مهند عدلي يكتب: ضبابية مشهد الاقتصاد العالمي تدفع للأخذ بالحكمة الصينية

مهند عدلي
مهند عدلي

من المقولات الصينية المأثورة حكمة تقول "لاتمعن النظر طويلاً فتتعثر في الحجر اسفل قدميك ولا تنظر اسفل رجليك فتنصدم سريعا"، هذا النص ينطبق علي توصيف الاوضاع الاقتصادية العالمية لعام ٢٠٢٤ وتوقعاتها علي كافة المستويات فنحن امام جملة من الاحداث شديدة التأثير علي مسار التجارة والاقتصاد العالمي لكننا في الوقت نفسه امام تطلعات وطموحات لتوقعات سابقة للنمو العالمي ومحدداته.

ففي وقت سابق وتحديدا في اجتماعه في الاسبوع الاول من ديسمبر الماضي قرر البنك الفيدرالي الامريكي تثبيت سعر الفائدة دون تغيير للمرة الثالثة علي التوالي بعد ١١ زيادة سابقة لأسعار الفائدة في إطار مساعيه لتخفيف اثار التضخم علي الاقتصاد الامريكي، ورغم ذلك فأن نطاق سعر الفائدة الحالي عند ٥.٢٥% الي ٥.٥% هو اعلي سعر فائدة علي الاطلاق منذ عام ٢٠٠١.

هذا القرار جعل الاسواق تفرط في التفاؤل نحو اتجاه محتمل للفيدرالي الامريكي لخفض اسعار الفائدة خلال ٢٠٢٤ حتي ان استطلاعاً تم عقب الاجتماع ضم ٣٥ من خبراء الاقتصاد والمصرفيين العالميين توقع حوالي ٧٠% منهم توجه الفيدرالي الامريكي نحو خفض اسعار الفائدة خلال اجتماعات ٢٠٢٤ بنسب منخفضة ومتدرجة وربطوا ذلك بأن البنك يحتاج لبعض الوقت لتقييم اثار قراراته السابقة برفع اسعار الفائدة.

وأشار المسئولون المصرفيون المشاركون في الاستطلاع الي انه من المتوقع ان يتم تطبيق ثلاثة تخفيضات في اسعار الفائدة خلال عام ٢٠٢٤ واربع تخفيضات خلال ٢٠٢٥ بالإضافة الي ثلاث تخفيضات اضافية خلال ٢٠٢٦ وصولاً لتحقيق هدف الابقاء علي اسعار الفائدة مابين ٢% الي ٢.٥% .

وبينما العالم مشغول بحالة التفاؤل المستقبلي للاقتصاد العالمي في ظل مخطط متوقع ومتفائل لخفض الفائدة تأتي المفاجأة من اسفل القدمين مع نهاية ديسمبر وبداية يناير لتهدد هذا التفاؤل مدفوعة بجملة اسباب منها ماهو داخلي خاص بالاقتصاد الامريكي ومنها ماهو مرتبط بالساحة الدولية.

فعلي المستوي الداخلي ومع نهاية ديسمبر عاد معدل التضخم السنوي الامريكي للارتفاع الي ٣.٤% مقابل ٣.١% في نوفمبر وعلي اساس شهري ارتفع معدل التضخم في ديسمبر بنسبة ٣.٠% مقابل توقعات بارتفاعه بنسبة ٢.٠% فقط بعد ان ارتفع بنسبة ١.٠% في نوفمبر الماضي.

اما الاسباب علي الساحة الدولية فاهمها استمرار ازمة الملاحة في البحر الاحمر و التوقعات بمزيد من التصعيد مما ادي الي ازمة حادة في النقل البحري وارتفاع تكاليف شحن البضائع والتأمين عليه بنسبة ١٨٠% عن المعتاد وطول مدة الشحن وارباك سلاسل الامداد والتموين وبالتالي قفزات في اسعار المواد الخام وكافة السلع والمنتجات عالمياً ويزيد من تعميق الازمة الاشكاليات الفنية التي تواجهها قناة "بنما" وتخفيض معدلات مرور السفن منها بشكل كبير.

وعلي الساحة الدولية ايضا لازالت تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية مستمرة والعقوبات الاوروبية والأمريكية ضد روسيا والعقوبات المقابلة المفروضة من روسيا ضد قائمة الدول غير الصديقة وتوسيع قاعدة مجموعة "البريكس" بما يشكل تهديدات محتملة للهيمنة الامريكية والغربية علي الاقتصاد العالمي.

هذه المتغيرات التي تصاعدت منذ بداية يناير خفضت من سقف طموحات النظر بعيداً حتي ٢٠٢٦ ليصبح من الضروري العمل علي مواجهة التحديات الراهنة والتي تنذر بتسارع معدلات التضخم الامريكي وتراجع  المؤشرات الحيوية مثل مؤشر الوظائف ومؤشر نمو المستهلكين ومؤشر النمو ..

هذه التحديات جعلت التوقعات اكثر صعوبة وخلقت حالة من الضبابية جعلت من الرؤية المستقبلية شديدة الصعوبة خاصة للاقتصاديات النامية والناشئة التي اصبحت امام بيئة دولية عالية المخاطر وصعبة التوقع.

ومن هنا يصبح من الضروري تطبيق الحكمة الصينية وخاصة الاقتصاديات الناشئة والنامية بان تتبني سياسات اقتصادية حذرة تأخذ بعين الاعتبار التوقعات المستقبلية دون اغفال للأثار الاقتصادية السلبية للأحداث والتفاعلات الدولية الجارية بالفعل بحيث يكون لديها حلول تستطيع من خلالها تحديد الاثار السلبية المتوقعة وتعظيم اي احتمالات ايجابية ممكنة لكن الاخذ بسياسة النظرة الواحدة سواء البعيدة او القريبة فسيؤدي الي تعاظم التحديات والاشكاليات التي تواجهها اقتصاديات هذه الدول علي غرار ماحدث في ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ خاصة مع استمرار حالة الضبابية في المشهد الامريكي وسياسات البنك الفيدرالي وعلي مستوي الاقتصاديات الدولية ككل.