فيصل مصطفى يكتب: نهاية المشوار

الكاتب الصحفي فيصل مصطفى
الكاتب الصحفي فيصل مصطفى

١١٧ يوما، مرت على حرب طوفان الأقصى  ٧  أكتوبر ٢٠٢٣.

هذا الحدث التاريخي المدوي في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، والذي أضيف إلى تواريخ هامة ومماثلة في هذا الصراع، أضيف إلى تواريخ ١٥ مايو  ١٩٤٨ يوم قيام دولة إسرائيل ، و ٢٩ أكتوبر  ١٩٥٦  يوم بدء العدوان الثلاثي على مصر من إسرائيل وإنجلترا وفرنسا، و ٥ يونيو ١٩٦٧ تاريخ الحرب الغادرة التي شنتها إسرائيل على مصر وسوريا والأردن و ٦ أكتوبر ١٩٧٣ يوم حرب التحرير التي دارت على الجبهتين المصرية والسورية، لطرد الإسرائيليين من سيناء والجولان المحتلة. 

أضيفت إلى هذه التواريخ المميزة والهامة ، تاريخ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، هذا التاريخ الذي سوف يتوقف عنده المؤرخون من خلاله لمسار الصراع وأحداث الشرق الأوسط ، بل والأحداث العالمية ، إنطلاقا من ما قبل  ٧  أكتوبر ٢٠٢٣  وما بعد ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ .

هذا الحدث الهام ، أرى إنه من المفترض والطبيعي أن يتم  تقييمه وتقويمه ودراسته بعد مرور ١١٧ يوما ، على هذا الحدث الضخم، ولأنه حدث ضخم وجوانبه متعددة ، فإنني لا يمكن لي ولغيري أن يتناوله في مقال واحد ، وإنما يمكننا أن نركز على جانب قد يهمنا ، ويهم القطاع الأكبر من الرأي العام ، ومن القراء المحترمين .

هذا الجانب متمثل في الخسائر التي أُلحقت بإسرائيل ، وهي خسائر غير مسبوقة من  ٧ أكتوبر إلى يومنا هذا، خسائر شديدة ومؤلمة ، لم يكن الإقتصاد الإسرائيلي يتحملها لولا المساعدات الهائلة ، التي انهالت عليه من حلفائه وعلى رأسها ال ١٤ مليار دولار من الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم ال ١٤٧ ونصف مليون دولار أيضا من أمريكا ، رغم أنف الكونجرس الأمريكي ومن وراء ظهره ، ثم المساعدات الأخرى التى جاءت من بعض الدول الغربية ، ودول حلف الناتو ، وعلى رأسها بريطانيا وغيرها .

كل هذه المساعدات ، والتي جاءت من دول أخرى ، ساهمت في الصمود الإسرائيلي ، و في استمرار عدوانها على الشعب الأعزل في غزة ، بل واتساع نطاق المعارك لتشمل نحو ٧ جبهات لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني ، وصلت مساحتها إلى عشرات الألوف من الكيلومترات ، حيث تدور المعارك من المحيط الهندي إلى البحر المتوسط مرورا بالبحر الأحمر وبحر العرب و غزة والضفة ولبنان وسوريا وإيران ، بل واتسعت المعارك لتشمل كردستان العراق وباكستان . 

ومن الواضح أن ما تم التحذير منه منذ اللحظة الأولى للمعارك من أنها سوف تتحول بسبب هذه الممارسات العدوانية الوحشية الإجرامية إلى حرب شاملة كبرى في الشرق الأوسط ، تتحقق، 

بل أن تنبؤات كاتب هذه السطور حذرت من أن هذه الحرب الكبرى الشاملة في الشرق الأوسط ، قد تتحول إلى حرب عالمية ، وهو أمر وارد ، سوف يحمل معه كارثة كبري للبشرية ، يتحمل مسؤوليتها بالدرجة الأولى نتنياهو وزمرته المتحكمة في الكيان الصهيوني ، والمسؤولة عن كل المذابح والجرائم التي تٌرتكب جهارا صباحا ومساءا ، وبشكل فاق كل المذابح ، التي دٌونت في تاريخ البشرية في كافة الحروب ومن كافة الشعوب ، 

ورغم ذلك ، فإن الخسائر الإسرائيلية عديدة وكثيرة ، وإذا أردنا أن نلخصها في عجالة وفي هذا الحيز الضيق الصغير ،  نقول أن إسرائيل على سبيل المثال ، تراجعت تماما في صناعة البرمجيات ، بعد أن كانت الأولى على العالم تقريبا .

تراجعت إلى حد كبير ، وبشكل ملموس وواضح ، وتوقفت صادراتها تماما ، بل وزادت وارداتها كثيرا ، وازدادت الأعباء الاقتصادية على الإقتصاد الإسرائيلي ، وبدأت خسائره حدا غير منظور ، لأنه فاق كل التوقعات ، وقد يصل إلى نتائج لا تخطر على بال . 

يكفي أن ميناء إيلات ، قد توقف تماما عن العمل ، بسبب تحويل مسار السفن المتجهة إليه ناحية رأس الرجاء الصالح ، وهو ما يشكل عبئا اقتصاديا هائلا من حيث الوقت والجهد والتكلفة .

 كل هذه الأمور أدت أيضا إلى تفاقم مشكلة البطالة في إسرائيل ، وتوقف المصانع عن الإنتاج ، ثم الأسوأ من ذلك ، هو هجرة مئات الألوف من الإسرائيليين من مستوطناتهم في غلاف غزة وعلى الحدود اللبنانية ، إلى الداخل الإسرائيلي ، أي انهم أصبحوا لاجئين ، تماما مثل أهالى غزة الذين يعيشون في الخيام .
فاللاجئون الإسرائيليون ، تركوا منازلهم ولا يستطيعون العودة إليها مرة أخرى ، ويعيشون الآن في المخابئ والملاجئ والمدارس والجراجات أسفل الأرض ، وعاجزين عن العمل ، وممارسة أي نوع من أنواع الحياة ، فهم يعانون من البطالة والشلل الكامل .

الخسائر الإسرائيلية لم تتوقف على الجانب الاقتصادي فحسب ، لكنها شملت كثير من الجوانب ، 
يكفي أن إسرائيل لأول مرة في التاريخ توضع في قفص الاتهام ، لأول مرة تحال إلى محكمة العدل الدولية  وتنتظرها ، المحكمة الجنائية الدولية ، لمحاكمة قادتها شخصا شخصا و فردا فردا.

يكفي أن هناك تجمعا ، يصل إلى ١٠ دول من مختلف قارات العالم ، تُوجه اتهامات لإسرائيل عبر المحكمة الجنائية الدولية ، وتتضامن مع عريضة الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا  ضدها .

يكفي أن إسرائيل تواجه الآن حربا على سبع جبهات ، وهو أمر يشكل عبئا غير مسبوق نفسيا وعقليا وعصبيا على ذهن كل إسرائيلي  .

يكفي الصور القوية التي قدمتها المقاومة الفلسطينية من خلال الشهادات الحية لبعض الرهائن الإسرائيليين الذين عادوا إلى إسرائيل ضمن صفقات تبادل الرهائن التي تمت في الشهر الماضي بين الجانبين ، وقدموا صورة حضارية إنسانية راقية ومحترمة للمقاتل الفلسطيني وللمواطن المسلم ، ولحقيقة الإسلام السمح ، والذي لا يعرف تعصبا ولا قتلا ولا ذبحا ، ويعامل الأسير وفق التعاليم الإنسانية التي تنص على معاملته معاملة إنسانية راقية ، تحترم آدميته ، وهو الأمر الذي ضرب الكيان الإسرائيلي في الصميم  ودمر معنوياته، وجعل كثير من الإسرائيليين في أزمة نفسية مستمرة، يكفي الانقسام الداخلي الإسرائيلي غير المسبوق ، والمظاهرات اليومية في الشوارع الإسرائيلية ، وهي التي تحدث فيها اشتباكات وتٌغلق فيها الشوارع والميادين.

إسرائيل بعد ١١٧ يوما في صورة مزرية سياسيا واقتصاديا وإعلاميا ونفسيا وقانونيا وحقوقيا ودوليا ، إسرائيل الآن بدأت مشوار النهاية ، على يد نتنياهو .

وهو مشوار بدأ، بخطوات مسرعة نسبيا ، تؤكد أن إسرائيل تقترب من حتفها قريبا جدا ..
وإنا لمنتظرون.

[email protected]