمصر، والتنوع فى مصادر الطاقة، وإنتاج وتوليد طاقة عالية الجودة مما يُساعد على تلبية الطلب المُتزايد على الكهرباء بطريقة مُستدامة، بما يُحقق تنمية اقتصادية، والحفاظ على الموارد الطبيعية غير المُتجددة كالنفط والغاز، واستخدامها بشكل رشيد، لافتًا إلى انخفاض التكلفة التنافُسية للكهرباء المُولدة مُقارنة بمحطات الغاز الطبيعى، وإيجاد مصدر طاقة نظيف خال من انبعاثات الكربون لمواجهة الاحتباس الحرارى، واستيعاب التقنيات والتكنولوجيا المتطورة، وتعزيز البحث العلمى، والتطوير والارتقاء بجودة العمل والمنتجات محلية الصُنع، وتوفير فرص العمل للمصريين بمشاركة محلية لا تقل عن 20% للوحدة الأولى، وتصل لـ35% للوحدة الرابعة، مُشددًا على أن هذا المشروع استثمارى بالمقام الأول، وستُجنى أرباحه فى أقل من 15 عامًا، علاوة على أنه يُحقق أعلى مُتطلبات الأمن والأمان، واشتراطات السلامة العالمية، مؤكدًا أن المحطة تُعد تتويجًا للتعاون بين مصر وروسيا، وستُسهم فى تطوير الاقتصاد، وتُعزز من فرص الصناعات الحديثة، وتفتح أماكن عمل مُتعددة للمُتخصصين.

واختتم، بأن محطة الضبعة النووية تُعد من الجيل الثالث المُطورة، وأنها هى مُستقبل القوة لمصر، وتعنى أن الدولة تعتمد على نفسها، وسيكون قرارها من رأسها، ولا ديون عليها، وبحوزتها عملة صعبة، وتُنتج مُنتجات تُنافس نظائرها عالميًا.

حدث تاريخى
من جانبه، أكد الدكتور محمد سعد الدين، رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات، أن مُشاركة الرئيس السيسى، والرئيس الروسى بوتين، فى مراسم صب الخرسانة بقاعدة وحدة الكهرباء الرابعة بمحطة الضبعة بمثابة حدث تاريخى يؤسس بالفعل لأفضل انطلاقة نحو الجمهورية الجديدة، ويحقق التكامل الاقتصادى المُشترك بين البلدين، مُشيرًا إلى أن هذه الشراكة ستُحقق التعاون المطلوب بمشروع الضبعة، حيث تتحمل روسيا 85% من التمويل المطلوب لإنشاء المحطة بوحداتها الأربعة، بينما تتولى الحكومة المصرية الـ15% الأخرى، مؤكدًا أن مصر أصبحت الآن مؤهلة لجذب الاستثمارات الأجنبية المُباشرة، وقادرة على توطين الصناعات المُكملة، وتحقيق استراتيجية التحول لمركز إقليمى لإنتاج وتصدير الطاقة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.

الدكتور عمرو سليمان، الخبير الاقتصادى، أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، تحدث عن إسهام المحطة فى دعم وتطوير الاقتصاد الوطنى، مُشددًا على أن المحطة تُمثل مظهرا هاما للطاقة النظيفة يُضيف للقدرات المصرية طاقة نظيفة بكميات كبيرة، ويُسهم فى بناء الكوادر المصرية ليُصبح لمصر جيل جديد من الخُبراء والمُتخصصين فى هذا المجال العالمى الهام، حيث سيكون لنا قُدرات للتوسع فى هذه القطاعات والمُساهمة فيها على المستوى الإقليمى، مُضيفًا أنه آن الأوان لمصر أن تدخل إلى قطاعات كثيرة، أبرزها قطاع الطاقة النووية، جنبًا إلى جنب مع دخول مصر لقطاع هام آخر، وهو القطاع الخاص بالفضاء والأقمار الصناعية، الأمر الذى ينقل الدولة لمرحلة جديدة فى القطاعات الاقتصادية المُختلفة، مُتابعًا أن الطاقة النووية من أرخص مصادر إنتاج الطاقة المُستدامة، وأن المحطة بُمفاعلاتها الأربعة قادرة على إنتاج 4800 ميجا وات، وهذه الكمية من الطاقة الرخيصة النظيفة يُمكن أن تُستغل بمشروعات التنمية وبناء المُجتمعات السكنية الجديدة على طول الساحل الشمالى، ودعم مشروع الدلتا الجديدة، وتطوير مُنخفض القطارة، وغيرها من المشروعات.

شراكة استراتيجية
فى السياق، أوضح الدكتور عبد المنعم السيد، مُدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، أن صب الخرسانة فى الوحدة الرابعة بالضبعة، حدث مُهم يؤسس لشراكة استراتيجية أعمق مع روسيا، ويؤكد الدعم الروسى للقاهرة فى تحقيق حلم إنشاء أول محطة نووية، لافتًا إلى أن مصر تدخل فصلًا جديدًا مع تشغيل المحطة لإنتاج الكهرباء، بما يُعزز مركز مصر الدولى على خارطة إنتاج وتصدير الطاقة، ويفتح الباب لتوطين صناعة المفاعلات النووية السلمية لتوليد الكهرباء وتخصيب الوقود النووى، وستدخل مصر من خلاله نادى الدول النووية، فى إنجاز تاريخى يُحسب للقيادة السياسية، حيث تتحرك الدولة وفق خطوات ناجحة وسريعة لإنجاز المشروع، لافتًا إلى أن الجانب الروسى سيضخ 28.5 مليار دولار لإنشاء وتشغيل المحطة، وأن هيئة المحطات النووية أنجزت أعمال الصبة الخرسانية الأولى للوحدات الأولى والثانية والثالثة بين 2022 لـ2023، وبعد الصبة الخرسانية الأولى للوحدة الرابعة ستدخل جميع الوحدات مرحلة الإنشاءات الكُبرى، مُشددًا على أن المحطة إنجاز اقتصادى وتكنولوجى كبير، وبمثابة أمن قومى تكنولوجى، لأنها توفر طاقة كهربائية بكميات كبيرة لتلبية الطلب المُتزايد عليها، كما أنها رخيصة ونظيفة خالية من انبعاثات الكربون، بما يُحافظ على البيئة، ويُسهم فى توفير النفط والغاز، كما توفر عشرات الآلاف من فرص العمل، فى مرحلة البناء التى تستغرق عدة سنوات، وخلال أعمال التشغيل والصيانة للوحدة على مدار عمرها الافتراضى الـمُقدر بـ60 عامًا، أو حتى فى الصناعات المُكملة بما يُسهم فى دفع عجلة التنمية الاقتصادية.



تطور ملحوظ
الدكتور مُنجى بدر، خبير العلاقات الدولية، الوزير المفوض التجارى الأسبق، يُشير إلى أن التعاون «المصرى - الروسى» بمجال الطاقة الذرية بدأ منذ عام 1956، بإنشاء محطة أنشاص لأبحاث استخدام الطاقة الذرية فى المجال السلمى، لافتًا إلى أن التعاون بين البلدين لم يقتصر على مجال الطاقة الذرية، حيث امتد لإنشاء السد العالى فى السبعينيات، ومع تولى الرئيس السيسى، نجحت مصر فى التوقيع على اتفاقية مبدئية مع روسيا لتدشين محطة الضبعة النووية للاستخدامات السلمية، قبل أن يتم التوقيع النهائى في 2017، موضحًا أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين قوية، شهدت تطورًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية، حيث تمثل مصر الشريك التجارى الأول لروسيا بأفريقيا بنسبة 83%، كما تحصل القاهرة على 33% من حجم التبادل التجارى بين روسيا والدول العربية، وبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين فى 2022 نحو 4.7 مليار دولار، مُقابل 4.1 مليار دولار خلال 2021، كما يعمل بمصر أكثر من 467 شركة روسية فى مجالات مُختلفة كالبترول والغاز، إضافة للمنطقة الصناعية الروسية، والمتوقع لها ضخ استثمارات بـ7 مليارات دولار، وتوفر 35 ألف فرصة عمل، كما بلغت الاستثمارات الروسية بمصر خلال العام المالى «2021 - 2022» نحو 34.5 مليون دولار، كما سجلت قيمة تحويلات المصريين العاملين بروسيا خلال نفس العام 16.4 مليون دولار.