محاكمة الضمير في «جريمة بيضاء».. والعقوبة «الإعدام حيا»

الكاتبة الصحفية دعاء فودة
الكاتبة الصحفية دعاء فودة

اعتدنا منذ زمن، على مشاهدة العروض المسرحية بالقطاع الخاص، باللغة العامية وغالبا ما تكون موضعاتها تنتمي لكوميديا الفارس والإفيهات اللفظية، بحكم أن تكون تجارية جاذبة للجمهور، ولكن مؤخرا أقدمت المنتجة أروى قدورة على إنتاج عمل مسرحي باللغة العربية الفصحى على مسرح الهوسابير،- اعتبر هذه الخطوة مغامرة-، خلال العرض المسرحي "جريمة بيضاء"، المأخوذ عن رواية "العطل" للكاتب السويسري فردريش دورنيمات، وكتب المعالجة لـ"جريمة بيضاء" الشاعر والكاتب المسرحي يسري حسان، الذي حافظ في معالجته على مضمون النص الأصلي "العطل"، واستغلال المحامين ثغرات القانون، وأن للجريمة وجوه كثيرة غير التي يعترف بها ويعتمدها القانون مستندا على أوراق وأدلة واضحة وصريحة، فالأذى قد يكون بكلمة أو تصرف بسيط "في نظر القانون" ليس جرما، ولكنه في الواقع جرما كبيرا ويترك أثرًا سلبيًا في النفوس وتؤثر على سلوك الأفراد، فقد تمكن "حسان" مع إضافة بعض الملامح الكوميدية من الكتابة بلغة سلسة بسيطة لا يشعر منها المتلقي بأي ملل برغم أن لغة العرض هي العربية الفصحى، وخاصة أن كثير من الجمهور لا يقبل على العروض التي تقدم بالفصحى، لكن هنا نجد في "جريمة بيضاء" متعة في المتابعة والتركيز والانتباه طوال مدة العرض الذي تصل مدته 60 أو 70 دقيقة فقط، وهذا اعتبره مميزة العرض أنه لا يتخطى الساعة الواحدة تقريبا، إلى جانب الرؤية الإخراجية البسيطة البعيدة عن "الفذلكات الإخراجية" للمخرج سامح بسيوني، وتنطبق كذلك البساطة على الديكور لـ"حازم شبل" والملابس لـ"سماح نبيل"، وإضاءة لـ"إبراهيم الفرن"، وموسيقى لـ"محمد علام" وغيرها من عناصر العرض المتميزة.

"جريمة بيضاء"، هي مباراة تمثيلية، على خشبة المسرح، بمشاركة فنانين أسعدنا عودتهم كالفنان ناصر سيف والفنان خالد محمود، واللذان اعتبر وجودهما من عناصر البهجة في "جريمة بيضاء"، بالطبع بالإضافة إلى مشاركة د.علاء قوقه، ود.أيمن الشيوي ورضا إدريس، وكذلك وجود مجموعة من الوجوه والمواهب الشابة منة بكر، نور القاضي، أحمد أبوزيد، رامي شبل، نورمحمد. 
تبدأ رحلة اكتشاف "الجريمة البيضاء" بتعطل سيارة تاجر أقمشة "ألفريدو ترابس- ناصر سيف"، في بلدة صغيرة نائية، ولن يتكمن من العودة في نفس الليلة، فيضطر إلى المبيت في البلدة، وخلال رحلة بحثة عن مكان يقضي فيه ليلته، يصل إلى منزل قاض متقاعد "فيرجين- أيمن الشيوي" والمعروف عنه استضافته للغرباء، ويجد في المنزل أصدقاء أخرين لـ"القاض" منهم "وكيل نيابة متقاعد- د.علاء قوقه"، و"محام- خالد محمود"، والذين اعتادوا جميعا ممارسة لعبة غريبة كل ليلة بأن ينصبوا «محاكمة» يمارسون فيها مهنهم دون قيود القانون، ويفاجئ "ألفريدو" بأن ينصبوا له محاكمة، ونكتشتف منها تورطه في جريمة قتل بشكل غير مباشر، ونجا من العقاب لعدم وجود نص قانوني يدين هذه النوعية من الجرائم، التي ليس لها أدلة أو سندات "جريمة بيضاء"، مستغلا في تنفيذ جريمته ثقة مديره في العمل به، تصدر المحكمة حكما بإعدام «ترابس» حيا، وهو حكما غير الذي يحكم به القانون، هو أن يحيا الشخص ميتا عندما يحرم من كل متع الحياة، وحينما يرغب في النجاة من العقوبة عليه أن يصلح من نفسه وأن يكون إنسانا فقط، وهذه هي رسالة العرض أن يحكم الإنسان ضميره قبل أن يحاكمه القانون.