جريمة بشعة بسبب الميراث .. قتلا طفلًا وقطعا جثته

الضحية
الضحية

حبيبة‭ ‬جمال

جريمة قتل بشعة، شهدتها المنيا، كان الجشع والحقد هما المحركان الرئيسيان للقتلة الذين أنهوا حياة طفل بريء لم يتجاوز التاسعة من عمره بعد، دون أي ذنب سوى الطمع الذي ملأ قلبيهما نحو والد الطفل؛ قتلاه بسبب الميراث رغم أنهما ليس لهما أي حق فيه وحتى إذا كان لهم الحق فليس من حقهم أن ينهيا حياة طفل، وجاءت مرافعة النيابة بهذه القضية بمثابة درس أخلاقي لكل من يستسلم لوساوس الشيطان ويسقط في مستنقع أحقاده وأطماعه.. في السطور التالية نسرد تفاصيل القضية بدءً من بشاعة الجريمة ووصولًا الى مرافعة النيابة التاريخية التي أعطت درسًا في الأخلاق للقتلة

                       المحكمة

نبدأ بآخر فصل في تلك القضية المثيرة والمأساوية، نبدأ بكلمة النهاية، التي كانت سعيدة على أسرة الطفل الذي قتل غدرا، ونكدًا على المتهمين؛ حينما أصدرت محكمة جنايات المنيا، حكما بإحالة أوراق المتهمة شربات محمد، ٣٨ سنة لفضيلة المفتي لقتلها طفل مع سبق الإصرار والترصد، وحددت جلسة الأول من فبراير المقبل للنطق بالحكم النهائي والحكم على المتهم الثاني. 

القصة بدأت في بيت صغير بمحافظة المنيا، عندما اختفى الطفل عبد العظيم، الذى يبلغ من العمر تسع سنوات، وبعد أيام من البحث عنه وجدوه عبارة عن أشلاء، والصدمة الأكبر أن مرتكب الواقعة هي زوجة عمه ونجلها، بدون أي ذنب قتل الصغير، واعترفت المتهمة ونجلها بتفاصيل الجريمة البشعة منذ لحظة الخطف والقتل وتقطيع جثته وحتى إلقاء أشلائه في المقابر، لا نحتاج أن نسرد بشاعة الجريمة، فمرافعة النيابة قالت كل شيء يمكن أن يقال فيها.. وإلى جلسة النطق بالمحكمة. 

إقرأ أيضاً : كشف غموض اختطاف عامل بالتجمع الخامس

الاتهام

وقفت المتهمة ترتدي عباية سوداء وبجوارها نجلها المتهم الثاني الذي لم يكمل عامه السادس عشر بعد، يبكي الصبي الذي وجد نفسه بين ليلة وضحاها قاتلا بسبب أمه، ينتظر كل منهما كلمة النهاية في جريمتهما، وعلى الجانب الآخر تجلس أسرة الطفل حاملين صورته لا يتمنون سوى القصاص حتى تبرد نار قلوبهم، وعلى المنصة يتواجد هيئة المحكمة ووكيل النائب العام المستشار خالد أبو رحاب. 

في البداية بدأ وكيل النائب العام، يتلو نص أمر الإحالة، فقال: "تتهم النيابة العامة كل من شربات محمد علي، وحسين محمد منصور؛ لأنهما بتاريخ يوم ١/2/2023، بدائرة مركز مغاغة بمحافظة المنيا، قتلا المجني عليه الطفل عبدالعظيم عيد منصور عمدا مع سبق الإصرار، بأن بيتان النية وعقدا العزم المصمم على قتله نكاية بذويه إثر خلافات فيما بينهما على الميراث، فتحينان الفرصة على ارتكاب جريمتهما وخطفا المجني عليه بالتحايل؛ بأن أوهمه المتهم الثاني بتوصيله لوالدته فتمكن بذلك من إبعاده عن أعين أهله وذويه وما أن ظفر به حتى اصطحباه لمنزلهما وقيدا يديه وقدميه وكمما فمه، وقامت المتهمة الأولى بخنقه بيديها حتى فارقت روحه وبات ماضيين في مشروعهما الإجرامي؛ بأن قاما بتجريده من ملابسه وقامت الأولى بنحر عنقه وقطعت كفيه وذراعيه وقامت بشق بطنه حتى أخرجت أحشائه باستخدام سلاح أبيض، ووضعاه عقب ذلك بداخل وعاء بلاستيكي "جوال"، واصطحبه المتهم الثاني ملقي إياه بمنطقة نائية قاصدين من ذلك إزهاق روحه، محدثين إصابته الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية المرفق بالأوراق، والتي أودت بحياته.

المرافعة

وبعد ما استمع رئيس المحكمة لأقوال المتهمين، بدأ المستشار خالد أبو رحاب وكيل النائب العام يتلو مرافعته، فقال: "من رب الخطايا نأتي اليوم بتلك القافلة.. ومن موكب الدناية نستوقف اليوم هذه الشرذمة.. ومن لب الخيانة سنتخلص اليوم تلك البذور الآثمة، فمن أعلى صعيد الخيانة ومن ذروة قمم الغدر ومن أحلك متاهات الضلال جئناكم اليوم بهذين المتهمين الماثلين أمامكم ونقول؛ يا قاتل البريء يومك آت ستنال فيه مرارة الحسرات.. أبشر بيوم كالح تلقى به من بعد ذل العيش ذل ما مات، ما أنت بالإنسان فالإنسان لا يلقي قذائفه على الفلذات.. عذرا إلى شعري فقد دنسته بقبيح فعل يا أخ النزوات.. هيئة المحكمة الموقرة.. هذا قول نفر من البشر.. أما سيد البشر صلوات ربي وسلامه عليه قال: والذي نفسي بيده ليأتين على الناس زمان لا يدري القاتل في أي شيء قتل ولا يدري المقتول على أي شيء قُتل"، وقال أيضا "لزوال الدنيا جميعا أهون على الله من دم يسفك بغير حق"، إنما رب البشر قال:"وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها والله مخرج ما كنت تكتمون".

ثم بدأ يسرد الواقعة من بدايتها، وقبل ارتكابها بسنوات، فقال: "هيئة المحكمة، تدور ما شاب ذلك من وقائع منذ ما غابت المبادئ والقيم، وقلت عند أولياء الأمور الهمم، فانسلخوا من دورهم وتركوه لغيرهم فعجبا لأمرهم وسحقا لفعالهم، في دعوانا تبدل دور الأم من المربي والمعلم إلى المضل والمخل والباغي، فتبدأ وقائع تلك الدعوى منذ زمن بعيد، عندما تزوج الذاهب إلى رحمة مولاه محمد منصور حسين، المتهمة شربات محمد علي منذ ما يقارب عقدين من الزمان، ورزقهما الله سبعة من الأولاد فيهم البنين وفيهم البنات، فرزقهما الله حسين، وعبد العزيز، ومنصور، وصبايا أخريات، ولكن لم يرزقان بسعة من المال، فالموجود من المال لا يكفي إلا لتيسير الحال، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، فرزقهما الله إحدى زينتيها، ومنذ ما يقارب عقدا من الزمان توفى الزوج وصعدت روحه إلى السماء، وكان ذلك في حياة أبيه، فبالتالي بالنسبة لأبنائه قد توفى أبوهم في حياة جدهم، فبوفاة جدهم يحجبوا بوجود أعمامهم من الميراث، وذلك قدر الله وله في ذلك أمرا، ونحن ما علينا إلا الرضا والتسليم بقضائه، ولكن هل المتهمان صبرا ورضيا لا والله.. وسنعرض عليكم توا مخططهما اللئيم وفعلهما الأثيم، فقبل وقوع تلك الواقعة بعام، توفى إلى رحمة مولاه منصور حسين جد المتهم وجد المجني عليه، فأبناء عمومهم فتوفى الجد عن زوجة وخمسة من الأبناء؛ أربعة منهم بنين والأخيرة من جنس الحريم، بالإضافة إلى أبناء الابن المتوفى قبل وفاة أبيه، فهؤلاء هم الوارثون، وترك تركة ليست هي بالمليارات ولا بالملايين، وإنها على حد أقوال الشهود والمتهمين عن بيتين وعشر قراريط فما بالكم بنصيب المتهمة الأولى وأبنائها، أو المتهم الثاني وإخوته من تلك التركة؟!، فزوجة المتوفى الجدة بالنسبة للمتهم والمجني عليه، لها الثمن وباقي التركة توزع للذكر مثل حظ الأنثيين، وحيث أنهما خمسة أشقاء، فمقدار حق كل منهم لا يجاوز القيراطين وثلث أحد البيتين، وذلك نصيب أيضا ما كان سيكون لوالد المتهم إن كان على قيد الحياة، ولكن بوفاته فإن ذلك النصيب بعضه لأولاده سيؤول وصية واجبة، فما ظنكم بالذي كان المتهم وأمه طالباه؟!، فقد ذهب المتهم الثاني إلى جدته وكان يطالبها بالعشر قراريط، فلم ترفض له طلبا ولم تنهره وإنما قالت له إن أحد أعمامك يزرعها فحينما ينهي زراعته خذها وازرعها أنت وبعده أحد أعمامك وهكذا، فكانت سيدة حكيمة أدارت الانتفاع بتلك القراريط إدارة يستفاد بها كل الورثة، ترى هل يصمت المتهم أو يصبر، كلا فقد ذهب المتهم إلى أكبر أعمامه المدعو عيد محمد منصور والد المجني عليه وكان يطالبه بدار من الدارين فأي قسمة حمقاء هذه، فرد عليه العم قائلا لا أستطيع إعطائك أكثر من نصف دار ليكون باقي الورثة من الراضين، رغم أن المتهم ليس له حق ذلك في تركة جده، فلو افترضنا جدلا أن العم قد منعهم من أموال، فهل ذلك يبرر لهم فعلهم الأثيم، كلا إنها نفوس طاغية دانية، حيث إنه بعد حين أراد والد المجني عليه المسكين أن يسافر إلى إحدى الدول العربية حينما أدرك أن الرزق في السعي ليس في المكوث كالبقية، فاقترب من أجل تلك السفرية، فسلفة من يسار وسلفة من يمين، وسافر المسكين وهو لا يعلم ما الذي سيصيبه جرحا في القلب، فالمتهمة الأولى بسبب حقدها جاءتها فكرة شيطانية، بيتت لها وللمتهم الثاني النية لإفشال تلك السفرية بطريقة إجرامية عدوانية غير أبية لا عائبين لأثر ذلك على أسرة من عبيد رب البرية، فكويا قلوبهم بنار ذهبية وبإذن الله قريبا ستكون المتهمة في المشنقة ملقية، فخططا لخطف أحد أبنائه الصغار وقتله ليعود المغترب على وجه حسرة آسفا، وتنفيذا لتوجيهات المتهمة الأولى، ذهب المتهم الثاني لمراقبة منزل المجني عليه والتربص به، حتى تلاحظ المتهم الثاني خروج أم المجني عليه من الدار فاستغل ذلك لينفذان ما خططا لهما من دمار، فاقترب المتهم الثاني وأمه في الانتظار وحدث نجل عمه الطفل قائلا له "هل هنا أحد من الكبار؟"، فرد عليه البريء أن أمه قد تركت الدار، فأشار المتهم عليه أن يأخذه إليها واستدرجه، وأرقداه بدراجة نارية لكي لا تنفضح مخططاتهما الدموية".

واستكمل: "سيدي الرئيس إنهما استدرجاه وأخذاه وخطفاه وبالوصول في منزلهما أدخلاه ومن يديه وقدميه قيداه وبقطعة قماش وضعاها على فيه فأخرساه وعلى رأس الطيور ألقياه وبتلك الغرفة حبساه، وفي وقت لاحق عادا إليه وقتلاه وأخذا ردائه وأخفياه ثم عادا لجثمان الطفل فعرياه، ثم عادا إليه فقطعاه وأخذا أشلائه وفي المقابر ألقياه إلى هذا الحد يستهان بالنفس البشرية.. هيئة المحكمة إلى هنا وقفتان؛ الأولى هي بسؤال النيابة العامة للمتهمين عما إذا كان قد بدر من الطفل المجني عليه حال ارتكابهما الوقائع الإجرامية منذ استدراجه إلى أن قتلاه، هل بدر منه ثمة مقاومة؟، فأجاب نفيا لم يصدر عنه أي مقاومة وكأن هول الواقعة أصابه بالشلل ولسان حاله يقول ما الفعل الذي ارتكبته أو الجرم الذي قد اقترفته حتى يكون ما يقع عليا هو عاقبته، فبالنسبة للمجني عليه في هذا المشهد ما يقع عليه من نجل عمه الأكبر وامرأة عمه التي افترض فيها أنها في مقام أمه، فبالنسبة له في هذا المشهد قد سقط صرخا وظهر عتوا وانفضح زيف فلما قتلتيه، لما خنقتيه، لما قطعتيه، فهذه كانت وقفتي الأولى، أما وقفتي الثانية فخديعة ومكر المتهمين إذ كانا قد اتفقا بعد قتل الغلام على تضليل الأهلية بطريقة عشوائية إذ ألقيا ملابسه بمكان قرابة مسكنه وذهبت المتهمة الأولى مصطنعة أنها تشد عضد أمه حتى يعثر الأهلية على ملابس الغلام، فيلهو في ذلك المكان باحثين عن الجثمان، ليتمكن المتهم الثاني بإلقاء الأشلاء في أي مكان، وهذا كان مكرهما، سيدي الرئيس أنها فعلة منكرة انتهكوا بها الحرمات.. خانوا الجيرة وما بينهم من قرابات، قتلوه صغيرا صبيا، أفسدوا في الأرض والله لا يحب الفساد، حق عقابهم في الأرض وفي السماوات، هذان المتهمان بالشر منغمسان، بالسوء مولعان وعلى المنكر متهافتان، تاه في غياهب الباطل وهاما في أودية الأوهام، بئس هما وبئس ما صنعا.. هيئة المحكمة إن المتهمين بعد إنهائهما لفعلتهما الإجرامية وعدم كشف أمورهم الباطنية، من هنا شعرا أنهما فازا إذا انتقما، ولكن أي فوز هذا؟!، فوز في الجرم، ظنا أنهما هكذا سيفلتان من العقاب ولكن هناك قضاء وهناك قانون وهناك نظام وهنالك دولة، فإذا كان القانون عندهم عبثا فهنالك خالق من سن هذا القانون، هناك رب العدالة يحميها وهو يمهل ولا يهمل".

ثم وجه كلامه للمتهمين، فقال:" يا شربات، ويا حسين ألن تخشيا من العظيم وأنتما تخطفا عبد العظيم، ألم تخشيا من العظيم وأنتما تقتلا عبد العظيم، ألم تخشيا من العظيم وأنتما تقطعان جثمان عبدالعظيم، فالله العظيم إنا هنا واقفون لنعيد حق عبدالعظيم، وقضاتنا جالسون لإعادة حق عبدالعظيم، فإن كنتما قتلتما عبدالعظيم فكل منا للعظيم عبد".

فقطع المتهم كلام وكيل النائب العام ودخل في نوبة من البكاء وبدأ يتكلم ويبدي ندمه على الجريمة وأنه لم يفعل شيئا بإرادته، فأسكته رئيس المحكمة وطلب من وكيل النائب العام استكمال مرافعته، فاستكمل وقال: "هيئة المحكمة إن أدلة الإثبات جاءت في تلك الدعوى متماسكة مترابطة كالبنيان المرصوص،  فجاءت الأدلة الآتية ببراهين توضح أمورا ما كانت تتضح بدونها، ثم لتأتي الأدلة القولية لتيقن لنا ما جاء بالأدلة المادية، ثم الأدلة الفنية لتثبت لنا صدق ما جاء بتلك القضية.. هيئة المحكمة إن كان الحكم في بعض القضايا يحملكم في بعض القضايا مشقة من بحث ووزن وترجيح ثم اقتناع فيقين، فإن أبشركم أن هيئتكم الموقرة في خلوتها المحدثة لن تجدوا في هذه القضية مشقة ولن تجدوا بينكم في الحكم خلافا، إذا ما أن أسند في حق المتهمين ثابت بالإقرار المعروف بسيد الأدلة،  ثم استكمل وقال: "سيدي الرئيس حديثي الآن سيوجه إلى أربعة حديث للمتهمين وحديث للمجتمع وحديث للمشرع وحديث إليكم سيدي الرئيس؛ فأما حديثي للمتهمين وعلى الأخص المتهمة الأولى شربات، فالله قد رزقك من الأبناء سبعة، فلو كنتي قد صبرتي ورضيتي وأحسنتي نشأتهم فعساهم قد أتوا بالدنيا وما فيها، وليس فقط دارا ولا قيراطا، فلو كنتي صبرتي عسى الله قد نصركي بابنك منصور، أو أعزك الله بعبدالعزيز، أو أن حسين هذا عساه في يوم من الأيام قد كان أصبح عزيز مصر وليس شيء على الله محال، ولكن ألقيتي حسين في غياهب الضلال، فبات خروجه من ذاك الدرب من جب الخيال". 

 واستكمل وكيل النيابة، وقال: "ألبست نجلها الملابس النسائية وأسفلها حمالة صدر وارتداهما هذا الغلام الهش في رجولته، عفوا الهش في ذكورته، فليس كل ذكر رجل، فالرجولة نبل، وإنما الذكورة تكوينات خلقية، قد تحملها نفوس دنية، ألبسته الخزية والعار ليخفيان جريمتهما". 

هيئة المحكمة إن حديثي لا يستشف منه أن المتهم الابن مجني عليه من بغي وفجور أمه، فالمتهمة الأولى في واقعتنا من كثرة ما قد ملأ قلبها من حقد وطمع وغل فإنها بذلك قد ركبت على الشر وانطلقت تبحث لها عن شريك، فوجدت أن ابنها أكثر سوادا منها، أي أمومة تلك وأي ابن هذا، هيئة المحكمة إن النيابة لهي الحصن المنيع، وسيف الحق، ولذلك فإن النيابة تطالب بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين وهي بالنسبة للمتهمة الأولى عقوبة الإعدام، هيئة المحكمة اجعلوا حكمكم رسالة عدل وبلاغ عبرة وبشرى سلام".

***

بعدها أسدلت محكمة جنايات المنيا الستار وقالت كلمتها الأخيرة، وها هي المتهمة تنتظر فقط تصديق حكم إعدامها وتنفيذ الحكم، بينما نجلها سيقضي أعواما من عمره في السجن خلف القضبان بحكم أنه قاصر.

 


 

 

 

;