يوميات الاخبار

فى المسألة الدولارية .. كنوز مستخبية!!

محمد البهنساوى
محمد البهنساوى

(«أنا لو حليت أزمة الدولار ولا يهمنى حاجة تانى» هكذا أكد الرئيس.. إذن فهى الأزمة المحورية التى تهون وتحل على جوانبها باقى الأزمات)

«لا صوت يعلو فوق صوت الدولار»، هذا هو الوضع بمصر وعدة دول بعضها غني، لكن فى مصر الأزمة صوتها أعلى لأسباب كثيرة، أهمها أنها أزمة مفتعلة فى جزء كبير منها فهى بفعل لوبى ومافيا تجيد المكاسب ولو على أنقاض الأوطان، كما أن للأزمة وجوهًا كثيرة غير اقتصادية، لا نستبعد منها ما يتم على حدودنا خاصة الشرقية وجنوب البحر الأحمر، مساعٍ لا تهدأ منذ سنوات لتركيع مصر، وربما وجد الساعون غاياتهم فى العملة الخضراء معتقدين أنها السبيل الأخير للضغط على قاهرة المعز بعد أن فشلت سبل أخرى عديدة.


بالطبع لا ينكر أحد وجود أزمة عملة بمصر، والرئيس السيسى بصراحته المعهودة يذكر ذلك باستمرار، وآخرها فى كلمته التلقائية بعيد الشرطة، وفى تلك الكلمة التى اتسمت بالوضوح كعادته ذكر نصا «أنا لو حليت أزمة الدولار ولا يهمنى حاجة تاني». إذن فهى الأزمة المحورية التى تهون وتحل على جوانبها باقى الأزمات.


والرئيس مر بكلمته مرور الكرام على أهم أسباب الأزمة، بدءًا من أحداث يناير وما تلاها مما تسبب فى خسائر تقترب من نصف تريليون دولار «حتة واحدة»، ناهيك عما تعرض له اقتصادنا بفعل أزمات عالمية لا يد له فيها، بجانب الأسباب الداخلية منها مافيا السوق السوداء للعملة وما يفعله بعض رجال المال والأعمال، وكان الرئيس عف اللسان كعادته فى وصف السلبيات الداخلية التى لا يقل تأثيرها فى الأزمة الدولارية الحالية عن الأسباب الخارجية.
وهنا لن نزايد على الرئيس ولن ننتهج نهجا مخالفا لمنهجه الهادئ المهذب فى التوصيف، لكن نتوقف عند قطاعين لو جاءت تحركاتهما صحيحة ومخلصة من أجل الله والوطن والمواطنين لتلاشت الأزمة فى شهور قليلة مهما كانت التحديات، القطاع الأول هو الصناعة، ولعل كثيرين غيرى تحدثوا واصفين كيفية زيادة وتشجيع التصدير، هناك بالطبع بعض المسئولية الحكومية من تسهيلات وخطط عمل وحوافز تؤدى لزيادة التصدير والوصول به سريعا إلى 100 مليار دولار وربما أكثر، وهناك أيضا مسئولية أهم وأكبر على المصنعين ورجال المال والأعمال، فلعلهم يفقهون مسئوليتهم تجاه الوطن الذى لولاه لما كانت ثرواتهم، لا نريد شيئا من تلك الثروات بل نتمنى مضاعفتها، لكن لابد ألا يكون الهدف الأسمى المكسب السريع بلا مخاطرة، وهنا فى رأيى تكمن المشكلة، فكثير ينظر تحت قدميه مفتشا عن ثراء سريع فلا يرى الكنوز التى تنتظره لو صبر وثابر وأطال النظر والخطط، لهذا يزداد الاستيراد بدلا من تعب ونصب وكفاح التصنيع عملا بمبدأ (شرا العبد ولا تربيته) فيقع الضرر على وطننا ومواطنينا.


والقطاع الثانى هو السياحة، ونتيجة لقربى لهذا القطاع ومتابعة مسيرته ومشاكله منذ سنين طويلة، أقولها شهادة حق لله والوطن، إن ما تم تقديمه للسياحة فى عصر الرئيس السيسى من خدمات وحل لمشكلات وتذليل عقبات غير مسبوق ولم يكن يحلم به القطاع، لكنها صناعة هشة تتأثر بأى تقلبات داخلية أو خارجية، وهنا أقف ملجّما أمام تساؤل لم أتمكن من معرفة إجابته: هل كل مكاسب القطاع السياحى وحصيلته الدولارية تدخل مصر، أم صحيح ما يردده البعض من داخل القطاع نفسه أنه لا يصل من تلك الحصيلة إلا فقط تكلفة التشغيل؟ ولو صح ذلك لكانت جريمة بل وخيانة وطنية!!


لكى الله يا مصر وحماك ربى من مؤامرات الخارج وجشع وطمع الداخل
دولارات مخفية، والمليار الأولى !!
وعند الحديث عن أزمة الدولار يجب ألا نتوقف فقط عند القطاعات الرئيسية والتى قد تحتاج لوقت مديد وجهد جهيد حتى تؤتى أكلها أوراقا خضراء بإذن ربها، لكن بمصر المحروسة أنشطة ومزايا عديدة تصلح كمصادر سهلة وسريعة للعملة الصعبة، بعضها مليارى، والأخرى بمشتقات المليون خاصة المئات، لو نظرنا بخطط وفكر لتلك الأنشطة لتنوعت مصادر الخير الدولارية وأشقاؤها من العملات الصعبة.
ولنبدأ بنشاط سهل وثماره ليست دخلا دولاريا فقط رغم غزارته، إنما أيضا دعاية وتسويق لمصر وشعبها وتاريخها وحاضرها، هل تسمعون عن أفلام أجنبية مثل (الهرم، المومياء، عودة المومياء، كليوباترا، العنصر الخامس، آلهة مصر وغيرها) هل تعلم يا عزيزى أن تلك الأفلام التى تتناول تاريخ مصر تم تصويرها جميعا خارج المحروسة وبعضها بدول مجاورة، وتكبد المنتجون بناء حضارة تشبه حضاراتنا هربا من الروتين والتعقيدات التى تواجه من يسعى لتصوير فيلم عن مصر بمصر، لدرجة أن مخرجا حضر منفردا للتجهيز لتصوير فيلم وعند مغادرة مصر سألوه عن انطباعه قال: بلدكم جميل ورائع ويصلح لنوعيات متعددة من الأفلام، وستكون نصيحتى لمن يريد تصوير أفلام بمصر إياك أن تقترب أو تحاول!!


وأذكر أنى أثرت هذا الأمر بعدة مقالات بمحبوبتنا الأخبار وأكدت التقارير وجود دخل مبدئى مليار دولار سنويا، فمصر يا سادة تصلح ليس فقط للأفلام التاريخية عنها إنما لأفلام الصحراء والمغامرات والخيال العلمى والأكشن وغيره كثير، وهناك دول شقيقة تعيش على تصوير تلك الأفلام بها، لنبحث حل ما لدينا من تعقيدات فى التصاريح والموافقات والرسوم والجمارك والإفراجات وموقف النقابات، أمور يسهل حلها وقد صدر قرار بهذا بالفعل لكن تم تجميده، والنتيجة ضياع مليار دولار سنويا، فهل من مجيب؟!
من الضفادع للياسمين؟!
وإذا نزلت من الفئة المليارية السابقة للمليونية ومضاعفاتها فحدث ولا حرج، وكلها معروفة لكن فقط تحتاج إرادة للتطوير، وأعتقد أن تلك الأنشطة تحتاج لجنة صاحبة رؤية وقرار لتنشيطها وإزالة معوقات انطلاقها لننعم بحصيلة سريعة ووفيرة من العملة الصعبة.
لنبدأ بقرية مصرية علامة دولية فى إنتاج العطور، وهى «شبرا بلولة» بالغربية التى تنتج وحدها نصف الإنتاج العالمى من مستخلص الياسمين المستخدم بصناعة أشهر العطور العالمية خاصة الفرنسية، وقرية «سماكين الشرق» بالشرقية، تشتهر بزراعة نباتات الزينة والنباتات العطرية وتصديرها للخارج، كما تشتهر الفيوم بالنباتات الطبية والعطرية وتصدر إنتاجها للخارج أيضا مثل الأقحوان المعروف بعباد القمر، وشيح البابونج والبردقوش والنعناع الفلفلي، وتمثل النباتات الطبية والعطرية بالفيوم ثلث المساحة المزروعة منها بمصر، وتصدر إنتاجها لعدة دول منها ألمانيا وفرنسا وأمريكا والحديث يمتد للبلح المذكور بالقرآن الكريم «رطبا جنيا» والكثير من الأعشاب الطبية وورق البردى الذى تشتهر به قرية «القراموص» بالشرقية.


لماذا لا ندرس أحوال تلك المحاصيل وكيفية مضاعفتها وتخصيص نسبة من الأراضى المستصلحة لإنتاجها وتذليل كل العقبات أمام مضاعفة صادراتنا منها؟
وبعيدا عن النباتات العطرية والطبية هناك أنشطة أخرى لها أهمية تصديرية ويمكن مضاعفتها، فى مقدمتها منتج حيوانى تبلغ استثماراته دوليا مليارات الدولارات وهنا فى مصر يقبع بمستنقعاتنا، إنها الضفادع الخضراء التى تعد وجبة ثرية باهظة الثمن بعدة دول يتناولها مواطنوها كوجبة شهية، ويعتقدون فى حسائها قدرة على شفائهم من أمراض عديدة مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية والبرود الجنسى والأنيميا، وهى شوربة الأثرياء ويزبد سعر الطبق عن ١٠٠ يورو.
وأصبحت الضفادع تجارة عالمية رائجة تدر مليارات الدولارات تتصدرها إندونيسيا التى تنتج 80% من استهلاك العالم، ووصل سعر الكيلو الحى 40 دولارًا، وبدأت تنافسها لبنان وتركيا، وتتصدر فرنسا الدول المستهلكة بإجمالى 80 مليون ضفدعة سنويا. وبدأت تلك التجارة تعرف طريقها بقائمة الصادرات المصرية منذ سنوات ولكن بقيمة زهيدة بفضل قرى بمحافظة الدقهلية والجيزة والإسكندرية ودمياط بدأت بها مزارع الضفادع تمهيدا لتصديرها.


أموال المدربين.. خسارة مزدوجة !
ولن ننهى حديث العملة الصعبة دون مرور الكرام على الرياضة وملايين الدولارات ليس فقط لرواتب بعض المدربين، إنما أيضا على أدوية علاج ما يسببونه للشعب من أمراض منها السكر والضغط والنكد، ويكفى أن نعلم أن راتب مدرب المنتخب يتجاوز ٢.٥ مليون يورو سنويا، ومثلها لمساعديه أى ٥ ملايين يورو والنتيجة ما شاهدناه بأمم أفريقيا الحالية والتى لو فاز بها منتخبنا فبسبب تاريخنا واسمنا ورجولة اللاعبين وليس أبدا بسبب المدرب.
يا سادة نحن فى أزمة عملات، كما أن أفضل نتائج منتخبنا بتاريخه الكروى محفورة لمدربين وطنيين أفذاذ بدءًا من الوحش والجنرال الجوهرى رحمهما الله وصولا للمعلم شحاتة أطال الله عمره، إذن يا عزيزى وزير الشباب والرياضة الأمر يحتاج وقفة جادة وقرارا يناسب الأزمة الحالية ورفقًا بالبلاد والعباد والعودة سريعًا فى المجال الكروى برمته لشعار «صنع فى مصر» ويمكننا تصديره لو أحسنا إعداد مدربينا.


تحيا مصر وعاشت شرطتها
تعيش مصر تلك الأيام أجواء الاحتفال بعيد الشرطة الموافق ٢٥ يناير من كل عام، والشرطة أحد أهم أركان دولتنا، ورجالها يحملون أرواحهم على أكفهم ليقدموها فداءً لأمن وأمان مصرنا الغالية، وإذا كتبنا عن عطاء رجال الشرطة لمصر والمصريين لا تكفى صفحات الجريدة من بطولات وفداء ومواقف إنسانية، يسهرون لننام مطمئنين، يغامرون بحياتهم لنظل عايشين، هم من يؤمنون تحركاتنا ويقضون مصالحنا ويحمون أقواتنا، ويصونون اقتصادنا، وفى سبيل كل ذلك يتحملون ما لا يطيقه بشر من تجاوز وتشكيك ووقيعة بينهم وبين الشعب، ورغم كل ذلك صابرين مثابرين، ومن أجل عيون الوطن والمواطن متحملين.
فتحيا شرطتنا وكل سنة وشرطتنا قوية عفية فتية وطنية.